قضايا وآراء

لبنان: هل يصلح العطار الروسي ما أفسده دهر الإمعان بحق اللبنانيين؟

1300x600
كلمات الرئيس سعد الحريري كشفت شيئا من المستور عن اللبنانيين في إمعان السياسيين في استهلاك اللبنانيين كوقود لمواقدهم العبثية في تأليف الحكومة، وجاء رد بعبدا على الحريري بلوائح مختلفة وكلام مبطن وظاهر؛ عنوانه الأول والأخير الكيمياء المفقودة بين العهد وفريقه والحريرية السياسية بكل ما تمثل اقتصاديا وماليا وسياسيا، ومعها حكما رئيس التقدمي الاشتراكي الذي أطلق كلاما حادا لحدود دعوة الرئيس لكي ينتحر وحده لتقابله ردود من العيار نفسه من القصف الكلامي الذي لن يضيف الى المشهد القاتم إلا مزيدا من لغة جافة هدامة لا تبني أوطانا؛ في وطن لم يبق منه إلا شيء من الذاكرة التي تفقد بريقها مع الغيابات المتتالية لبعض الرجالات الذين كانوا عنوان المشهد لفترات طويلة، وآخرهم حكيم العرب فخامة المثقف وأمير الكلام والرئيس غير المتوج إلا على قلوب أحبائه الكثر؛ الأستاذ جان عبيد.

ماذا بعد؟

وبين الحريري والعهد يقف حزب الله اللاعب الأقوى على الساحة عند مفترق طرق، وهو يصر على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، والتي هي مسافة إن بقيت دون تدخل قد تحرج الجميع وينخرق المنخل ويتفرق العشاق. فعلاقة الحزب بالتيار تكاد تكون تتراقص على حفة الهاوية، ولا يزال التيار ومنظروه يطالبون بالعلن بتعديل اتفاق مار مخايل الموقع بين الطرفين، والذي بات لدى البعض مادة للابتزاز السياسي وربما عصا قد تضرب ذات يوم في عمق العلاقة بين الجمهورين المتناحرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما على مقلب العلاقة بين حزب الله بالحريري، فيرى الحزب أن التوازن القائم يخدم لجهة الستاتيكو الحاصل ويمنع الفتنة السنية الشيعية، ويبقي على شعرة معاوية مع الرجل الأوسع تمثيلا ضمن بيئته وطائفته. وتاليا، المسارات متوقفة بانتظار الجديد الذي لن يأتي مع تصلب كل الأطراف المنتظرين عند ضفة النهر.

وفي زمن المبادرات الدولية والزيارات المتلاحقة عربيا ودوليا، أطلت موسكو بمبادرة اختلفوا في توصيفها، علما أن موسكو ما غابت عن المشهد في المنطقة؛ إن في شرق المتوسط وسوريا تحديدا، وإن في الداخل ضمن شبكة العلاقات مع كل الأطراف اللبنانية.

المبادرة الروسية التكاملية

من هنا جاء البيان الصادر عن الخارجية الروسية وفيه: "جرى اتصال هاتفي بين الرئيس الحريري والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وتناول الحديث خلال الاتصال مسألة الأزمة الاجتماعية والسياسية التي يمر بها لبنان، حيث جرى التشديد على ضرورة التشكيل السريع لحكومة مهمة برئاسة سعد الحريري الحائز على أغلبية الأصوات في البرلمان وكذلك التكليف من رئيس لبنان ميشال عون".

وعليه، تكون المبادرة الروسية استكمالا للخطى الفرنسية الواضحة المعالم، والتي لم تنجز خرق حتى الساعة، وبالتالي: هل تملأ موسكو الفراغ الحاصل للوصول الى زمن التسويات الحقيقية؟

إنّ التسوية الحقيقية ستبدأ من مكان تعرفه موسكو وباريس، وهو طهران وملفاتها المفتوحة مع اللإدارة الأميركية الجديدة، حيث على فرنسا أن تدرك أن طهران ستبدي مرونة مع الأمريكي حصرا وليس أي وكيل، فتتعاطى حصرا مع الأصيل في كل أوراق المنطقة، علما خط الاتصالات بين قصر الإليزيه والكرملين وواشنطن مفتوح بشأن لبنان. وقد حرصت باريس في الآونة الأخيرة على الطلب من موسكو معاونتها على فتح مسارب الحل في لبنان منذ الاتصال الشهير غداة المبادرة الفرنسية بين ماكرون وبوتين، وذلك لما تعتقد فرنسا بما لدى روسيا من علاقات خاصة مع طهران.

