صحافة دولية

MEE: مصر تبني مشاريع سياحية وترفيهية فوق أحياء الفقراء

التقديرات تشير إلى تضرر مئات العائلات من المشاريع السياحية- جيتي

سلط تقرير لموقع "ميدل إيست آي" الضوء على المشاريع السياحية والترفيهية الضخمة التي يبنيها النظام في مصر، على حساب أحياء الفقراء، الذين وجدوا أنفسهم مشردين في الشوارع.


ولفت الموقع إلى أن موكب نقل 22 مومياء قديمة من ميدان التحرير في القاهرة إلى المتحف الوطني الجديد في الفسطاط الأحد، مر على أنقاض عدة أحياء سكنية تم هدمها.


وفي الواقع، قامت الحكومة المصرية بهدم أحياء الطبقات الأشد فقرا لإنشاء مجمعات سياحية وفنادق خمس نجوم ومقاهي ومطاعم، إلى جانب المتحف القومي للحضارة المصرية الذي وُضعت فيه المومياوات.


لم يتم الإفصاح عن أي أرقام رسمية، لكن التقديرات تشير إلى تضرر مئات العائلات. لكن الموقع تحدث إلى سكان سابقين في الأحياء التي هُدمت منذ سنة 2019. وبينما عُرض على البعض خيارات سكن بديلة، طُرد آخرون بالقوة من منازلهم واعتُقلوا وتعرضوا للتهديد وانتهى بهم الأمر في الشارع.

 

اقرأ أيضا: منظمة حقوقية ترصد 26 احتجاجا بمصر خلال الشهر الماضي

 

وفي ما يلي نص التقرير:

 

في احتفال أنيق شاهده مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، نقلت مصر 22 مومياء قديمة عبر القاهرة إلى متحف وطني جديد يوم الأحد، فيما أطلق عليه اسم الموكب الذهبي. تم نقل مومياوات 18 ملكا وأربع ملكات من المتحف المصري بوسط القاهرة، حيث كانت معروضة منذ أوائل القرن العشرين، إلى متحف جديد على بعد ستة كيلومترات جنوبا، أُطلق عليه المتحف القومي للحضارة المصرية، وهو منشأة جديدة تقع في الفسطاط، أول عاصمة إسلامية في مصر.


لعب الموكب الملكي الذي تشكل من عدد من الفنانين والمركبات التقليدية على إثارة المشاعر القومية وإبراز الأهمية التاريخية لمصر، حيث تم نقل رفات ملوك وملكات أعمارهم أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ببطء إلى مكانهم الجديد. لكن تم في المقابل تجاهل الكثير من المصريين الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب، والتغاضي عن الأضرار الجانبية لمشروع ضخم ومثير للجدل يهدف إلى تجديد القاهرة القديمة في مصر.


مرّ الموكب الذي استمر 40 دقيقة من ميدان التحرير في القاهرة إلى الفسطاط، على أنقاض عدة أحياء سكنية تم هدمها. في الواقع، قامت الحكومة المصرية بهدم أحياء الطبقات الأشد فقرا لإنشاء مجمعات سياحية وفنادق خمس نجوم ومقاهي ومطاعم، إلى جانب المتحف القومي للحضارة المصرية الذي وُضعت فيه المومياوات.


لم يتم الإفصاح عن أي أرقام رسمية، لكن التقديرات تشير إلى تضرر مئات العائلات. وقد تحدث موقع ميدل إيست آي إلى سكان سابقين في الأحياء التي هُدمت منذ سنة 2019. وبينما عُرض على البعض خيارات سكن بديلة، طُرد آخرون بالقوة من منازلهم واعتُقلوا وتعرضوا للتهديد وانتهى بهم الأمر في الشارع.

وبينما عُرض على البعض خيارات سكن بديلة، طُرد آخرون بالقوة من منازلهم واعتُقلوا وتعرضوا للتهديد وانتهى بهم الأمر في الشارع.

