قضايا وآراء

الأردن.. كلفة الدور ومعركة الاستقرار

1300x600

بعد كل هذا، لا نتوقع وقوع حادث دولي خطير ولا أي خطر مستدام على استقرار الأردن. لقد واجه الأردن حالة سيئة من فيروس كورونا والوضع الاقتصادي مع احتجاجات شعبية كبيرة في الآونة الأخيرة، وتم تهميشه من قبل اتفاقيات إبراهيم ، لكنه لا يزال لاعبًا قويًا في المنطقة بشكل عام.

 كانت هذه خلاصة تقرير السفير جيمس جيفري الذي قدمه لمركز ويلسن الأمريكي تعليقا على آخر التطورات المرتبطة بالأمير حمزة واعتقال باسم عوض الله والأمير الشريف حسن بن زيد؛ فالسفير الذي شغل منصب المبعوث الأمريكي لسوريا حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2020 يعد مختصا بشؤون المنطقة؛ ومطلعا على أدق تفاصيلها؛ فجيفري بقي على تماس مع الإقليم بتوليه رئاسة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسن.

الخلاصة التي قدمها جيفري مساء الثلاثاء لم تختلف عن مضمون الرسالة التي وجهها الملك عبد الله الثاني للشعب الأردني يوم أمس الأربعاء؛ وقال فيها: "إن الفتنة وئدت، وأن أردننا الأبي آمن مستقر"؛ مضيفا القول: "اعتاد وطننا على مواجهة التحديات، واعتدنا على الانتصار على التحديات، وقهرنا على مدى تاريخنا كل الاستهدافات التي حاولت النيل من الوطن"؛ خاتما رسالته بالقول: يواجه وطننا تحديات اقتصادية صعبة فاقمتها جائحة كورونا، وندرك ثقل الصعوبات التي يواجهها مواطنونا. ونواجه هذه التحديات وغيرها، كما فعلنا دائما، متّحدين.

ورغم أن جيفري أشار إلى تلميح أردني بوجود دول متورطة في الأزمة؛ إلا أن الملك عبد الله الثاني كان أقل وضوحا في هذه المسألة بالقول: "لم يكن تحدي الأيام الماضية هو الأصعب أو الأخطر على استقرار وطننا، لكنه كان لي الأكثر إيلاما، ذلك أن أطراف الفتنة كانت من داخل بيتنا الواحد وخارجه"؛ دون إشارة واضحة لوجود أطراف خارجية من دول أجنبية؛ في حين أشار إليها جيمس جيفري صراحة استنادا إلى تأويله لتصريحات وزير الخارجية أيمن الصفدي وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي ودولة عربية مجاورة ذكرها جيفري صراحة في مقالة المعنون اخر التطورات في الأردن (The Latest in Jordan)  على الرابط  (https://www.wilsoncenter.org/article/latest-jordan).

الملك عبد الله الثاني من جهته ربط الخطوات التي تتبع التعامل مع (الفتنة) بمصالح الأردن في رسالته التي جاءت بعد يوم واحد على زيارة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي إلى العاصمة عمان  ليلتقي نظيرة الأردني أيمن الصفدي حاملا رسالة الملك السعودي سلمان؛ إذ قال عبد الله الثاني  في رسالته "بأن الخطوات القادمة، ستكون محكومة بالمعيار الذي يحكم كل قرارتنا: مصلحة الوطن ومصلحة شعبنا"؛ فالأردن يملك شبكة معقدة من العلاقات مع دول الجوار اقتصادية واجتماعية سواء على شكل استثمارت أو على شكل عمالة أشار إليها السفير السعودي نايف الدسيري في ندوة عن العلاقت الأردنية ـ السعودية بالقول: إن هناك نصف مليون أردني يعملون في السعودية في حين بلغ التبادل التاري بين البلدين 5 مليار دولار والاستثمارات السعودية 13 مليار دولار؛ مصالح يصعب القفز عليها أو تجاهلها لا مع السعودية بل وسائر دل الخليج على رأسها أبو ظبي والمنامة .

الحادثة بحسب جيفري لا تمثل خطرا محدقا على المملكة الأردنية رغم وجود تحديات جائحة وباء كورونا؛ والملف الاقتصادي واتفاقات إبراهام التطبيعية؛ فالأردن لازال لاعبا قويا في الإقليم؛ واتضح ذلك بعد اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بالملك عبد الله الثاني الذي أكد فيه على الدور الأردني؛ فالبيت الأبيض في تصرح صحفي أعلن عن اتصال الرئيس جوزيف آر بايدن بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالتزامن مع رسالة الملك عبد الله الثاني؛ للتعبير بحسب التصريح الصحفي الصادر عن البيت الأبيض عن دعم الولايات المتحدة القوي للأردن والتأكيد على أهمية قيادة الملك عبد الله الثاني للولايات المتحدة والمنطقة؛ موضحا أن النقاش تناول العلاقات الثنائية القوية بين الأردن والولايات المتحدة ودور الأردن المهم في المنطقة وتعزيز التعاون الثنائي في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية.

