كتاب عربي 21

كيف ستواجه تركيا التدخل المصري في ليبيا؟

1300x600
وافق البرلمان المصري، الاثنين، على تفويض الرئيس الانقلابي عبد الفتاح السيسي، بإرسال قوات من الجيش المصري في مهام قتالية بالخارج، "للدفاع عن الأمن القومي المصري"، في الوقت الذي يقترب فيه موعد العملية العسكرية التي من المتوقع أن تطلقها حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، لتحرير مدينتي سرت والجفرة من قبضة قوات حفتر ومرتزقته.

هذه الخطوة المصرية، في نظر محللين، عززت احتمال الاصطدام بين الجيشين التركي والمصري في ليبيا، وكثرت الأسئلة والتكهنات حول السيناريوهات المحتملة، في حال قام الجيش المصري بالتدخل في ليبيا، وبدأ كثير من المتابعين لتطورات المنطقة يتساءلون: ماذا سيكون رد تركيا على هذا التدخل الذي يستهدف تواجدها العسكري في ليبيا كما يستهدف حليفها في طرابلس؟

الجيش المصري إن دخل الأراضي الليبية لدعم قوات حفتر فلن تكون الأزمة بين مصر وتركيا، بل بين مصر وليبيا. وبعبارة أخرى، لن تكون المواجهة عربية- تركية، بل عربية- عربية، بين قوات دخلت لدعم الانقلابيين والمرتزقة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، وأخرى شرعية تابعة لحكومة تمثل الشعب الليبي ومعترف بها دوليا، ولن يجد الجنود المصريون أمامهم جنود الجيش التركي، بل سيواجههم أبناء ليبيا من أحفاد عمر المختار.

تركيا لا ترغب في المواجهة المباشرة مع مصر، ولا مع أي من الدول الإسلامية، مهما كانت الخلافات بينها وبين تلك الدولة، وترى أن هذا النوع من المواجهة يستنزف الطرفين ويخدم القوى الخارجية. كما أن الجيش المصري، هو في النهاية جيش الشعب المصري، وإن كان اليوم قد تحوَّل أداة بيد الانقلابيين الذين لا يمثلون إرادة الشعب، إلا أن قدرات هذا الجيش قد تكون غدا تابعة لحكومة ديمقراطية منتخبة لتخدم مصالح مصر والأمة الإسلامية. إلا أن تركيا، في ذات الوقت، لن تتردد بالتأكيد في الرد على أي هجوم يستهدف قواتها في ليبيا مباشرة.

هناك ثوابت لدى أنقرة، لا يمكن أن تتخلى عنها، كضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية والتصدي لمشاريع التقسيم. ومن المؤكد أنها ستدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية بكل ما تملك من قوة عسكرية وتقنية، من خلال تزويدها بالأسلحة والمعدات وبرامج التدريب وإرسال الخبراء، في إطار الاتفاقيات الثنائية والمصالح المشتركة، بالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها من أجل دعم طرابلس.

التدخل العسكري المصري في ليبيا سيكون غير شرعي، مهما ادَّعى السيسي وأعوانه خلاف ذلك، كما أنه ضد إرادة الشعب الليبي. وهذا أحد أسباب تخبط القاهرة التي قالت أولا إنها مستعدة لتسليح القبائل الليبية وتدريبها، ثم تراجعت عن لغة التهديد هذه، بعد الردود والانتقادات التي جاءت من المجتمع الدولي وجيران ليبيا؛ لأن صوملة ليبيا لن تهدد جميع الدول المجاورة لليبيا فحسب، بل ستشكل تهديدا كبيرا لأمن أوروبا، وأمن مصر نفسها.

لا ينتظر أحد من تركيا أن تنجر إلى مغامرة غير محسوبة، لأنها دولة يقودها رئيس مدني منتخب ديمقراطيا يتمتع بخبرة طويلة في حكم البلاد، بخلاف مصر التي يحكمها جنرال انقلابي يفتقر إلى أدنى مستوى من الخبرة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، بل وتحاصره مجموعة من السفهاء والأمراء المغامرين، ويقود بلاده من فشل إلى آخر. كما أن أردوغان يقرأ التوازنات الدولية والإقليمية بدقة، ويستغلها بنجاح لصالح تركيا. ومن المؤكد أنه لن يجد صعوبة في قلب الطاولة على السيسي إن تدخل الجيش المصري في ليبيا.

قد يذهب السيسي إلى ليبيا، أملا في مواجهة الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني، إلا أنه يمكن أن يتفاجأ بمحاصرة نظامه الانقلابي من قبل دول أوروبية وعربية وحتى أفريقية. ولعل القاهرة تراقب تحركات الدبلوماسية التركية، واللقاء الثلاثي الذي جمع قبل أيام وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ووزير الدفاع القطري خالد العطية، ووزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، واجتماع هذا الأخير في العاصمة التركية مع آكار ووزير داخلية مالطا بويرون كاميلاري، بالإضافة إلى زيارة مولاتو تيشومي فيرتو، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لأنقرة، والجولة الأفريقية التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو.

المقارنة بين أعداد السفن والطائرات والدبابات التي يملكها كل من الجيش التركي والجيش المصري لاستشراف نتائج التدخل المصري العسكري في ليبيا؛ قد تكون مضللة، إن لم تؤخذ القدرة على استخدام تلك القوة العسكرية والمناورات السياسية والدبلوماسية بالحسبان. وإن وضعت كل هذه المعطيات في الميزان، فإن كفة تركيا سترجح بفارق لا يخفى على أحد.

twitter.com/ismail_yasa