كتاب عربي 21

مغالطات في التعامل في القضية السكانية بمصر

1300x600
بدأت السلطات المصرية توجيه جهودها لتقليل عدد السكان منذ عام 1965 بإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، والذي رافقه التوسع في إنشاء الجمعيات الأهلية المتخصصة في تنظيم الأسرة بالمحافظات، ثم كان إنشاء المجلس القومي للسكان عام 1985، والمجلس القومي للطفولة والأمومة عام 1988، والمركز الديموجرافي عام 1992.

وظلت وزارة الصحة تتولى ملف السكان، حيث كان اسمها وزارة الصحة والسكان، حتى عام 1993 حين تم إنشاء وزارة خاصة بالسكان لكنها لم تستمر سوى حوالي عامين وربع العام، ليعود ملف السكان لوزارة الصحة. وفي عام 2000 تم إنشاء المجلس القومي للمرأة بما له من فروع في المحافظات.

وظلت كل تلك الجهات تعمل من أجل الحد من الزيادة السكانية، مدعومة بجهود وزارة الإعلام وهيئة الإستعلامات والأوقاف، والمعونات الأجنبية للإنفاق على المواد الدعائية ووسائل منع الحمل المختلفة، لتعود وزارة السكان مرة أخرى أواخر عام 2009 لكنها لم تستمر سوى أقل من عام ونصف، ليعود الملف لوزارة الصحة، ثم أعيدت وزارة السكان عام 2015 لكنها لم تستمر سوى أربعة أشهر، ليعود الملف لوزارة الصحة حتى الآن.
في ضوء عدم تحسن الأحوال المعيشية رغم كثرة الوعود بذلك من قبل الجنرال، راح مؤخرا يلقي باللوم على الزيادة السكانية كمعوق لجني ثمار التنمية

وفي ضوء عدم تحسن الأحوال المعيشية رغم كثرة الوعود بذلك من قبل الجنرال، راح مؤخرا يلقي باللوم على الزيادة السكانية كمعوق لجني ثمار التنمية، وتلا ذلك تكوين لجنة قومية من تسع وزارات وجهات مختصة بالمرأة، للعمل على تقليل الزيادة السكانية خلال السنوات الثلاث من 2021 إلى 2023، من خلال عدة وسائل؛ أبرزها تقليل معدل الإنجاب لدى المصريات.

زيادة المواليد بالحضر عن الريف

وتضمنت التصريحات الرسمية والإعلامية المصاحبة لتلك الحملة العديد من المغالطات التي نشير إلى بعضها:

أولا- الزعم ببلوغ نمو السكان بمصر معدلا مرتفعا بالمقارنة بباقي بلدان العالم، في حين أن معدل الزيادة الطبيعية للسكان بلغ خلال عام 2019 نحو 17.5 في الألف، كمحصلة للفرق بين معدل المواليد البالغ 23.3 في الألف ومعدل الوفيات البالغ 5.8 بالألف.

وهذا المعدل للزيادة الطبيعية يتجه للتراجع منذ عام 2014، واستمر في التراجع خلال السنوات الخمس التالية بلا انقطاع، ليحقق خلال عامي 2018 و2019 أقل معدل للزيادة الطبيعية بمصر منذ أكثر من 60 عاما.

والجدير بالذكر أن دولا كثيرة تضيف لمعدل النمو السكاني صافي معدل الهجرة وهو سالب في حالة مصر، فإذا تمت إضافته فإن معدل النمو سيقل عن الرقم المذكور.
مقارنة المؤشرات السكانية المصرية بباقي دول العالم، لنجد مصر في المركز السابع عشر دوليا في عدد السكان، ورقم 42 بمعدل المواليد ورقم 44 في معدل الخصوبة الكلي الخاص بعدد المواليد لكل امرأة في سن الإنجاب

ونعود إلى مقارنة المؤشرات السكانية المصرية بباقي دول العالم، لنجد مصر في المركز السابع عشر دوليا في عدد السكان، ورقم 42 بمعدل المواليد ورقم 44 في معدل الخصوبة الكلي الخاص بعدد المواليد لكل امرأة في سن الإنجاب.

ثانيا- الزعم بأن معدل نمو المواليد بالريف يزيد عنه في الحضر، وهذا أمر أصبح من الماضي منذ عام 2013 وحتى عام 2019، كآخر بيانات معلنة، حيث بلغ معدل نمو المواليد في الريف عام 2019 نحو 18.8 في الألف مقابل 29.3 بالألف في الحضر، كما أن معدل الوفيات في الريف أقل منه في الحضر، لتصل 3.9 بالألف في الريف مقابل 8.3 بالألف في الحضر.

ورغم ذلك، فقد انخفضت معدلات الزيادة الطبيعية في الريف عنها في الحضر منذ عام 2016، حتى بلغ معدلها عام 2019 نحو 14.9 في الألف مقابل 21 بالألف في الحضر.

ورغم أن سكان الريف يمثلون نسبة 57 في المئة من سكان مصر مقابل نسبة 43 في المئة بالحضر، فقد بلغت أعداد الزيادة الطبيعية للسكان في الريف عام 2019 نحو 845 ألف نسمة، مقابل زيادة بلغت 889 ألف شخص في الحضر بنفس العام.

