مقالات مختارة

دول الخليج بين أكبر الخاسرين لو هُزم ترامب الخريف القادم

1300x600

شهور قليلة تفصل الولايات المتحدة عن انتخابات ستتاح الفرصة فيها أمام الشعب الأمريكي لإعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، أو لجعله منه واحداً من قلة قليلة من الرؤساء الذين لم يخدموا سوى لفترة واحدة في تاريخ البلاد، وذلك من خلال انتخاب خصمه الديمقراطي جو بايدن.


بينما يمكن للكثير أن يحدث من الآن وحتى تشرين الثاني/  نوفمبر، إلا أن ترامب يخوض معركة بالغة الصعوبة من أجل إعادة انتخابه. إثر تلقيه سلسلة من الضربات المتعاقبة الناجمة عن الوضع الصحي الكارثي والآثار الاقتصادية لوباء فيروس كورونا، إضافة إلى موجات الاحتجاج على الممارسات الوحشية من قبل الشرطة ضد الأمريكيين من أصول أفريقية بعد عملية القتل الجسورة التي تعرض لها جورج فلويد، تمر حملة ترامب بمأزق عميق، تجلى في تقدم بايدن في استطلاعات الرأي بنسبة 50 إلى 41.


من المحتمل أن يفوز بايدن

 
رغم أنه من الممكن نظرياً أن يفوز ترامب ويعاد انتخابه حتى وإن خسر للصوت الشعبي، وهو الأمر الذي حققه عندما هزم هيلاري كلينتون في عام 2016، إلا أن التقارير تشير إلى تقدم بايدن في الولايات التي تعتبر معاركها الانتخابية هي الأهم، بما في ذلك ميتشغان وبنسلفانيا وويسكونسين، والتي فاز بها ترامب في انتخابات 2016 بأضيق الهوامش والتي كان لها الفضل في منحه الغلبة في الكلية الانتخابية.


باختصار، ما لم يطرأ تغير هائل على المناخ السياسي، فثمة احتمال قوي بأن يهزم بايدن ترامب بشكل حاسم في انتخابات الخريف القادم – بل وثمة فرصة جيدة أمام الديمقراطيين لانتزاع مجلس الشيوخ، مما سيمنحهم السيطرة على الفروع الثلاثة في الحكومة.


بالنسبة لمن ينتقدونه، يمثل ترامب مزيجاً فريداً من الكبر والنرجسية والقسوة وانعدام الكفاءة والطمع والعنصرية. وهو الذي أوجد حالة من الاستقطاب في الحياة السياسية الأمريكية إلى مدى غير مسبوق، ولذلك فإن كل من ارتبطوا بصعوده يواجهون احتمال أن تنتكس حظوظهم فيما لو خسر هو وحلفاؤه الجمهوريون في الانتخابات القادمة.


شهدت سنون ترامب إعادة تعيير غريبة للعلاقات الأمريكية العربية تحت مسمى "صفقة القرن". وطبقاً للأطر العامة للصفقة فإن الدول العربية، والخليجية منها بشكل خاص، تتخلى عن مقاومتها للأطماع الإسرائيلية في فلسطين مقابل الدعم الأمريكي والإسرائيلي لدول الخليج في المواجهة بينها وبين إيران.


والجانب الثانوي من العلاقات التي أعيد تغييرها يتمثل في مقاربة لا تثير من خلالها الولايات المتحدة أي أسئلة بشأن مبيعات السلاح إلى دول الخليج، مضافاً إلى ذلك غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحلفاء العرب في منطقة الخليج.


مبيعات الأسلحة

 
كان إصرار إدارة ترامب على بيع الأسلحة الهجومية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مثار جدل وخلاف خاصة وأن الكونغرس الأمريكي يعارض ذلك بسبب المعاناة الإنسانية الهائلة التي كبدها هذا البلدان للشعب اليمني منذ تدخلهما في الحرب الأهلية اليمنية بدءاً من شهر مارس / آذار 2015.


كما أن جريمة القتل البشعة التي تعرض لها الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في شهر أكتوبر / تشرين الأول من عام 2018 كشفت عن التناقضات القائمة من جهة بين مقاربة ترامب التعاملية في العلاقات الخارجية، حيث صرح بأنه ما كان ليخاطر بعقود السلاح المربحة مع السعودية من خلال الإصرار على عدالة حقيقية ومن جهة أخرى مطالب الكونغرس الأمريكي بأن تحمل المملكة العربية السعودية المسؤولية عن ذلك العمل الإجرامي السافر وتحاسب عليه.


ما لبث ترامب على استعداد لتوفير غطاء لزعماء الدول العربية في الخليج حتى ينهجوا السياسات التي يرونها ضرورية لضمان أمنهم، دون أي اعتبار لقضايا حقوق الإنسان أو الديمقراطية – طالما أنهم يمنحون إسرائيل الحرية لأن تفعل ما تشاء في فلسطين، ويستمرون في شراء كميات فلكية من الأسلحة الأمريكية، ويكونون على أهبة الاستعداد لمقاومة إيران.


رغم أنه ليس من المستبعد أن تؤيد الإدارة الديمقراطية نفس هذه السياسات، إلا أن كل ما يفعله ترامب يثير الشقاق. بالنسبة للكثير من الديمقراطيين، لا يُفهم احتضان ترامب للمستبدين العرب، مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على أنه استراتيجية حكيمة تهدف إلى خدمة مصالح الولايات المتحدة، وإنما باعتباره احتضاناً منه لمستبد آخر – رفيق درب في المجتمع الدولي يتصرف على نحو يتحدى من خلال، وبشكل صارخ، القانون الدولي.