"شعرت بالعجز"


شاهد مصطفى، وهو عامل في مقهى يبلغ من العمر 36 سنة، وساكن سابق بمنطقة مجرى العيون، موكب المومياوات على شاشة التلفزيون. ومجرى العيون هي الأصل قناة مائية طويلة بمنطقة الفسطاط التاريخية في القاهرة القديمة، تمتد إلى قلعة صلاح الدين التي تعود إلى القرن الثاني عشر. أهملت السلطات هذه المنطقة لسنوات، مما أدى إلى تشييد العديد من المباني غير القانونية والمنازل العشوائية، ثم بدأت الحكومة عمليات الهدم سنة 2016.


وقف مصطفى يراقب منزله الذي تم هدمه في شباط/ فبراير. كان يعيش هناك مع أسرته المكونة من ستة أفراد منذ سنة 2001. لقد اضطروا إلى إخلاء المنزل وهم يعيشون الآن في الجيزة، على الجانب الغربي من النيل، في شقة أصغر بكثير. يقول مصطفى لموقع ميدل إيست آي إنه لم يشعر مثل الآخرين بحالة النشوة الوطنية عند مشاهدة العرض، إذ لا أحد يعرف حجم ما تعانيه عائلته. وأضاف: "انكسر قلبي وشعرت بالعجز. جاءت الشرطة وأخبرت سكان الحي بأكمله في تشرين الثاني/ نوفمبرالماضي أنه يتعين عليهم إخلاء المنطقة وهدمها بحلول كانون الثاني/ يناير".


في آذار/ مارس الماضي، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إنه تم إعادة توطين 771 أسرة في المنطقة بعد إزالة 1076 منشأة و454 مبنى سكنيا. كان على العائلات الأخرى التي لم يكن لديها الوثائق المطلوبة أن تبحث عن مساكن بديلة دون أي مساعدة حكومية، ومن بينها عائلة مصطفى، على الرغم من امتلاكهم عقودا ووثائق رسمية.


قال مصطفى إن بعض العائلات المطرودة ما زالت بلا مأوى، وأوضح في هذا السياق: "أعرف عائلة أرسلت بناتها للعمل كخادمات في المنازل بينما يعمل الرجال كعمال بناء يتقاضون راتبا يوميا. قرر والدي أن علينا التحرك وتجنب أي مشاكل، لأن لدينا أما وأخوات وزوجات لم نرغب في تعريضهن للخطر. ما حدث جريمة. إنهم يطردون الفقراء ولا يمكنهم حتى أن يحاسبوا الأغنياء".


مصر بلا أحياء فقيرة


حسب مصدر في وزارة التنمية المحلية، فإن 9 مناطق سكنية لأبناء الطبقة العاملة، أو "الأحياء الفقيرة" كما تسميها الحكومة، تقف في طريق مدينة الفسطاط التي تم تجديدها حديثا، ومن المنتظر أن تصبح وجهة سياحية جديدة في وسط القاهرة القديمة. وأضاف المصدر أن عمليات الهدم ستمهد الطريق أمام رصيف طويل يطل على بحيرة عين الصيرة بالفسطاط، ويمتد إلى حديقة الفسطاط. وسينقل التلفريك الزوار من الفسطاط إلى حديقة الأزهر شمالا. وكشف المصدر لميدل إيست آي تفاصيل عن خطة الوزارة للمشروع الجديد، المسمى عين الحياة.


تسعى مصر منذ سنوات إلى جذب السياح الأجانب والاستثمارات في قطاع الترفيه بعد الاضطرابات السياسية الكبيرة سنة 2013 وإسقاط الطائرة الروسية سنة 2015. ولكن تنفيذ هذه الاستراتيجية أثّر على حياة سكان الأحياء الفقيرة بشدة. كانت سجدة، وهي مدرّسة جغرافيا تبلغ من العمر 37 سنة، تعيش في منطقة كوم غراب بالقاهرة القديمة، على بعد دقائق من المتحف الجديد، وقد اضطرت إلى إخلاء منزلها مع شقيقاتها ووالديها.


