مقالات مختارة

شهوة التفكيك وصناعة الفوضى

1300x600

العالم العربي الذي دخل القرن العشرين مفككا إلى كيانات ودويلات صغيرة ومحدودة القوة والتأثير يشهد موجة جديدة من الفوضى وانعدام الوزن بعدما أصبحت العديد من الكيانات على حافة التلاشي والاندثار. في العراق وسورية والسودان وليبيا واليمن هناك مشكلات عميقة اصعب من أن يتفق الأطراف على الخروج منها وفي مجتمعات عربية أخرى جرى التراجع عن الكثير من الإنجازات والأحلام التي صاغها القادة والزعماء إبان مراحل النضال وبعيد الاستقلال الشكلي لها.

الفشل العربي في بناء الدول الحديثة والإصرار على استعارة أشكال البنى السياسية والاقتصادية الحديثة وتهجينها داخل أنظمة أبوية تقوم على فكرة القائد الملهم الموهوب أضعف البنى وأربك المسيرة وولد التناقض والهشاشة التي أعاقت مسيرة البلدان نحو الحداثة والتجديد. من يستمع للتقارير والروايات ونشرات الأخبار التي تقدمها الأجهزة الإعلامية الرسمية في البلدان العربية يحسب أنها تجاوزت القوى العظمى في القوة والرفاه والاستقرار في حين لا تزال الشعوب العربية تعاني الكثير من التهميش والإحباط وانعدام الفرص والتشويه والتعدي على الحقوق.

من وقت لآخر يتطلع بعضهم في العالم العربي إلى القوى الغربية مخلصا وداعما وراعيا محتملا للتغيير والتحديث في بلدانهم. من فرط اليأس يراقب العرب الانتخابات الرئاسية الأميركية وتصريحات الرؤساء لاستخلاص مؤشرات حول ما قد يحدث في بلدانهم باعتبار أن التأثير الخارجي هو العامل الأهم والأقوى في تحديد ما قد يحصل على الساحات الداخلية.

الافتراض بان الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مهتمون بنشر الديمقراطية وإعادة بناء العالم افتراض غير منطقي ولا يوجد ما يؤيده على الأرض. فالنظام الغربي قائم على الفردية والمنافسة وهو لا يكترث ولا يعنى إلا بمصالحه الذاتية. في كل المجتمعات الرأسمالية وغير الرأسمالية تنشغل الأمم بتعريف مصالحها وأهدافها وتعمل على تحليل البيئة والمحيط والمجالات التي تنشط ضمنها بهدف التعرف إلى الفرص وتحديد المخاطر. الاعتقاد الذي يعشش في عقول بعضهم حول تبني الغرب لمفاهيم وثقافة حقوق الإنسان وتحرير الشعوب يستند إلى قراءات سطحية للتصريحات والبيانات التي تصدر عن الدوائر الغربية من وقت لآخر. الغرب لا يكترث كثيرا لأوضاع الشعوب والأمم الأخرى إلا بالقدر الذي يتوافق مع الرؤى والمصالح القومية له.

في هذه المجتمعات لا مكان للرغبات والأهواء الفردية للقادة والرؤساء فهناك مصالح قومية معرفة تستند إلى فهم وتحليل لطبيعة العالم ورصد ومتابعة للتغيرات تقوم عليه المئات من مراكز الدراسات والتنبؤ المشتملة على افضل العقول والخبرات في ميادين البحث والتخطيط والأمن والاقتصاد والسياسة تسندهم جيوش من العملاء والمخبرين والأصدقاء المنتشرين على خريطة العالم فلا شيء يترك للصدفة ولا مساحة للخطأ ولا احد يسمح لاحد بالمغامرة والارتجال.

بذرائع الصداقة والدمقرطة وحقوق الإنسان والتنمية والمساعدات تدخل القوى الخارجية إلى البلدان والمجتمعات غير المحصنة امنيا وفكريا واستراتيجيا وتتعرف من خلال الأعوان والأصدقاء والعملاء على البنى السياسية والحزبية والقوى الاجتماعية والاقتصادية ونقاط الضعف والخلاف وتلعب على تغذيتها وإدارتها والتحكم بها أوراق لضغط من اجل تحقيق مصالحها.

ما لم تتجذر الديمقراطية وتتسع دائرة المشاركة وتسود العدالة فلا امل في أن يحدث الاستقرار وتتحقق المصالح ويعمل الجميع على خدمة الوطن. الانقسامات التي تجري على امتداد الفضاء العربي تعبير عن حالة الفوضى والتفكك وعدم الرضا عن الترتيبات التي تعتمدها البلدان في إدارة شؤونها تحت مسميات لمؤسسات شكلية لا علاقة لها بالمؤسسات التي يتطلع الجميع لحاكميتها وأدائها.

 

الغد الأردنية