كتاب عربي 21

مشهد مهيب مضرج بالدماء

1300x600

مشهد تسليم واستلام السلطة التنفيذية الذي تم بين فايز السراج من جهة ومحمد المنفي وعبدالحميد ادبيبة من جهة أخرى مهم جدا، ليس فقط لأنه يرمز إلى خيار مدنية الدولة والتداول السلمي على السلطة، بل لأنه ثمرة لجهود جبارة وصمود أسطوري لثلة تصدت لمشروع عسكرة الدولة وفرض نظام شمولي.

فمنذ شهور ليست ببعيدة كان جيش حفتر وقوات المرتزقة على مشارف العاصمة يدكون بجحيم نيرانهم الأحياء فتفتك بالمدنيين، والأمل يحدوهم في أن يسيطروا على مفاصل الدولة بدخول طرابلس ليكون حفتر نموذجا مكرورا للانقلابات في القديم والحديث.

لكن فشل مشروع حفتر وأحبطت مخططات حلفائه الإقليمين والدوليين، فكان أن خضعوا لخيار التسوية السلمية والتوافق السياسي الذي انتهى بمشهد انتقال السلطة، ويا له من مشهد. فلولا الصمود والمواجهة الباسلة لكان المشهد مختلفا تماما.

وفي المشهد تفاصيل أخرى

كانت مدينة طبرق، في أقصى الشرق الليبي هي محطة قسم الحكومة الجديدة، طبرق التي كانت من أول المدن التي أدارت ظهرها لمشروع العسكرة وخطة الانقضاض على السلطة، فالاتجاه الذي ساد في طبرق لم يرتبط فقط بالجفاء الذي وقع بين عقيلة صالح وخليفة حفتر، بل كان هذا الجفاء من نتائجه، ونذكر جيدا أن الشيخ اهليل العبيدي طالب بانتزاع بعض نفوذ حفتر في الجبل الأخضر وقصر سلطته على "برقة البيضاء"، حيث بنغازي والمناطق غربها وجنوب غربها.

وشهدت المدينة حوادث عدة منها احتضان سليمان محمود عدو حفتر اللدود، والمناوشات بين مجموعات تخضع لحفتر وأخرى لا تواليه، وما كان لابن صقر الجروشي أن يتحدى صدام خليفة حفتر بجرأة لولا أنه في طبرق المحصنة من نفوذ "قائد الجيش".

قفزة في مسار تقويض العسكرة

طبرق التي شهدت قسم الحكومة احتضنت احتفالا شارك فيه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فأن يحل المشري في طبرق ويتم طرد المعترض بشكل مهين يعني أن شعارات حفتر تتقاذفها رياح التغيير بعيدا عن الشرق.

 

مشهد تسليم واستلام السلطة التنفيذية الذي تم بين فايز السراج من جهة ومحمد المنفي وعبدالحميد ادبيبة من جهة أخرى مهم جدا، ليس فقط لأنه يرمز إلى خيار مدنية الدولة والتداول السلمي على السلطة، بل لأنه ثمرة لجهود جبارة وصمود أسطوري لثلة تصدت لمشروع عسكرة الدولة وفرض نظام شمولي.

 



الحدث الأكبر هو مشاركة السفير التركي في مراسم القسم، ممثل تركيا التي اعتبرها حفتر دولة غازية وحرك إعلامه وأنصاره للترويج لهذا الوصف حتى صار لسان حال ومقال كثيرين، فإذا بسفيرها مرحب به من قبل البرلمان، ويلقى الاحترام الذي تستحقه بلاده في مدينة السلام في الشرق الليبي.

هل تكتمل الحلقات؟

مما لا شك فيه أن الأجواء التصالحية حيوية جدا لتكريس الوحدة وإنهاء مظاهر الانقسام، إلا إنها لا تعني تلاشي أسباب النزاع، فالتحديات قائمة وترتبط بمرحلة القطيعة وعلى كافة المستويات، السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، وهناك شرطان لاكتمال حلقات التوافق والوحدة والاستقرار والنمو والتنمية هما:

ـ التحكم في التدخلات الخارجية واستمرار تحييد الاطراف التي شجعت على الفوضى والحروب والانقلابات في البلاد.

ـ فاعلية الحكومة والاستغلال الجيد للأجواء الايجابية على المستويين الداخلي والخارجي عبر برامج جادة لمجابهة التحديات واحتواء المختنقات.

ملفات صعبة وقضايا حرجة

النقطة السوداء وسط حالة الانسجام والتوافق هي القفز على أسباب التأزيم ومن ذلك تجاوز الانتهاكات الخطيرة والفساد العظيم. فالتمسك بعبارة "حتحات على ما فات" وتفسيرها بشكل قاصر لن يسعف وضعنا الحرج، ذلك أن أهم ركائز تسوية النزاعات العمل بتدابير ضابطة واتخاذ إجراءات صارمة تمنع وقوع الانتهاكات مرة أخرى. أما سياسة إهالة التراب على الحفر لكي لا نراها لن تجدي ولن تحقق المرجو من تحقيق السلام وتكريس الوئام، والخلاص يكون بتحييد هذه الملفات مؤقتا وليس طيها نهائيا دون تقصي وتحقيق وحكم، ثم مواجهة ما وقع ومحاسبة من أجرم على قاعدتي الشفافية والعموم بأن لا يستثنى متورط مهما علا كعبه، وذلك في أولى محطات استقرار الدولة وثبات مؤسساتها.

إن مجابهة الانتهاكات وكشف الجرائم بكافة أنواعها مطلب وشرط للبناء الصحيح للمنظومة السياسية والاجتماعية والأمنية الجديدة، وفي العفو خير كثير آنذاك، لكن ينبغي أن يكون الهدف تأسيس نظام يمنع الانتهاكات والجرائم ويكرس ثقافة علوية القانون واحترام الحقوق.