قالت الحكومة في آذار/ مارس إن عمليات الهدم في كوم غراب تهدف إلى "فتح الطريق أمام موكب المومياوات الملكية". من جهتها، قالت جيهان عبد المنعم، نائب محافظ القاهرة، لموقع ميدل إيست آي إن "عمليات الهدم تمت بعد منح عقود وشقق جديدة للسكان المتضررين في حي الأسمرات للإسكان الاجتماعي"، مضيفة أن "عمليات الهدم ستستمر لإزالة جميع الأحياء الفقيرة، بعد الأوامر الجديدة التي أصدرتها القيادة السياسية تحت شعار مصر بلا أحياء فقيرة". وصرحت عبد المنعم أن "الخطة الجديدة هدفت منذ البداية إلى إضفاء لمسة حضارية وجمالية على المنطقة من خلال التخلص من الأحياء الفقيرة. لا يمكن القيام بذلك إلا من خلال نقل السكان إلى منطقة أكثر أمانا وصالحة للعيش".


كان منزل عائلة سجدة من بين 42 منزلا تم هدمها في تلك المنطقة، من تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى كانون الثاني/ يناير الماضيين. وقد حُرمت هي وعائلتها من الحصول على مسكن جديد لأنهم كانوا يعيشون بالإيجار. عرضت المحافظة نقل أثاث السكان الذين تم هدم منازلهم في شاحنات تُستخدم لنقل القمامة. غيّر قرار التهجير حياة سجدة وعائلتها، وقد أصبح موقع سكنها الجديد يبعد ثلاث ساعات عن مكان عملها.


أكدت الحكومة المصرية مرارا وتكرارا أن "الأحياء الفقيرة" بيئة خصبة لتهريب المخدرات والعنف والدعارة، وشبهتها العديد من الصحف الموالية للحكومة بـ"السرطان".

 

أكدت الحكومة المصرية مرارا وتكرارا أن "الأحياء الفقيرة" بيئة خصبة لتهريب المخدرات والعنف والدعارة، وشبهتها العديد من الصحف الموالية للحكومة بـ"السرطان".


شاهدت سجدة عرض المومياوات مع شقيقاتها، وعلّقت قائلة: "أنا إنسانة متعلمة، ونحن كعائلة نختلف عن الصورة التي تروجها الحكومة. نحن نعلم أهمية الآثار والسياحة". لقد جعلتها فخامة الاحتفال ومشاعر الفخر على وسائل التواصل الاجتماعي تشعر بالإحباط "لماذا سأكون سعيدة من أجل الناس الذين طردوني من بيتي وألقوا بي في الشارع؟".


اضطرت نفيسة، وهي جارة سجدة سابقا في كوم غراب، إلى ترك منزلها هي الأخرى، لكن عُرضت عليها شقة غير مفروشة في مشروع حي الأسمرات السكني في المقطم بالقاهرة. وتشكو نفيسة من أن الشقة أصغر بكثير من الشقة التي كانت تملكها وبعيدة عن أماكن عمل أسرتها.


الحفاظ على المواقع الأثرية


أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الأحد في لقاء مع أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، أن مصر تتخذ خطوات "متوازنة بين جهود التنمية والحفاظ على المواقع الأثرية الفريدة، بما في ذلك تطوير جميع المناطق التاريخية بالقاهرة"، حسب بيان رئاسي. وأضاف أن الهدف هو جعل عاصمة مصر "متحفا مفتوحا يعكس عراقة الحضارات المصرية القديمة والمعاصرة".


مع استمرار الضجة حول العرض وافتتاح المتحف، تنتظر مئات العائلات الأخرى حول الفسطاط أوامر الإخلاء. وقالت سجدة لموقع ميدل إيست آي: "يجب أن يعرف الناس أن إنجاز ذلك العرض تسبب في معاناة لمئات العائلات. سأكون فخورة ببلدي عندما أُعامل بشكل لائق وإنساني".