صحافة دولية

لماذا ترفض فرنسا الكشف عن مكان نفايات نووية دفنتها بالجزائر؟

تم دفن معظم المخلفات والنفايات وطائرات بأكملها استخدمت لفحص الإشعاعات ولا تزال تحت الرمال

نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا بعنوان "انفجار مسموم من الماضي" أعده سايمون سبيكمان كوردال.

وتناول التقرير الذي ترجمته "عربي21" التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الأراضي الجزائرية.

 وقالت الصحيفة إن فرنسا نفذت 17 تفجيرا نوويا في الستينات من القرن الماضي، وحتى الآن ترفض الكشف عن المكان الذي دفنت فيه النفايات النووية.

وفي ما يلي نص التقرير:

عبد الكريم التهامي، في نهاية السبعينات من عمره، ابتسم عندما وجه الصحافي له سؤالا، لأنه سئل من قبل، ومع ذلك جلس مرتاحا على كرسيه في بيته في تامنراست في جنوب الجزائر وهو يصف في مقابلة عبر الفيديو، الاختبارات النووية الفرنسية التي قامت بها فرنسا في بلده والإرث الذي تركته حتى اليوم.

وفي الفترة ما بين عام 1960 – 1967 قامت فرنسا بـ 17 اختبارا نوويا منها 11 اختبارا جرت في منشآت معلمة بالعسكرية للاستخدام الفرنسي فقط وبعد استقلال الجزائر عام 1962.

وتم دفن معظم المخلفات والنفايات وطائرات بأكملها استخدمت لفحص الإشعاعات ولا تزال تحت الرمال.

وبحسب آخر تقدير للحملة الدولية لحظر السلاح النووي-فرنسا، فما تم دفنه يصل إلى 3.000 طن.

 

وحتى اليوم لا تزال السموم المدفونة تتسرب وتلوث البيئة والناس والمحاصيل والمواشي، حيث لا يزال الماضي يفرض سمومه على الحاضر ويلوثه.

ورغم مرور عقود على التفجيرات إلا أن فرنسا ترفض الكشف عن مكان دفن هذه النفايات في الصحراء أو تقديم تفاصيل عنها.

ولا أحد يعرف مدى الضرر الذي تركته السموم النووية. وبحسب قناة الجزيرة التي استندت على تقديرات فرنسية وجزائرية فالرقم يتراوح ما بين 27.000- 60.000 شخص مع أحفادهم الذين لا يزالون يعيشون على ما يعتقد مع آثار الاختبارات النووية الفرنسية في جنوب البلاد.

وما هو واضح أن المنطقة لم تتخلص بعد من الإشعاعات. ومن المفارقة أن الريح حملت الرمال معها هذا الشهر إلى الأراضي الفرنسية وكشف أنها مشعة.

ويتذكر عبد الكريم واحدا من الاختبارات التي أجريت فوق الأرض، "الجربوع الأزرق" الذي سمي باسم الجربوع الصحراوي وجزء من العلم الفرنسي. ويتذكر عبد الكريم قائلا: "طلب الفرنسيون من الناس ألا يفزعوا لو شعروا أن الأرض تتحرك"، حيث وصف انفجار 70 كيلوطنا والذي كان ثلاثة أضعاف القنبلة التي ضربت ناغازاكي، ووقع على بعد 180 كيلو مترا من بلدته في عام 1960.

وأضاف: "كان عمري 17 عاما، ولم نشاهد أي دخان" و"شعرنا أن الأرض تهتز" ووصف أن الجنود الفرنسيين ووزراء الحكومة والباحثين العلميين الفرنسيين الذين اجتمعوا لمشاهدة الاختبار لم يتوقعوا أن يكون مدمرا بدرجة كبيرة. وقال: "كان هذا أفظع تفجير".

ولم يمض وقت طويل حتى بدأ سكان المنطقة يلاحظون إصابات وأمراضا من عدة أنواع من السرطان، مع زيادة في العيوب الخلقية مع الولادة. وشرح عبد الكريم: "علمنا جيدا الآثار التي تتركها القنابل النووية والإشعاعات على الناس". وقال إن مدرسا فرنسيا كان يعمل في المنطقة و"كان في وضع جيد لملاحظة انتشار الأمراض" و"علمنا ما يجري ومع مرور الوقت بدأنا نلاحظ آثار الإشعاعات على الأطفال الجدد".

وتم نقل الاختبارات النووية اللاحقة إلى تحت الأرض ومن منشأة إينكر، حيث تم إجراء 13 فحصا نوويا، منها اثنان كانا ضخمين ومنها فحص كارثي في 1962. فالقنبلة التي كانت زنتها 40 كيلوطنا كان من المفترض أن تكون مغلفة في داخل عمود مختوم انفجرت في جانب الجبل مما أدى إلى انطلاق صخرة ملوثة إشعاعية سقطت في الصحراء ولوثت الجنود والمراقبين الذين كانوا يراقبون الاختبار والبيئة المحيطة بها.

وبحسب بحث قام به صحفي جزائري بعد الانفجار كشف أن الإشعاعات ربما وصلت إلى قرية ميرتوتك التي تبعد 60 كيلومترا عن الانفجار. ومات 17 شخصا بعد فترة قصيرة من التفجير، ولا يزال الكثير من سكان القرية مرضى.

وعندما قام الفرنسيون بتفكيك القواعد العسكرية قبل تسليمها للجيش الجزائري في 1967 دفن كل شيء في الرمال، من مخلفات الحياة العسكرية اليومية للمواد التي اعتقد أنها ملوثة من الانفجار مثل الطائرات والدبابات التي استخدمت لفحص الإشعاعات. وكله ذهب تحت رمال الصحراء ودفن مع النفايات التي تجمعت بعد استلام القوات الجزائرية لها.

