بورتريه

ماسك .."كائن فضائي" يحلم بالموت على المريخ!

عربي21

نصف ديمقراطي، نصف جمهوري. هكذا يصف نفسه قائلا: "أنا في مكان ما في المنتصف، ليبرالي من الناحية الاجتماعية، محافظ من الناحية المالية".

أمنيته أن يموت على سطح المريخ، فهو "كائن فضائي" كما يصف نفسه.

ولا يتوقع أن يموت ثريا رغم أن ثروته تزيد على الـ180 مليار! لأنه يتوقع أن ينفق معظم أمواله على بناء مستعمرة بشرية في المريخ، ولن يستغرب إن استنفد المشروع ثروته بأكملها.

إيلون ماسك، المولود عام 1971 في بريتوريا بجنوب أفريقيا، لأب جنوب أفريقي وأم كندية، تعلم برامج الكمبيوتر ذاتيا وهو في مرحلة مبكرة جدا من حياته، وحين سافر إلى كندا التحق بجامعة "كوينز"، لكنه لم يستمر هنا سوى عامين إذ انتقل بعد ذلك إلى جامعة "بنسلفانيا" ليحصل على شهادة في علوم الاقتصاد، وشهادة الفيزياء من كلية الآداب والعلوم. 

بدأ عام 1995 رسالة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية وعلوم المواد في جامعة "ستانفورد" لكنه تخلى عن الفكرة بعد أن جذبه مجال ريادة الأعمال.

كانت أولى الشركات التي شارك ماسك في تأسيسها شركة لبرمجة المواقع التي حصلت عليها شركة "كومباك" عام 1999 مقابل 340 مليون دولار. 

وبهذا المبلغ قام ماسك بتأسيس شركة دفع عبر الإنترنت اندمجت لاحقا مع شركة أخرى عام 2000 لتصبح شركة "باي بال" المعروفة الآن والتي اشتراها موقع "إي باي" مقابل 1.5 مليار دولار.

وفي نفس العام أسس شركته الأهم وهي "سبيس إكس" لتصنيع مركبات الفضاء وإطلاق البعثات الفضائية، ولم يكن يسعى من خلال تأسيسها إلى جني المال بقدر ما كان يهدف إلى إرسال بشر إلى المريخ. 

لكن إنجازه الأكبر والأكثر شهرة هو مشاركته عام 2003 في تأسيس شركة "تيسلا موتورز" لصناعة السيارات الكهربائية وصناعة الأنظمة الشمسية، وحققت "تيسلا" نجاحا مدويا، فقد سجل سهم الشركة ارتفاعا قياسيا وتجاوزت قيمة الشركة السوقية الـ700 مليار دولار. وبهذا الثمن يمكن شراء شركات "فورد" و"جنرال موتورز" و"بي إم دبليو" و"فولكسفاغن" و"فيات كرايسلر"، وسيتبقى ما يكفي من المال لشراء "فيراري".

مع حلول عام 2006، استلهم فكرة إنشاء مصنع "سولار سيتي" كشركة لتوفير خدمات الطاقة الشمسية. كما أنه ساعد عام 2015 في تأسيس "أوبن إيه آي"، وهي شركة أبحاث غير ربحية تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي. 

وساهم بعدها بعام في تأسيس شركة" نيورالينك،" المتخصصة في مجال التكنولوجيا العصبية والتي تركز على تطوير سبل اتصال الدماغ البشري مع حاسوب العقل الوسيط، وفي أواخر نفس العام أسس شركة أنفاق وبنية تحتية في محاولة منه للتخلص من الازدحام المروري في لوس أنجلوس.

سياسيا أصبح عام 2016، عضوا في اللجنة الاستشارية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب. ولكنه استقال عام 2017، اعتراضا على قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.

يعتبر ماسك نفسه "من الأمريكيين المتعصبين". وبحسب رأيه، فإن الولايات المتحدة هي "أعظم دولة وجدت على سطح الأرض"، واصفا إياها "بأعظم قوة لصالح أفضل بلد". كما أنه يؤمن بأنه "لن تكون هناك ديمقراطية في العالم إن لم يكن هناك ولايات متحدة".

وقبل انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، انتقد ترامب قائلا: "لدي شعور قوي بأن ترامب قد لا يكون هو الرجل المناسب لهذا المنصب. فلا أجد فيه الطابع الجيد المطلوب في شخصية رئيس الولايات المتحدة".

وبرر تعاونه مع ترامب قائلا: "كلما ازدادت أصوات العقل التي تحيط بالرئيس، كان ذلك أفضل".

وفي حوار له مع صحيفة "واشنطن بوست"، صرح ماسك بأنه من المانحين المهمين للحزب الديمقراطي، وهذا بالطبع لا يعني عدم منحه للحزب الجمهوري. 

