تقارير

أبناء الشيخ الحسيني.. خرجوا من غزة وناضلوا في كل فلسطين

قصور ومنازل ومساجد يفوح منها عبق التاريخ في غزة.. سجلها الأدباء والشعراء- (الأناضول)

نتناول في هذه السلسلة الشعراء الفلسطينيين في أواخر العهد العثماني، ممن كان لهم دور بارز في نحت معالم الهوية الفلسطينية، أدبا وشعرا ونضالا.. هذه المرة سنتناول عائلة شاعرين تشكلت من خمسة أعلام من عائلة. الشاعران هما حسين أفندي الحسيني (1841 ـ 1909) نقيب أشراف غزة، وعبد الحي أفندي الحسيني (... ـ 1912) الناشط الذي نفي مع شقيقه إلى تركيا.. أما الباقون محمد حنفي أفندي فقد كان مفتي غزة، وعبد الرحمن أفندي قاضي الخليل، إلا أن أخاهم علي لم يأتِ ذكره مثل إخوته.

ولد حسين أفندي في غزة، وتربى في حِجر والده الشيخ أحمد محيي الدين، حتى صارت له معرفة في التاريخ والأدب والنظم والنثر. توجه معه إلى مصر بعد أن عُزل عن وظيفته 1865م. وبقي في مصر مدةً حتى استحصل على العفو عنه بوساطة الخديوي إسماعيل وأعيان العلماء في مصر (انظر مقالنا السابق). 

وبعد عودة وظيفة الإفتاء إلى والده، أصبح قاضياً في صور، ومكث فيها قاضياً ستة أعوام. ثم قاضياً في قضاء حيفا لعامين. ثم عاد بعدها إلى غزة وشغل أيضاً منصب قائمقام نقيب الأشراف، ثم رحل بسبب وشايات مغرضة إلى دمشق، ونزل مع والده عند الأمير عبد القادر الجزائري.  ثم عاد إلى غزة وأصبح رئيساً لمجلس البلدية في أول فترة تأليف المجلس.

في خواتيم أيامه لزم حسين أفندي مصالحه وأملاكه، وتعاطى مزارعه وأشغاله، وتملك أراضي في عدة قرى. ثم لزم ديوان بيته، لكبر سنه ومرضه. واستقر في جورة عسقلان، وبقي فيها حتى توفي هناك، ونقل إلى غزة ودفن في موضع مجاور لداره.

وحسب كتاب "إتحاف الأعزة في تاريخ غزة" فإن للشاعر نثراً ونظماً لم يُحفظا ولم يُجمعا، ورسالة في الحرية. 

عبد الحي أفندي الحسيني 

ولد في غزة، وعاش في كنف والده العلامة الفقيه، واكتسب منه حب المطالعة والبحث وطلب العلم في غزة حتى تقدم بين الناس وظهر، وسافر إلى مصر والآستانة، وتنقل بين البلدان، واكتسب فضلاً وأدباً وعلماً، وتولى الخطابة في الجامع العمري الكبير مؤقتاً في بادئ الأمر، ثم آلت إلى عائلته بعد انقراض عائلة الخطيب الترماشي. وتفوّق بحسن الخطابة، ووجهت إليه الرتب العلمية مثل "آية إزمير" و"نيشان مجيدي".

ومارس عبد الحي كتابة التاريخ والأدب حتى صار له ملكة قوية في النثر والنظم. وكان يجل العلماء ويكرمهم ويباحثهم ويتودد إليهم. وصفا الوقت له ولأخيه مفتي غزة لمدة، ودان لهما الخاص والعام وأرباب الوظائف والحكام.
 
ثم وشى بهما حسادهما إلى الدولة، وكثرت عليهما الشكاوى حتى رفع عبد الحي من وظيفته فتوجه إلى الآستانة سنة 1892م. واتصل بالشيخ محمد أبي الهدى الصيادي، وأخذ عنه الطريقة الرفاعية، وصار من أجلّ خواصه، فلم يستفد أخصامهما من شكاياتهم. ثم تخاصم مع بعض الحكام في غزة والقدس. وتغلبت عليه الحدة وسرعة الغضب وحب النفوذ وعدم الخنوع، فكثرت عليه الضغائن والتشكيات حتى صدر الأمر بنفيه مع أخيه المفتي وولده. فأُخذوا من غزة في ليلة 18 شباط (فبراير) 1898م إلى يافا ومنها في باخرة خاصة إلى أنقرة.

كتب شاعرنا مقالات ومحاورات وخطباً عديدة، وقصة مولد، وأرجوزة في المواعظ والحكم نظمها في أثناء وجوده في أنقرة. ثم صدر العفو عنه بعد موت أخيه ورجوع ولده. فحضر إلى غزة في أواخر سنة 1905م. مرض ولزم بيته وقلل من الاجتماع بالناس، وتوفي في مرضه في 5 شباط (فبراير) 1912م، ودفن في أعلى التربة المقابلة لمقبرة الشيخ شعبان في غزة.

وفقاً لـ "معجم البابطين" فإن القدر المتاح من شعره يدل على قدرة في النظم وتنضيد المعاني وجلاء الفكرة التي تهيمن على القصيدة. ومطولته (35 بيتًا) التي قالها عندما سيق منفيًا يصوّر فيها محنته بكثير من الكبرياء والاعتزاز بعلمه وشرف نسبه استُجْلِبت معانيها وكثير من صورها من الشعر القديم وبخاصة النابغة وأبا فراس الحمداني والمتنبي.

لئن نابني دهري فما أنا عاتبُهْ..    ومن ذا يرجِّي رِفْق قِرْنٍ يغالبُهْ 
وإني وهذا الدهر دومًا كما تَرَى..      يجاذبني طرفَ العُلا وأجاذبُه 
وأيُّ كريمٍ لم يناوِ زمانه؟ ..                 وأي شريفٍ لم تَنُبْهْ نوائبُه؟ 

إلى أن يقول عن فراق الأوطان:

فكم مستريحٍ في الحضيض مقامُه .. وكانَ سَمَتْ هامَ السِّماك مناصُبُه 
ومن رام في أيامنا صَوْن دينِهِ ..                   بلا محنةٍ شطَّتْ عليه مآربه 
ومن فارق الأوطان مثلى لدينه ..               فقد واصَلتْ أوجَ العَلاء ركائبه 
ومن غادر الأوطان تبكي عيونُهَا ..             على بُعْدِه هانت عليه كواربُه 
ومن بارح الأوطانَ فازداد مجدُه ..             بأخْرى فقد أغلَتْ عداه غوالبُه

 

*كاتب وشاعر فلسطيني