قضايا وآراء

كيف تدير الأحزاب اقتصاد العراق؟

1300x600
يكابد العراق أزمة اقتصادية خانقة، وتداعيات صادمة، تقف عاجزة عن معالجتها حكومته التي أكدت (على لسان رئيسها مصطفى الكاظمي) أنها تسلمت "ميزانية خاوية"، ولا سيما بعد انهيار أسعار النفط الخام الذي أرهق تلك الميزانية المتهالكة أصلا؛ بانخفاض عائدات الدولة إلى النصف، ناهيك عن الفساد الكبير الذي ينخر في عظم خزينة الدولة.

الآثار الصادمة التي خلّفتها الأزمة الاقتصادية في العراق جاءت سريعة، إذ ارتفعت نسبة الفقر من 22 في المئة إلى 34 في المئة، وكان أهم أسبابها سوء الإدارة المالية والاقتصادية، والسياسة غير الرشيدة لأموال البلاد.

أكثر من أربعة ملايين موظف، ومعهم من يتقاضون رواتب ومعاشات تقاعدية، بلغ مجموع ما يتطلب الإيفاء به شهريا ما بين أربعة وخمسة مليارات دولار! فاتورة باهظة أثقلت كاهل الدولة التي تعتمد في دفع نفقاتها على الذهب الأسود الذي بارت تجارته عالميا.. مخرجات سياسة تبعية عوّقت نمو القطاعات الأخرى.

أرست الأحزاب الحاكمة منذ 17 عاما نظاما اقتصاديا يترنّح بين الفساد والمحسوبيات، فنهشت جسد الدولة الذي كان غضّا، حتى تركته كالرميم، وآلت بالعراق إلى وضعه في صدر قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، وتبخرت بفعل الأحزاب المتنفذة أكثر من 450 مليار دولار.

 حلول الحكومة وخياراتها في التغلب على الأزمة الاقتصادية دائما ما ترسو بها على مرفأ الابتعاد الجزئي عن اعتماد العراق على النفط، واللجوء بشكل تدريجي ومدروس إلى الصناعة والزراعة، والتشجيع على الصناعة المحلية وعدم الاعتماد على المستورد الذي يسود السوق المحلية. وعلى الرغم من أن الحكومة أشارت في مناسبات عديدة إلى تلك الخيارات، فإنّ حقيقة الأمر أنها تصطدم بشكل غير مباشر مع مصالح الأحزاب التي تهيمن على المنافذ الحدودية وقطاعات حيوية أخرى.

الأحزاب السياسية هي من يمتلك مفاتح الاقتصاد، وليست الدولة، وهي التي تسير الاقتصاد العراقي وليس غيرها، وعادة ما تجيَّر موارد البلد لصالحها على حساب أفراد المجتمع، عبر الهيمنة على الإيرادات.

تمتلك تلك الأحزاب مكاتب اقتصادية تدير الشؤون المالية والتجارية لكل حزب، وتمارس أيضا ابتزازا على رجال الأعمال وأصحاب الشركات، وكل حزب يسيطر على وزارة أو منصب رفيع، ومن خلاله توظف هذه المكاتب الوزارات والجهات الحكومية لصالحها بتواطؤ السلطات العراقية، وبالتالي توجيه الأموال إلى خزائنها الفائضة.

تلك الأحزاب تسنّ وتشرع القوانين خدمة لمصالحها ومكاتبها الاقتصادية، وتتقاسم النفوذ في المنافذ الحدودية والموانئ، وكل بحسب جغرافية نفوذه، وتطفو خلافات بينها، لكن بالتأكيد ليس على المبدأ، بل على حصص كل حزب.. وبمرور الوقت صار هذا النظام واقعا فرض على الدولة ورجال الأعمال والمستثمرين شروطا للدخول في هذه اللعبة التي تقوم على إبرام الصفقات، وغالبا ما تعمل مع خصومها في تحالفات مؤقتة، على أسس مصلحة كل طرف.

غياب الأمن وسلطة الدولة والقوانين، جعل العراق بيئة طاردة للاستثمار في قطاعات مختلفة، وبيئة غير آمنة، حيث تشير تقارير دولية إلى أن الاقتصاد العراقي سيواجه تقلصا بنسبة 10 في المئة خلال العام الحالي، كنتيجة طبيعية لتلك العوامل.

وعلى الرغم من أنها حاجة أصبحت أكثر إلحاحا مع الانهيار الوشيك للاقتصاد، يبدو الحديث عن إصلاحات حكومية في ظل السياسة المالية والاقتصادية المتبعة، مادة للاستهلاك الإعلامي، وكلاما لا يكاد يتجاوز تأثيره الاجتماعات الحكومية فحسب.