وبالنسبة لعبد الكريم الذي تبعد بلدته 180 كيلومترا عن مكان التفجير فقد أصبحت نتيجته جزءا من الحياة اليومية، وقال: "قريتنا فيها نباتات ومحاصيل تحتوي على أمور كهذا ولكن عندما يتناولها الأطفال يصابون بالمرض. وقال: "أطفالنا يولدون بعاهات لأن الثمار التي نأكلها تأتي من الأرض المسمومة". وأضاف: "أقول إن الناس في بلدتي يعيشون رغم كل الضرر، بالطبع، قد أكون موضوعيا عندما أتحدث عن بلدتي. والواحد قد يكون نوستالجيا عندما يتحدث عن مكان ولادته. والناس يعيشون حياتهم بسلام ويتقبلون الأمور كما هي، وهم مرتبطون بالتراب ولا يفكرون أبدا بترك المكان".

ورسمت اللقطات التي بثها التلفزيون الجزائري قبل عام وقدم صورة مرعبة عن الحياة في المنطقة. وكشف الآباء من القرية التي كانت قريبة من الاختبار، أن أطفالهم ولدوا بتشوهات خلقية وعقلية نتيجة للإشعاعات.

وبالإضافة لنقص الأدوية، قالت الطبيبة خيرية حرزاوي لقناة الجزيرة: "هناك الكثير من الأجنة المعوقين وعمليات الإجهاض الكثيرة والإسقاط".

وقبل 11 عاما انضم عبد الكريم إلى منظمة مناصرة تعمل مع ناشطين فرنسيين يجمعون معلومات عن بقايا الاختبارات اسمها "تاويرت". ومع أن الهدف الرئيسي للمنظمة لم يكن التعويضات إلا أنها أملت بأن يدفع الكثيرون باتجاه طلب التعويضات بناء على قانون مورين 2010 الذي يعطي الضحايا فرصة لمعالجة الضرر الذي تسببت به الاختبارات النووية الفرنسية في الجزائر.

 وبجهود متزايدة ودعم المجتمع المدني تلقت 1427 طلب تعويض من بولينيزيا. وربما زاد العدد وبدعم أبحاث قامت بها جامعة برنستون فإن الرقم قد يصل إلى 100.000 طلب.

وبالمقابل فلم يتم التقدم إلا بـ 53 طلبا من الجزائر بسبب المعوقات على طلب التعويضات والحاجز الطبيعي بين المتحدثين بالعربية والإجراءات التي تتم باللغة الفرنسية.

وارتفعت الآمال في هذا الشهر من خلال فتح الأرشيف الفرنسي المتعلق بحرب التحرير الجزائرية، ويمكن أن يتم الكشف عن مكان دفن النفايات النووية في الصحراء.

ولأن الوحشية التي طبعت الاحتلال الفرنسي للجزائر لا تزال حاضرة في السياسة الفرنسية، فالتغلب على إرث البلد السام في جنوب الجزائر قد تكون خطوة بعيدة جدا.

وقال جين ماري- كولين، أحد المؤلفين لتقرير الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية- فرنسا: "لقد استندوا على قانون 2008، والبند 17 المتعلق بانتشار الأسلحة النووية" و"بشكل أساسي لو كشفوا عن مكان النفايات فسيزعمون أنه سيتم استخدامها في إنتاج أسلحة"، "ولو بدأوا بتحديد هذه الأماكن والاعتراف بها والناس الذين يعيشون حولها ومصابون بأمراض فسيكون الأمر مضرا" لهم.

مشيرا إلى تردد فرنسا في التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والتي قد تفتح الباب أمام قضايا بيئية وتعويضات إنسانية بالجزائر وعلى قاعدة واسعة.

وما فاقم من الموضوع هو أن الحكومات الجزائرية المتعاقبة التي تصدر أحيانا أصواتا غاضبة كما فعل الرئيس عبد المجيد تبون في آذار/ مارس فضلت التركيز على بربرية الاحتلال الفرنسي بدلا من توفير نظام رعاية صحية وإغاثة إنسانية في المناطق المتضررة.

وقال كولين إن الموقف هذا يمكن تفسيره عبر الأسطورة التي ظلت الحكومات الجزائرية ترددها وهي أنها أخرجت فرنسا، سياسيا وعسكريا من كل البلاد في 1962 وفتح الملف هذا سيؤدي لفحص الصفقة التي سمحت لفرنسا بالبقاء ومواصلة اختباراتها النووية حتى عام 1967.

وقال كولين: "لم يفعل الجزائريون إلا القليل، والموضوع قضية كبيرة لهم" و"بالتأكيد، ينتقدون كثيرا لكنهم لم يعملوا الكثير لمعالجة المشكلة أو تحملوا المسؤولية".

وفي تامنراست يبتسم عبد الكريم، فقد سمع هذا من قبل وهو متأكد أنه سيسمعه مرة أخرى: "لقد اعتدنا على الحوار السياسي والذي يتغير بتغير الظروف"، في إشارة لجهود المصالحة الفرنسية الأخيرة و"الأمل موجود دائما" و"أنا متأكد وأعتقد أن الأمور الصحيحة والحقيقة ستظهر في النهاية".

واتصلت الصحيفة مع باتريك دوريل، المستشار الرئاسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط للتعليق ولم تتلق بعد ردا.