وقد قام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بالفعل، بطرح ملف تشكيل الحكومة اللبنانية خلال المحادثات التي أجراها مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارة الأخير روسيا. لكنّ الموقف الإيراني ذو وجهتين، الأول هو إبقاء ملف تشكيل الحكومة اللبنانية بيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ما يعني أنّ الأولوية وفق توجهات السيد نصر الله، والوجهة الثانية هي ضمن مقاربة ملفات المنطقة كرزمة واحدة؛ قد تكون بدايتها من الأراضي اللبنانية الخصبة لكل الاحتمالات الخطرة مع الإسرائيلي في معادلات المنطقة التي تقعد على صفيح ساخن.

أولويات السياسة الروسية في المنطقة

وعليه، تنطلق موسكو من جملة اعتبارات واضحة المعالم في سياستها الخارجية في المنطقة ولبنان، بحسب ما قاله نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الروسية، أليكسي سكوسيريف، من أن المهام الرئيسة لروسيا في منطقة الشرق الأوسط هي تهدئة الوضع وتطبيعه، وكذلك منع ظهور أزمات عسكرية جديدة. وأضاف: أولا وقبل كل شيء، تهدئة شاملة ومستدامة للوضع وتطبيعه. وفي الوقت نفسه، تنطلق روسيا من الحاجة إلى تسهيل تسوية جميع النزاعات في الشرق الأوسط بأساليب سياسية ودبلوماسية حصرية؛ من خلال نهج شامل وحوار بنّاء دون تمييز بين الأطراف الفردية، أيضا تحت رعاية الأمم المتحدة وبمشاركة المنظمات الإقليمية الرئيسية، وعلى رأسها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلام.

وأضاف سكوسيريف: المهمة الثانية هي منع ظهور أزمات عسكرية خطيرة جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي مقدمتها الحدود الشمالية الإسرائيلية مع لبنان وسوريا التي تعتبر قنبلة قابلة للانفجار. وثالثًا، نرى مهمة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة سلام وحسن جوار وتعاون مفيد لكل الأطراف، مشيرا إلى أن روسيا على عكس اللاعبين الآخرين، ليست لديها أجندة خفية. لكنها بالتأكيد لها مصالحها الخاصة في المنطقة والتي تظهر من خلال الدور المتزايد في كل المنطقة؛ بدءا من المصالح الاقتصادية مع الرياض من خلال تحالف أوبك+، وصولا الى المصالح مع الجانب القطري في استثمارات الغاز، ولاحقا في العلاقات الاستراتيجية مع طهران والظهور والحضور في سوريا.

حقيقة الدور الروسي

إن الدور الروسي اليوم في تشكيل الحكومة اللبنانية لا يغدو أن يكون شكليا، خاصة مع إدراك موسكو أنّ تعقيدات الوضع اللبناني لا تسمح لجهة واحدة أن تملي مشيئتها، تاليا لن تستطيع روسيا أن تصلح ما أفسده دهر الإمعان في سياسة الموت السريري الذي يمارس بحق اللبنانيين من الداخل والخارج في آن واحد. لذا، فهي ترى أنّ تأليف حكومة برئاسة الحريري ووفق المواصفات التي أعلن عنها في كلمته في ذكرى استشهاد والده في 14 من الشهر الجاري ما يزال بعيد المنال، وفقا لحسابات البيدر اللبناني الذي لم يعد يتطابق مع المجتمع الدولي بكافة لاعبيه؛ نظرا للغة المحاصصة من جهة وضعف التأثير على الأطراف الفاعلة داخليا من جهة أخرى.

خلاصة القول أن جل ما تملك موسكو فعله في لبنان لا يغدو سياسة الاحتواء لمنع تفاقم الرسائل النارية في الداخل وعلى الحدود، ومساعدة الفرنسيين في خلق أرضية إذا ما صحت التوقعات بأن هناك تفويضل أمريكيا للفرنسيين في لبنان، علما أن المؤشرات الاقتصادية والمالية مع قرب انتهاء الاحتياطيات الأجنبية في مصرف لبنان، وبلوغ الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة للدولار الواحد وشبح ضياع ودائع الناس في المصارف المهزوزة أصلا تحت التعميم 154 الصادر عن البنك المركزي؛ تؤكد أن القادم صعب وخطر جدا، وأننا ربما على أبواب ثورة اجتماعية، حيث يضرب الجوع بيوت اللبنانيين ليدفعهم إلى الشوارع وعندها ربما تبدأ لغة الحلول الحقيقية في لبنان.