حقوق وحريات

هذه مأساة شاب فلسطيني عالق بمطار دبي منذ 5 أشهر

الغمري محجوز بمطار دبي رغم أنه غير مذنب بارتكاب أي خطأ- جيتي

كشفت صحيفة "هآرتس" عن وجود شاب فلسطيني عالق منذ خمسة أشهر داخل غرفة في مطار دبي لا يسمح له بدخول الإمارات ولا العودة لقطاع غزة.

 

وقالت الصحيفة إن الغمري محجوز بمطار دبي رغم أنه غير مذنب بارتكاب أي خطأ، إذ إن إسرائيل ومصر ترفضان السماح له بالعودة إلى غزة، والإمارات لا تسمح له بدخولها.

 

وأوضحت الصحيفة أن الغمري يريد فقط العودة إلى بيته في قطاع غزة، وحاليا هو سجين غرفة بسيطة بجدران وأرضية مكشوفة وخزانة وسرير وتلفزيون وثلاجة وكرسي بذراعين، النوافذ مغلقة، والباب مغلق معظم ساعات اليوم يحصل على وجبات أكل سريع لا تتغير ثلاث مرات في اليوم، ويسمح له بمغادرتها لساعتين في اليوم، إلى ساحة صغيرة محاطة بسياج.


وأشارت الصحيفة إلى أنها لا تعرف ما هي استخدامات هذه الغرفة عادة، كما أنه لا يعرف كم من الوقت سيظل محتجزا هناك.


وذكرت أنه في البداية كان يبيت في مطار دبي على علب كرتون نشرها على الأرض، ثم تم حجزه في أحد فنادق المطار حتى تم إحضاره إلى هنا، إلى مدينة زايد. مرة واحدة فقط سُمح له بمغادرة سجنه بالفندق لعلاج أسنانه، ثم فكر في الهروب، ولكن لا يوجد مكان يهرب إليه.


وفي هذا السياق تستذكر الصحيفة أن الواقع يتفوق على الخيال أحيانا، حيث تقول إن ستيفن سبيلبرغ شهد الموقف نفسه في فيلم «تيرمنال» عن لاجئ إيراني محاصر في مطار جون كنيدي في نيويورك، رفض دخوله إلى الولايات المتحدة وعدم قدرته على العودة إلى بلاده أيضا.


وتتابع: «بعكس الفيلم، فإنه في الواقع هنا لكن لا أحد يستطيع أن يرى نهاية واضحة لـ «النسيان الغريب والقاسي» الذي وقع فيه الغمري، وهو ابن سائق تاكسي فلسطيني من خان يونس».


يمكن أن تكون قصة الغمري بمنزلة استعارة أو حكاية رمزية عن وضع عام أكثر: مسجون في دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، رغم أنها تنحي الفلسطينيين جانبا، ولا توجد دولة مستعدة لمساعدته على العودة إلى الوطن.


وتتابع «هآرتس»: «لكن الغمري ليس استعارة ولا رمزية؛ إنه رجل أعزب يبلغ من العمر 26 عاما، ولد وعاش كل حياته في مدينة خان يونس، ولم يغادر قطاع غزة أبدا.

 

ساعد الغمري والده في إدارة شركة سيارات أجرة، وكان يحلم بمستقبل مختلف أقل قسوة من خان يونس. تحول حلمه إلى كابوس يعيشه الآن.

 


وعن بداية المأساة قالت الصحيفة؛ إن الغمري خريج كلية تربية بدنية في قطاع غزة، لكنه لم يتمكن من العثور على عمل في العام الماضي، فقرر محاولة البحث عن وسيلة لمغادرة غزة، على أمل إيجاد مستقبل أفضل في مكان آخر.

 

من خلال وكالة سفر محلية حصل على تأشيرة دخول إلى الإمارات؛ حيث خاله كريم عودة يعمل مهندس طيران، ويعيش في دبي منذ 30 عاما. وعد الخال ابن شقيقته بالعثور على وظيفة له كرجل إطفاء في دبي بعد أن خضع للتدريب.


وقالت «هآرتس»: «بدا المستقبل ورديا لعلاء عندما غادر قطاع غزة في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. لا شيء أعده لما سيأتي. سافر إلى القاهرة، ووصل إلى مطار المدينة الدولي بعد قرابة 24 ساعة على الطريق. هبط في دبي في اليوم التالي. خاله الذي لم يلتق به قط، اصطحبه في المطار إلى منزله الواسع، حيث حصل على وحدة سكنية خاصة. بدت الحياة واعدة.

 

لقد أسره أمران عن دبي على الفور: توفّر مصدر طاقة كهربائية ثابت، دون انقطاع – وهو شيء لم يسبق له مثيل من قبل – والشعور بالأمان والهدوء دون ضجيج الطائرات بدون طيار المتواصل في السماء، وبدون خوف ورعب والتعرض للقصف أو القصف ليل نهار، وهو روتين الحياة في خان يونس. كان هذا شيئا جديدا تماما بالنسبة له.


وحسب «هآرتس»، أمضى الغمري شهرين كسائح في دبي، حتى يحين موعد ترتيب تدريبه على مكافحة الحرائق، ثم اندلع وباء فيروس كورونا، وفي نهاية شباط/ فبراير تم إبلاغه بإلغاء دورة مكافحة الحرائق، فقرر العودة إلى منزله في خان يونس، وما لبث أن تحطم حلمه إذ كان يعلم أن البوابات على وشك الإغلاق بسبب الوباء.

