قضايا وآراء

ما الذي تريده "العربية" من ليبيا؟

1300x600
دأبت قناة العربية السعودية والتي تتخذ من دبي مقرا لها؛ على التركيز وإثارة كل القضايا الحساسة في ليبيا، بل كانت دائما تختار أوقاتا بعينها لفتح تلك الملفات، وكأن هناك نية مبيتة - نضع كأن هنا لنحسن الظن لا غير - لاستخدامها لزعزة الأوضاع وإثارة الشقاق.

منذ أيام بثت قناة العربية برنامجا وثائقيا عن آخر أيام زعيم ليبيا السابق الراحل معمر القذافي، وسلطت الضوء فيه على معاناته في ساعاته الأخيرة قبل مقتله، أيضا حول ظروف دفنه وجنازته..

استضافت العربية ابن أخت القذافي "محمود عبد الحميد"، وهو شخص أعرفه جيدا بحكم القرابة غير المباشرة التي تربطني به. وأنا هنا لا أعترض على حديثه ووصفه لما حدث.. فعبد الحميد إنسان مسالم لأبعد حد ولم أكن راضيا عن السجن الذي تعرض له بعد سقوط سرت، قبل أن يتم إطلاق سراحه في عام 2017.

اعتراضي هو على طريقة توظيفه من قبل القائمين على العربية، وفي هذا الوقت بالذات الذي نجح فيه الحوار - إلى حد ما - وتم تشكيل حكومة واحدة بعد انقسام دام لسنوات، وربما لأول مرة منذ سنوات بات يخرج الحديث عن المصالحة الوطنية دون تخوين.. مصالحة تجمع الكل بمن فيهم أنصار النظام السابق.

ومع كل هذه الأحداث تأتي هذه القناة بما يدعو إلى الشك؛ لنبش ملفات الماضي وتعميق الجراح التي يحاول القائمون على المصالحة تطبيبها. فالمذكور مقيم في جمهورية مصر منذ سنوات، ولم تفكر العربية في استضافته إلا هذه الأيام، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية وجود رغبة حقيقية لإفشال المصالحة والاستقرار في ليبيا، خصوصا عقب فشل مشروع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يخفى على أحد مدى الدعم الإعلامي الذي قدمته له العربية مع بدء حربه على العاصمة طرابلس في نيسان/ أبريل 2019.

يمكن لأي متابع للشأن الليبي منذ أحداث ثورة فبراير 2011 أن يرى بوضوح مدى تركيز القائمين على العربية على القضايا التي تثير الرأي العام وتبعث للشقاق بين الليبيين، حيث دائما ما تعطيها الكثير من الاهتمام الخاص. وحتى لا يقال إني أتهم القناة ظلما دعونا نسترجع بعض الأحداث التي تعطي مثالا واضحا لما أسلفت أعلاه.

العربية وفي وسط أحداث الثورة الليبية وأثناء سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين، استضافت ابن القذافي المثير للجدل "الساعدي معمر" في حوار خاص، حاول فيه أن يظهر فيه القذافي الابن بمظهر السلفي طالب العلم والمحب للإسلام، رغم أن عبثه واستخفافه بالليبيين يعد أحد أسباب قيام الانتفاضة، حتى وإن لم يكن هو السبب الرئيسي.

وحتى مراسل القناة المتواجد في مدينة بنغازي إبان الثورة والذي لا أريد أن أذكر اسمه حتى لا أعطيه صفة لا يستحقها؛ كان كثيرا ما ينشر الأخبار المضللة والمثيرة للجدل، ما زلت أذكر منها العواجل التي أرسلها إلى قناته صباح اليوم بعد اغتيال قائد جيش الثوار عبد الفتاح يونس وتفيد بوقوع اشتباكات عنيفة في بنغازي، وهو الأمر الذي لم يحدث!

حتى بعد انتصار الثورة لم تأل العربية جهدا في التركيز وتغطية الملفات المثيرة للجدل، فكانت كاميرتها سباقة عند دق أول مسمار في نعش الوحدة بين الليبيين. فمؤتمر إعلان إقليم برقة والذي أُعلن من جانب واحد، نال اهتمام القناة لتفرد له التغطيات والنقل المباشر وتستضيف الضيوف المؤيدين له من كل حدب وصوب.

وإبراهيم الجضران الذي كلف الخزانة الليبية خسائر بالمليارات، بإغلاقه النفط مصدر الدخل الوحيد لليبيين، عملت العربية على إعطائه أهمية وشرعية لا يملكها، عبر استضافته وتغطية كافة نشاطاته في محاولة لإبرازه كأحد الشخصيات المهمة في ليبيا.

ومن بين أكثر من ألف قناة تلفزيونية عربية، اختار الجنرال المتقاعد خليفة حفتر العربية ليعلن عبرها انقلابه على المؤتمر الوطني والحكومة ويجمد الإعلان الدستوري في البلاد عام 2014.

لك أن تراجع كيف دعمت العربية حرب حفتر في بنغازي ودرنة، وما حربه على العاصمة طرابلس عنا ببعيدة، حتى أن هناك من ظن أن الناطق باسم مليشيات حفتر أحمد المسماري يعمل كمحلل عسكري في القناة من كثرة ظهوره فيها!

لم تنل نجاح التجربة الانتخابية في ليبيا عام 2012 أي اهتمام للعربية، ولم تبال القناة بحرب البنيان المرصوص على تنظيم الدولة والقضاء عليهم في مدينة سرت..

أتحدى أن يظهر لي أحدهم تقريرا واحدا لقناة العربية تتحدث فيه عن أزمة النزوح لأهالي طرابلس وحجم الدمار الذي تسببت بها الحرب التي دعمتها القناة إعلاميا.

اليوم وبعد انتهاء الحرب تحاول العربية للأسف أن تعيد فتح السجلات القديمة، والتي أعتقد بما لا يدع إلى الشك أنها محاولة لإفشال أي مساع للمصالحة في الوقت الراهن.

كصحفي أتقبل وجود توجه وأجندة لأي مؤسسة إعلامية، تحاول أن تتناول قضايا العالم من خلالها، لكن إثارة النعرات والفتن وتبرير الحروب والقتل هي أمور من المستحيل أن تكون فكرا أو توجها صحفيا.. هي إجرام لا غير.

ليبيا في شاشة العربية يجب أن تكون ساحة لتوترات والاقتتال، لأنه يجب على بقية الشعوب أن تعي أن الثورات والإطاحة بالمستبدين هي أمور تؤدي إلى التهلكة، وفي سبيل ذلك لا بأس أن تستمر الحروب ويستمر القتل والدمار في دول عدة، حتى وإن غرقت في حمامات من الدم.. فالمهم أن تصل هذه الرسالة..

إن كان للعاملين في هذه المؤسسة أسباب توضيحية للتعامل مع الملف الليبي بهذا الشكل، غير الأسباب التي أسلفتها، أو إذا كان لديهم أي رد ونفي عن الأمثلة التي طرحتها.. سأكون بكل التأكيد ممتنا لهم في حال استطاعوا فعلا توضيحها.