اقتصاد عربي

الليرة السورية تواصل الانهيار.. ما علاقة روسيا والصين؟

لامس سعر صرف الدولار مساء الثلاثاء حاجز الـ4000 ليرة سورية في أسواق دمشق وحلب- جيتي

شهدت قيمة الليرة السورية تراجعا مستمرا في الأسواق السورية، وانهيارات حادة، وسط عجز واضح من النظام السوري، ما أدى إلى تعطيل الأسواق وارتفاع أسعار السلع والمنتجات بشكل جنوني.


ولامس سعر صرف الدولار مساء الثلاثاء حاجز الـ4000 ليرة سورية، في أسواق دمشق وحلب، في حين وصل الدولار في إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة إلى نحو 3700 ليرة.

وضمن قراءته لأسباب تدهور قيمة الليرة غير المسبوق، تحدث مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز "جنيف للدراسات" ناصر زهير، عن أسباب عدة، خلال حديث خاص لـ"عربي21".

تأخر الدور الصيني

ويشكل ضعف موارد العملات الأجنبية السبب الأول لخسارة الليرة قيمتها، وفق زهير، الذي أكد عدم وجود أسباب اقتصادية واضحة لانهيار الليرة من تخلف عن دفع الديون وما شابه.

وأضاف أنه خلال الفترة الماضية كان الحديث يتم في الكواليس عن دور صيني مُرتقب، حيث كان من المتوقع أن تقوم الصين بضح ما بين 5 و7 مليارات دولار في سوريا، مقابل عقود متعلقة بالموانئ السورية وسكك الحديد ومشاريع أخرى، غير أن الواضح أن إنجاز هذه العقود تأخر.

وحول سبب تأخر توقيع العقود مع الصين، أشار زهير إلى اعتراض روسي على حجم الاستثمار الصيني في سوريا، موضحا أن "الصين لا تقبل أن تكون استثماراتها هامشية كما تريد روسيا التي تخشى من توسع نفوذ الصين السياسي والاقتصادي في هذه المنطقة".

وقال المستشار، إن الصين مُتهمة بأنها تمارس سياسات إغراق الدول بالديون للسيطرة على قرارها السياسي، وعلى ذلك تريد روسيا دخول الصين إلى سوريا، لكن بشكل محدود يضمن لروسيا الحصة الأكبر.

وأكمل زهير، بأن روسيا لا تستطيع مساعدة النظام اقتصاديا، وقد اعترفت بذلك على العلن، وفي الوقت ذاته فإن إيران غير قادرة على مساعدة النظام بسبب مشاكلها الاقتصادية، مستدركا بالقول: "علما بأن زيادة حدة الأزمة الاقتصادية تساعدها على زيادة حجم استثماراتها في سوريا، وشراء العقارات".

وأمام ذلك، يعتقد زهير أن مستقبل دخول الصين إلى السوق السورية يعتمد على التوافق مع روسيا، وهذا أمر صعب جدا، أو أن تقوم بكين بشراء سندات خزينة الدولة السورية، وأيضا هذا الجانب سيزعج الروس، وهذا ما تحاول الصين تلافيه.

قيصر وبايدن

ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى زيادة خسائر الليرة مؤخراً، وفقا لزهير، هي تأكيد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها ليست بوارد إلغاء العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على النظام السوري (قيصر).

وقال المستشار في الاقتصاد السياسي، إن عدم الرد من قبل إدارة بايدن على الحملة الداعية إلى تخفيف عقوبات قيصر أو تجميدها لإتاحة المجال لمواجهة فيروس كورونا، أدى إلى ارتدادات على الاقتصاد السوري، حيث أكدت الإدارة الأمريكية الجديدة أنها ماضية في العقوبات.

وهذا ما أدى كذلك إلى هجرة المزيد من أصحاب رؤوس الأموال، أو زيادة تهريب الأموال إلى خارج سوريا.

ولا يمكن، وفق زهير، تجاهل مسؤولية فرض البنوك اللبنانية قيودا مشددة على سحب ودائع السوريين بالعملات الأجنبية، لافتا إلى اعتراف رئيس النظام السوري بتأثير ذلك على الاقتصاد السوري.

وبرأي الخبير الاقتصادي سمير الطويل، فإنه لا يمكن فصل الأسباب السياسية عن الاقتصادية التي أدت مجتمعة بالليرة إلى هذا الكم من الخسائر.

وقال لـ"عربي21": إن المنطقة عموماً تشهد تراجعا في المؤشرات الاقتصادية، بفعل عوامل عدة، في مقدمتها فيروس كورونا وتداعياته على اقتصادات الدول، غير أن التراجع في سوريا يأخذ شكل الانهيار الاقتصادي، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى تراجع قيمة الليرة.

 

ارتفاع الطلب على الدولار

وأضاف الطويل أن السوق السورية لم تعد تستقطب الاستثمارات الأجنبية، وفي الوقت ذاته تشهد تراجعا في قطاعات الإنتاج.

وهنا أشار الطويل إلى تحول النظام السوري من مصدر للمواد الأساسية (نفط، قمح، منتجات حيوانية) إلى مستورد، وهذا ما أدى إلى زيادة الحاجة إلى العملات الأجنبية لتغطية الواردات.

وثمة سبب آخر يُفسر تراجع الليرة، يشرحه الطويل بقوله: "غياب أي بوادر لتحقيق حل سياسي، يجعل من التعافي الاقتصادي أمرا صعبا، فدائما ما يرتبط الاقتصاد باستقرار الوضع السياسي".

وأضاف الطويل، أن إغلاق أبواب الحل السياسي، يولد شعورا سلبيا على الاقتصاد، بعبارة أخرى أن عدم الاستقرار لا يشجع الأهالي على النشاط التجاري، ويدفعهم إلى التمسك بالمدخرات من الدولار والذهب.

تلك المعطيات، تدفع المستشار في مركز "جنيف للدراسات" ناصر زهير، إلى ربط مصير الليرة في المدى القريب بالاتفاق بين روسيا والصين، على دخول الأخيرة للسوق السورية، وكذلك بمستقبل الحل السياسي، مؤكدا أن أي حل سياسي من شأنه تحقيق انفراج اقتصادي، ولا يبدو هذا الأمر وارداً في القريب.