مقابلات

أكاديمي مغربي: التطبيع طعنة للقدس ونمر بمفترق طرق خطير

الأكاديمي المغربي محمد الحساني قال إن التطبيع خطيئة لن يغفرها التاريخ لبلاده- مواقع التواصل
وصف الأكاديمي المغربي وأستاذ العلوم السياسية، محمد الحساني، قيام المغرب بتطبيع علاقاته رسميا مع إسرائيل بالطعنة الغادرة للقدس والقضية الفلسطينية، لافتا إلى أن بلاده في "مفترق طرق خطير، جراء هذه الخطيئة التي لن يغفرها التاريخ".

وقال، في مقابلة مع "عربي21": "لا يمكن بداية إلا أن نؤكد أن هذه الخطيئة لا تُعبّر إلا عن أصحابها، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن أحرار المغرب أو عموم الشعب المغربي الذي لا ينبغي أن نشك أن فلسطين وأرض الإسراء والمعراج راسخة في قلبه ووجدانه".

والخميس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موافقة المغرب على التطبيع مع إسرائيل، وأنه وقع اعترافا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو" منذ العام 1975.

وبهذا الإعلان، يكون المغرب الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع إسرائيل إثر قطع موريتانيا علاقاتها مع تل أبيب في 2010، وهو ما يعتبر اختراقا إسرائيليا لافتا لمنطقة المغرب العربي.

ويصبح المغرب رابع دولة عربية توقع اتفاق تطبيع أو توافق على التطبيع مع إسرائيل خلال العام 2020، بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقي تطبيع في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، وإعلان السودان، في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الموافقة على التطبيع تاركا مسؤولية إبرام اتفاق بهذا الخصوص إلى المجلس التشريعي المقبل (لم ينتخب بعد).

"خطوة كارثية"

وأضاف الأكاديمي المغربي: "إذا تتبعنا السياق التاريخي للعلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني فهي على طول التاريخ علاقات مميزة ومتينة؛ فجزء كبير من مسؤولي الكيان الصهيوني كانوا - وما زالوا - من أبناء المغرب، أقصد أنهم يهود مغاربة ولدوا وتربوا في المغرب ثم هاجروا إلى فلسطين".

وأردف: "لا ينبغي أن ننسى كذلك أن الخطوات الأولى لاتفاقية كامب ديفيد بدأ التخطيط لها بالمغرب، وأن رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، إسحاق رابين، زار المغرب بشكل رسمي والحدث معلوم وموثق؛ فقد تحدث عن تلك الزيارة في وقتها الملك الحسن الثاني، وعبّر عن أن زيارة رابين لم تشهد أي احتجاج أو معارضة من طرف أحد في المغرب"، وقال: "إذن نحن أمام مسار طويل".

ورأى "الحساني" أن "الجديد في هذا المسار، وفي هذه الخطوة الكارثية، أن المغرب جعل تطبيعه تحت هذا العنوان الذي ينبغي أن نسطر عليه جيدا، وهو (الأرض مقابل التطبيع)، أي أننا أمام مقايضة مكشوفة. وهذا فظيع جدا في حق قضية كان المغرب يعتبرها قضيته الوطنية الأولى".

وقال: "هناك سؤال آخر يطرح نفسه، وهو كيف يمكن أن نجمع بين رئاسة لجنة القدس (في منظمة التعاون الإسلامي) والتطبيع مع الكيان الصهيوني في ذات الوقت. أظن أنه لم يعد لهذه اللجنة أي مبرر موضوعي أو ذاتي رغم أنها كانت عنوانا فقط منذ تأسيسها لا أثر لها على أرض الواقع، لأنها وُلدت ميتة من الأساس".

"أحزاب الكتلة التاريخية"

واعتبر الأكاديمي المغربي "الكارثة الأخرى لهذه الخطيئة هي أنها ستجعل الجزء الأكبر من جوقة الأحزاب المغربية بما فيها التي تسمي نفسها أحزاب الكتلة التاريخية (الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال) التي طالما اعتبرت الموقف المغربي من القضية الفلسطينية غير قابل للنقاش، ستصبح اليوم بوقا مبررا لهذه الخطيئة التي لا تُغتفر، ووصفها كالعادة بالسياسة الرشيدة والحكيمة وذات البُعد الاستراتيجي التي ينتهجها النظام المغربي".