 

وفي 19 آذار/مارس، استقل طائرة متوجهة إلى القاهرة للعودة إلى غزة عبر معبر رفح، وفي مطار القاهرة نقل إلى غرفة جانبية وأبلغه ضابط الجوازات بأنه لن يتمكن من دخول مصر فعاد للإمارات. وأمضى الغمري الأيام العشرة التالية نائما على علب كرتون مبعثرة على أرضية المطار في القاهرة ولم يكن وحده، فقد تقطعت السبل بحوالي 120 راكبا آخرين من اليمن وألبانيا وطاجيكستان وغيرها.


ولاحقا زودته شركة الطيران بقسائم طعام، وبعد عشرة أيام على الأرض نقلته شركة الطيران إلى فندق دبي في المطار، وقد مُنع من مغادرة الفندق وقام رجال الأمن بزيارات مفاجئة إلى غرفته للتأكد من أنه لم يهرب.

 

وفي 20 أيار/مايو، أُبلغ بأن المطار والفندق يستأنفان نشاطهما الجزئي، مما يعني أنه سيحتاج إلى نقله إلى منشأة أخرى في المدينة.


وتضيف «هآرتس»: «منذ ذلك الحين وهو مقيد في الغرفة الصغيرة التي تحدث إلينا منها هذا الأسبوع بنبرة حزينة. عاد معظم الركاب الذين علقوا معه في الأصل إلى بلدانهم، ولم ييق معه سوى مجموعة صغيرة من السوريين واليمنيين» .

داخل سجنه الصغير، اكتشف الغمري خلال تصفح فيسبوك أن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية مركز الدفاع عن الفرد «هاموكيد» التي تتخذ من القدس مقرا لها، قد ساعدت امرأة فلسطينية عالقة في الضفة الغربية على العودة إلى منزلها في الولايات المتحدة. شجعه ذلك فكتب إلى «هاموكيد» في 17 حزيران/يونيو الماضي، فبادرت دنيا عباس، مديرة قسم الاستقبال والمعلومات في المنظمات غير الحكومية داخل المنظمة الحقوقية بالعمل على مساعدته. الطريقة الأكثر وضوحا بالنسبة له للعودة إلى الوطن، هي السماح له بالمرور عبر مطار بن غوريون، ومن هناك عبر معبر بيت حانون إلى قطاع غزة.

 

وتشير «هآرتس» إلى أن هذا احتمال نادر لسكان غزة، رغم أنه يتم في حالات استثنائية. وفعلا توجهت إلى إدارة التنسيق والارتباط الإسرائيلية في الجيش الإسرائيلي، تطلب السماح للغمري بالمرور عبر مطار بن غوريون في تل أبيب في حالة عدم وجود أي بديل آخر، حيث أغلقت مصر حدودها في أعقاب وباء كورونا، لكنها لم تتلق أي رد.

 

في 26 تموز/يوليو، قدمت «هموكيد» التماسا إداريا إلى المحكمة المركزية في القدس المحتلة بصفتها محكمة للشؤون الإدارية، ضد وزير الداخلية ومكتب منسق الأعمال الحكومية في المناطق المحتلة، يطالب بالسماح لعلاء الغمري بالعودة من دبي إلى منزله عبر مطار بن غوريون الدولي. كانت الاستجابة الأولية سلبية، وطالب ممثلو وزير الداخلية وما يعرف بـ «منسق أعمال الحكومة في المناطق بأن «يتم رفض الالتماس على الفور» .

وذكروا أن مصر أعادت فتح معبر رفح أمام الأجانب، وأن الملتمس لا يشير إلى مصدر التزام المدعى عليهم بالسماح لمقدم الالتماس الذي غادر قطاع غزة دون المرور بإسرائيل، بالدخول إليها عبر مطار بن غوريون بغرض دخول غزة، ومن هنا استنتجوا أن الالتماس لا أساس له.


كما طلب محامي المدعى عليهم، يوئيل فوغلمان، من النيابة العامة في منطقة القدس الاستماع إلى الالتماس، إذ لم يتم رفضه بإيجاز في محكمة بئر السبع المركزية، لأسباب إدارية، وتم قبول الطلب.

 

ومنحت محكمة بئر السبع هاموكيد 21 يوما للرد على حجج الدولة، وقدم ردها يوم الثلاثاء الماضي.


وقالت المحامية ميساء أبو صالح أبو عكر، من الدائرة القانونية في المنظمة غير الحكومية، للمحكمة؛ إن الادعاء بأن مصر مفتوحة لعلاء الغمري غير صحيح. وكتبت إلى المحكمة: "إذا لم يتم اعتبار قضية صاحبة الالتماس حالة إنسانية استثنائية، فإن هذا الشرط سيبدو خاليا من المضمون» .

والآن، على أمل أن يأتي فرج من جهة الأعداء بدلا من الأشقاء، ينام الغمري في أثناء النهار ويقضي الليالي يشاهد التلفاز ويتصفح الإنترنت، وبعد نفاد النقود الذي بحوزته اقترض بعض النقود من مواطن سوري ليقتني سجائر، ولاحقا أصبحا صديقين، لكن السوري ما لبث أن تحرر من أزمته وتمكن منذئذ من المغادرة إلى السودان.


ويقول الغمري؛ إن الموظفين الذين يحضرون له وجباته يشترون له السجائر ويعامل بشكل جيد. وناشد السلطات الإماراتية، وقيل له إنه عندما ينجح في إيجاد دولة توافق على فتح أبوابها له ،سيتمكن من المغادرة.


ويشير إلى أنه اتصل بالسفارة الفلسطينية في الإمارات، التي أخبرته أنه بسبب وقف التنسيق المدني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لن يتمكنوا من مساعدته في تقديم طلب إلى إسرائيل، لكنها وعدته أنه بمجرد إعادة فتح معبر رفح ستساعده على العودة عبر مصر، وحاليا هو أسير داخل الغرفة الصغيرة.