 الرئيس الامريكي انتهز فرصة الاتصال للتأكيد أن الولايات المتحدة تدعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ فالدعم الأمريكي بات واضحا ومنسجما مع مفردات الرسالة الملكية التي جعلت من دعم القضية الفلسطينية والدفاع عنها أحد عناوين رسالة الملك عبد الله الثاني . 

الموقف الأمريكي بات واضحا لا يحتمل التأويل وعلى أرفع المستويات في حين أن مواقف بعض الدول المجاورة بقي غامضا محكوما بالتطورات والمساومات غير المعلنة؛ فالكشف عن متهمين على صلة بالأزمة من ضمنها الكيان الإسرائيلي بحسب جيمس جيفري يدفع نحو اتهام دول بعينها ضمنا دون تصريح.

ما حدث في الأردن ليلة السبت 3 نيسان (إبريل) الحالي فتح شهية الخصوم السياسيين والأعداء المتربصين خصوصا في الكيان الإسرائيلي؛ فالكيان كان معنيا بإقحام نفسه في الأزمة العابرة  سواء من خلال الحديث عن دور إسرائيلي تارة أو من خلال الحديث عن انقلاب وأزمة تهدد استقرار المملكة وفاعلية سياسيتها الخارجية؛ فالأزمة باتت فرصة لتسديد فاتورة صفقة القرن والقدس والموقف من نتنياهو ومشاريعة التطبيعية مع شركاء إقليميين يبحثون عن أدوار سياسية في الملف الفلسطيني بإلحاح.

 

 

الموقف الأمريكي بات واضحا لا يحتمل التأويل وعلى أرفع المستويات في حين أن مواقف بعض الدول المجاورة بقي غامضا محكوما بالتطورات والمساومات غير المعلنة؛ فالكشف عن متهمين على صلة بالأزمة من ضمنها الكيان الإسرائيلي بحسب جيمس جيفري يدفع نحو اتهام دول بعينها ضمنا دون تصريح.

 



ما حدث في الأردن سمح بإجراء محاكاة لعدد من السيناريوهات التي كان أسوءها الانقلاب؛ وأقلها خطورة وأكثرها امتدادا في عمر الزمن شرخ المجتمع الأردني وخلق انقساما أفقيا وعموديا حول ملفات حساسة كملف ولاية العهد ومستقبل العرش الهاشمي؛ الذي طالما طمحت بعض الدول للعبث في تفاصيله ومعطياته أسوة بعدد من التجارب المأساوية في الإقليم والتي فجرت أزمات خطيرة في الإقليم؛ كأزمة حصار قطر وحرب اليمن؛ أزمات لم يخرج العرب فيها رابحين سواء على الصعيد المحلي أوالإقليمي .

ختاما المنعطف الخطر الذي واجهه الأردن طوال الأيام القليلة الماضية قرع ناقوس الخطر؛ فالبلاد ستبقى منفتحة على مزيد من معارك الاستقرار بتأثير من التغيرات الإقليمية والدولية والأزمات الاقتصادية والبيئية التي لن تقتصر على وباء كورونا؛ أو التغيرات المناخية والبيئية والكوراث المائية والديموغرافية التي ستبقى في مد وجزر لا يتوقف؛ حالها كحال الإقليم والعالم المرشح لمزيد من الأزمات والفوضى في قادم الأيام؛ فالأردن بات بحاجة لإجراء مراجعات عميقة تتناسب وطبيعة الانتقال إلى المئوية الثانية تشمل الإصلاح السياسي والإداري؛ فالانتصار في معركة الاستقرار وتعزيز الدور والمكانة رهين بالقدرة على المبادرة لتعزيز مبدأ فصل السلطات والرقابة؛ مسار يعطي الولاية للحكومات عبر الانتخاب ويمكن أجهزة السيادة من التفرغ لمهامها؛ مسار إن تحقق فإنه يوفر الاستقرار والاستدامة للنطام السياسي والعرش الأردني دون إقصاء أو استثناء أو ارتهان لرغبات الجيران وأوهامهم؛ عبارات صيغت بدبلوماسية لتعكس دقة التوازنات وخطورتها.

hazem ayyad
@hma36