وواصل حديثه قائلا: "أما الحزب، لا أقول الحاكم، أقصد بذلك العدالة والتنمية؛ فقد وضع عنقه تحت المقصلة، ولعل تصريح السيد سعد الدين العثماني بعد بيان التطبيع، ويمكن الرجوع إليه على صفحته الرسمية في الفيسبوك، قد أنزل المقصلة على رأسه وتماهى مع خطوة النظام جملة وتفصيلا، وبذلك يكون قد أنهى بشكل نهائي ملف الحزب الذي حُسب على الإسلاميين طوال هذه السنين ليصبح لقب (إسلاميي القصر) هو أبلغ توصيف".

"المفاصلة بين الإسلاميين"

وأكمل: "التطبيع سيدق أسفين المفاصلة بين الإسلاميين، وسيسد كل طريق للتقارب فيما بينهم؛ فحركة الإصلاح والتوحيد، الذراع الدعوية للعدالة والتنمية، سوف تبحث عن كل المبررات لتصوغ بيانا يرضي النظام، أي أنها ضمنيا مع التطبيع رغم أن فلسطين كانت قضية راسخة لدى الحركة في السابق، بينما ستبقى العدل والإحسان ثابتة على موقفها رافضة أي تبرير من أي نوع للتطبيع، وهذا بالنسبة للنظام منتهى الأمل، أي القطيعة بين الإسلاميين وبعضهم البعض".

"نظام السلطة المطلقة"

وأشار الأكاديمي المغربي إلى أن "خطيئة التطبيع كشفت وأكدت لنا تماما أننا أمام نظام السلطة المطلقة التي لا تؤمن بالمؤسسات؛ فالقرار جاء خارج أي نقاش أو تشاور لا مع الحكومة ولا غيره".

وأكد "الحساني" أن "المغرب لن يجن أي شيء جراء تطبيع علاقاته مع الكيان المحتل؛ فكل مطبع مع هذا الكيان كان الخاسر الأول، لأن الكيان يأخذ ولا يعطي، والتاريخ خير شاهد"، مشدّدا على ضرورة توحد الفلسطينيين جميعا، وكل من وصفهم بأحرار العرب والمسلمين، على قلب رجل واحد في مواجهة ما وصفه بـ"تحالفات الانتهازية العربية الصهيونية"، حرصا على "إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في نفوسنا ونفوس كل الأجيال القادمة".

واستطرد قائلا: "أخشى ما نخشاه أن يكون ثمن هذا التطبيع هو مزيد من القبضة الأمنية لخنق كل صوت وكل محاولة للتنديد بالتطبيع، ولعل ما وقع أمس الجمعة بمدينة فاس المغربية من تدخل أمني قوي مؤشر لا يطمئن، ويدل على أن المستقبل سيكون به مزيد من التضييق على الحقوق والحريات".

وبحسب ما نشرته وسائل إعلام محلية، فقد تدخلت عناصر أمنية بزي مدني، الجمعة، بمدينة فاس، لفض مصلين في أحد المساجد كانوا يحاولون الاحتجاج تنديدا بقرار التطبيع، وشرعت في توقيف بعض مَن حاولوا الاحتجاج، وتم تطويق المسجد ومصادرة بعض هواتف المصلين الذين حاولوا توثيق ما يحدث.

واختتم "الحساني" بقوله: "المغرب يدرك جيدا أن هذه الخطوة مرفوضة شكلا ومضمونا، ولن يستسيغها الشعب المغربي. والخطيئة الكبرى لهذه الخطوة هي أنها لن تزيد الوضع في بلادنا إلا مزيدا من التوتر والانزلاق نحو المخاطر والأزمات المختلفة التي نحذر منها".