ورغم أنه أسس شركة للذكاء الاصطناعي إلا أنه يحذر من المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، واصفا إياه بأنه "التهديد الأكبر أمام بقاء الجنس البشري"، مؤكدا على ضرورة وجود رقابة على المستوى الوطني والدولي للتأكد من عدم قيام الإنسان بأي فعل طائش. كما أنه وصف تطوير الذكاء الاصطناعي بأنه بمثابة "استدعاء الشيطان".

برر ماسك استثماره بأنه ليس استثمارا بغرض تحقيق أي عائد استثماري، لكنه بغرض مراقبة التطورات من الداخل. 

تلقى انتقادات حول آرائه وأعماله المتعلقة بجائحة فيروس كورونا، فقد شبه بعض جوانب أعراض "كوفيد-19" بنزلات البرد وذكر أن "الذعر من الفيروس غباء".

بالإضافة إلى ذلك، قام بترويج مقالات تشير إلى أن شركات الرعاية الصحية كانت تضخم أرقام حالات كورونا لأسباب مالية، ودعا إلى نهاية فورية للقيود الإلزامية في أماكن الإيواء. وأمعن أكثر بتحديه بأن وصف إجراءات الحجر الصحي بـأنها "حبس تعسفي" و"فاشية".

ولم تكن تجارب ماسك ناجحة في البدايات، فقد واجهت شركاته جميع أنواع المشاكل التي قد تواجهها الشركات عند تدشينها. ففي شركة "سبيس إكس"، فشلت تجارب إطلاق الصواريخ ثلاث مرات متتالية، وواجهت "تيسلا" مشاكل في الإنتاج وسلاسل التوريد والتصميم.

ورغم ذلك فهو لا يهتم بنظرة الناس أو سخريتهم منه إذا أخفقت مشروعاته التي استثمر فيها أموالا ضخمة. وحين وقعت الأزمة المالية العالمية عام 2008، فقد واجه ماسك خيارا صعبا. يقول: "لقد دهشت من حجم الشماتة والتشفي حينذاك، إلى درجة أن منتديات عديدة كانت تضع ساعات للعد التنازلي لنهاية تيسلا".

وأنفق ماسك أموالا طائلة على شركاته، حتى وصل به الحال إلى أنه اقترض من أصدقائه لسداد نفقات معيشته.

وتبدو حياته الخاصة مرتبكة وغير مستقرة فهو يثير الجدل في كل مكان يدخله، فقد أثار جدلا واسعا بسبب قضايا التشهير التي رفعت ضده، وتدخين المخدرات في بث حي عبر الإنترنت وتصريحاته الغاضبة على منصات التواصل الاجتماعي.

وأعلن في الصيف عن اعتزامه بيع جميع ممتلكاته المادية التي يقول إنها تثقل كاهله بالمسؤوليات والمشاكل.

لكن من الواضح أن سلوكياته التي يصعب التنبؤ بها، لم تؤثر على مشروعاته، فقد نجح ماسك في إزاحة جيف بيزوس مالك موقع "أمازون" من المركز الأول لقائمة أغنى أغنياء العالم.

ولا تخفى على المطلعين الحرب الباردة التي تشتعل من وقت إلى آخر بينه وبين مؤسس "ميكروسوفت" بيل غيتس الذي كثيرا ما انتقد ماسك بسبب موقفه من "كورونا" وتشجيعه على الانجرار خلف العملات الرقمية. وقال غيتس في حوار مع وكالة "بلومبيرغ: "إن الناس الذين لا يملكون ما يملكه ماسك من أموال عليهم أن يكون حذرين"، لأنه "يمتلك الكثير من المال، لكنه بالمقابل يقلق لأن الكثير من الناس يصدقون هذا الجنون، رغم عدم توفرهم على الكثير من المال".

ويرد ماسك على تعليقات غيتس بقوله: "تعلمون أن غيتس ليس عشيقي".

ولا يتوقف ماسك عن الحلم بإحداث تغيير جذري في صناعة السيارات، واستعمار المريخ، وتصنيع قطارات فائقة السرعة في أنفاق مفرغة من الهواء، وزرع الذكاء الاصطناعي في أدمغة البشر وتطوير محطات الطاقة الشمسية وصناعة البطاريات.

وقد يكون القاسم المشترك بين هذه الغايات، أنها تشبه الأحلام الخيالية للمستقبل المستوحاة من قصص الخيال العلمي في الثمانينيات من القرن الماضي، وسينما هوليوود حول الخيال العلمي والكائنات الفضائية.

ولا ينكر ماسك أن الكتب التي قرأها والأفلام التي شاهدها عندما كان صغيرا في جنوب أفريقيا شكلت مصدر إلهام له في حياته.