محافظات تعيش على 1 في المئة من مساحتها
الزعم بارتفاع الكثافة السكانية في الريف بسبب الزيادة السكانية، لكننا نجد أن معدلات المواليد في ريف العديد من المحافظات شاسعة المساحة كانت متدنية

ثالثا- الزعم بارتفاع الكثافة السكانية في الريف بسبب الزيادة السكانية، لكننا نجد أن معدلات المواليد في ريف العديد من المحافظات شاسعة المساحة كانت متدنية. ففي ريف محافظة البحر الأحمر كان معدل المواليد 1.4 بالألف، وفي الوادي الجديد 1.8 بالألف، وفي أسوان 5.3 بالألف، وفي جنوب سيناء 5.6 بالألف، مقابل معدل متوسط للمواليد في الريف المصرى بلغ 18.8 في الألف، ويرتفع إلى 23 بالألف كمتوسط عام للبلاد.

وهو ما يذكرنا بأن المصريين البالغ عددهم حاليا 101.6 مليون شخص يعيشون على نسبة 6.8 في المئة من مساحة البلاد. ومن بين المحافظات المصرية السبع والعشرين، يعيش سكان خمس محافظات على نسبة أقل من 5 في المئة من مساحة المحافظة، بل إن النسبة تصل إلى واحد بالألف فقط غي البحر الأحمر واثنين بالألف في الوادى الجديد، و1 في المئة في مرسى مطروح، و1.6 في المئة بأسوان و2.3 في المئة لمساحة المناطق المأهولة في محافظة السويس.

وهكذا تتواجد 11 محافظة تقل المساحة المأهولة التي يعيش عليها سكانها أقل من 10 في المئة من مساحة المحافظة، ويرتفع العدد إلى 14 محافظة يعيش سكانها على أقل من 20 في المئة من مساحتها، مما يتطلب إعادة التوزيع السكاني من المناطق المكتظة إلى المناطق منخفضة الكثافة.

وإذا كان المتوسط العام للكثافة السكانية في الكيلومتر الواحد من المساحة المأهولة يصل إلى 1448 فردا، فإنه بالقياس إلى المساحة الكلية للبلاد تصل الكثافة 98 فردا للكيلومتر المربع.

وتوجد تفاوتات ضخمة ما بين معدلات الكثافة السكانية بين المحافظات بالقياس إلى المناطق المأهولة فيها، والتي تصل أعلاها في القاهرة إلى نحو 52 ألف فرد للكيلومتر المربع نظرا لأنها تعيش على 6 في المئة فقط من مساحتها، تليها الجيزة 7.5 ألف شخص والتي تعيش على 9 في المئة من مساحتها، وكل من الأقصر والقليوبية والبحر الأحمر مع أكثر من خمسة آلاف شخص في الكيلومتر الواحد.

وعلى الجانب الآخر، تقل معدلات الكثافة عن الألف شخص في الكيلومتر المربع في سبع محافظات هي: البحيرة وبورسعيد ومطروح والإسماعيلية والوادى الجديد وشمال سيناء، حتى يصل العدد إلى ستة أشخاص للكيلومتر في محافظة جنوب سيناء.

رابعا- الزعم بأن الزيادة السكانية تعوق التنمية، وهو أمر تدحضه تجربة الصين البالغ عدد سكانها مليارا و398 مليون نسمة، كما أن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قد تضاعف بمعدلات أعلى من نمو السكان خلال المئة عاما الأخيرة، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، مما يبرئ الزيادة السكانية من تهمة إعاقة التنمية، بل ربما تكون دافعا رئيسا للنمو.
فشل تجارب التنمية في الدول النامية يمكن أن يعود إلى الفساد وسوء الإدارة والحروب والنزاعات السياسية، وليس لزيادة السكان

وهكذا فإن فشل تجارب التنمية في الدول النامية يمكن أن يعود إلى الفساد وسوء الإدارة والحروب والنزاعات السياسية، وليس لزيادة السكان، حيث يعد السكان مصدرا لزيادة الموارد إذا أُحسن تعليمهم وتدريبهم، ولعل النموذج المصرى الواضح ببلوغ تحويلات العمالة المصرية في الخارج بالعام المالي الأخير 27.5 مليار دولار - تمثل نسبة 25 في المئة من مجموع موارد النقد الأجنبي من كل المصادر - خير دليل.

وهو رقم إيرادات يمثل خمسة أضعاف دخل قناة السويس بنفس العام، ويمثل أربعة أضعاف موارد صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، وثلاثة أضعاف صادرات النفط والغاز الطبيعي، ويرتفع عن ضعف إيرادات السياحة، ويزيد عن مجمل الصادرات السلعية المصرية النفطية وغير النفطية معا. ويتحقق أغلبه من العمالة غير المتعلمة، حيث تصطحب كثير من العمالة المصرية المتعلمة أسرها وتنفق غالب دخلها في دول الإقامة.

ونظرا للارتباط بين ارتفاع معدلات الأمية وزيادة السكان، حيث بلغت معدلات الأمية - لأكثر من عشر سنوات - 25.8 في المئة ترتفع إلى 30.8 في المئة للإناث وتصل إلى 21 في المئة للذكور، وفي ضوء انخفاض معدلات الإنجاب كلما زاد المستوى التعليمي وتوافرت فرص العمل، فإننا ندعو السلطات المصرية لتوجيه المخصصات المالية لحملتها الحالية لتخفيض عدد السكان، ومخصصات الجهات الحكومية المتعددة المسؤولة عن برنامج تقليل معدلات الإنجاب، إلى تحسين الخصائص السكانية بالمزيد من الإنفاق على التعليم والتدريب الصحة، وهو ما من شأنه زيادة قدرات الإنتاج والتصدير والإيرادات من النقد الأجنبي، بل ومن الضرائب الناجمة عن أرباح المشروعات الخاصة، وزيادة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بوجود أسواق ذات كثافة سكانية مرتفعة ذات دخول منتظمة.

twitter.com/mamdouh_alwaly