باختصار، حتى في الوقت الذي يعتبر زعماء دول الخليج ترامب حليفاً قيماً لهم داخل البيت الأبيض – سواء فيما يتعلق بمواجهتهم الخارجية مع إيران أو فيما يتعلق بمواجهاتهم الداخلية مع الإصلاحيين في البلاد – يبدو أنهم لم يدركوا إلى أي مدى يعتبرهم الأمريكان من أولياء ترامب الذين لا يرجى منهم خير، الأمر الذي يجعلهم منبوذين في أعين من يمقتون ترامب، والذين يزيد عددهم عن نصف الشعب الأمريكي.


إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الخليجية


هناك احتمال قوي أنه فيما لو تحقق للديمقراطيين انتصار كاسح الخريف القادم، فإن إدارة بايدن وزعماء الكونغرس الديمقراطيين سيسعون لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية الخليجية بالكامل.


ولن تتكبد الولايات المتحدة تكلفة باهظة على المستوى الدولي إذا ما قررت اتخاذ مواقف متشددة ضد هذه الأنظمة، وفي نفس الوقت سوف يلقى ذلك ترحيب الجماهير داخل الولايات المتحدة نفسها. سوف يكون الائتلاف الذي سيخلف ترامب متعدد الأعراق والأديان ويشمل الطبقة العاملة، وسيكون منسجماً مع مسائل الدخل وانعدام المساواة في الثروة، واحترام حقوق الإنسان.


سوف لن تتعاطف الجماهير كثيراً مع دول الخليج في ضوء ما لديها من ثروات واسعة (لا تستحقها)، وانعدام المساواة بشكل فاحش في الدخل والثروة في تلك الدول، وازدراء تلك الدول لحقوق الإنسان والديمقراطية. ولذلك، قد تتحول هذه الدول بسهولة إلى ما يشبه أكياس الملاكمة تنهال عليها ضربات إدارة بايدن الجديدة.


على الرغم من أن بيرني ساندرز لم يفز بتشريح الديمقراطيين إلا أنه مازال يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط قواعد الحزب، وما من شك في أن تلك القواعد تتحرك أكثر فأكثر باتجاه اعتناق الأفكار التي يدعو إليها، ومن ذلك على سبيل المثال تنديداته العلنية بالمملكة العربية السعودية. ولربما غدت تلك التنديدات ممثلة لآراء الغالبية العظمى من مصوتي ونشطاء الحزب الديمقراطي.


وحيث أن احتياج الاقتصاد العالمي للنفط الخليجي يتراجع بالتزامن مع الارتفاع الحاصل في تقنيات الطاقة البديلة واكتشاف حقول نفط جديدة ضخمة في أمريكا الشمالية، فقد تراجعت الأهمية العالمية للخليج ولسوف تستمر في التراجع. وكان انهيار أسعار النفط بعد تفشى وباء كوفيد-19 قد سرع من هذا التوجه.


وبسبب الطبيعة الهشة لأنظمة الخليج فقد دفعها ذلك للاعتماد أكثر فأكثر على الدعم الخارجي من أجل البقاء. إلا أن الأمريكيين باتوا، وبشكل متزايد، غير مستعدين لتوفير هذا الدعم، وخاصة إذا كان ذلك يعني المخاطرة بتكبد خسائر كبيرة كما قد يحدث فيما لنشبت حرب جديدة مع إيران.


أسئلة وجودية

 
سوف يتحقق ذلك بشكل خاص إذا ما هزم بايدن ترامب ورأى الشعب الأمريكي دول الخليج فقط من خلال عدسة علاقاتهم السابقة مع رئيس مستقبح وفاشل. وفي نفس الوقت، من غير المحتمل أن تتمكن قوى أخرى، مثل روسيا أو الصين، من أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن لأمن الدول الخليجية.


تواجه دول الخليج، وبشكل متزايد، أسئلة وجودية: بإمكانهم إما أن يسعوا إلى تعزيز أمنهم من خلال إعادة بناء دولهم على أسس ديمقراطية، والسعي لتحقيق السلام الإقليمي والتكامل والتنمية – وهو الأمر الذي يتطلب إعادة توزيع جذرية (ولكن أكثر عدلاً) للسلطة السياسية والموارد الاقتصادية – أو بإمكانهم أن يحتضنوا إسرائيل على المكشوف ويتحولوا إلى دول عميلة.


وإذا ما رفضوا القيام بإصلاحات سياسية أساسية، سواء على المستوى المحلي أو على مستوى ما يمارسونه من سياسات إقليمية، فسيجدون أن إسرائيل، التي لها مصلحة أساسية في الإبقاء على الفوضى في المنطقة العربية، هي الدولة الوحيدة التي بإمكانهم الاعتماد عليها لضمان استمرار الأمر الواقع.


إلا أن احتضان إسرائيل، على الرغم من المحاولات الواضحة، وبشكل متزايد، لتمهيد الأرضية لتطبيع العلاقات معها، تحمل مخاطر جمة لدول الخليج، وخاصة بينما تمضي إسرائيل قدماً في عملية ضم الأراضي وشرعنة نظام الأبارتيد (الفصل العنصري). وفي نهاية المطاف، فإن دول الخليج التي راهنت كثيراً جداً على ترامب، من غير المحتمل أن ترى مردوداً كبيراً قبل نهاية فترته الرئاسية الأولى – ومن المفارقة أنها توشك الآن أن تكون من أكبر الخاسرين إذا ما تمخضت انتخابات الخريف عن خسارة حاسمة له وللجمهوريين.