قضايا وآراء

قضم السيادة وضم الوطن!

1300x600
على بعد يوم من التاريخ الذي أعلنه نتنياهو لضم (قضم) أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، يأتي هذا المقال ليحلل النقاش حول الضم "والاختلاف الإسرائيلي" حوله.

هذا الضم هو ضم مناطق فلسطينية إضافية "للشرعية السياسية" لدولة اسمها إسرائيل، وهو بالضرورة ضم لجزء آخر من باقي "الوطن" الفلسطيني الذي احتل عام 67 للذي احتل عام 48 في "تجميع" للوحدات الجغرافية الفلسطينية في كيان واحد، في هذه الحالة تحت اسم إسرائيل وليس فلسطين. وأقصد بهذه الفكرة أن فكرة الضم تؤصل وتشير إلى أن فلسطين كوحدة جغرافية واحدة من النهر للبحر، والتي ما عادت تطالب بها القيادة الفلسطينية في رام الله، باتت وحدة في طريقها للتحقق ولكن تحت السيادة الإسرائيلية، في نكران لأي اعتراف بكيان فلسطيني ولو كان مجزوءا ومبتورا، وفي أجزاء متفرقة قليلة من فلسطين التاريخية.

وهذا ما يجب أن يُدلل للقيادة الفلسطينية أن وحدة الأرض الفلسطينية الجغرافية هي محط أنظار الإسرائيليين، وأن أي تنازل فلسطيني يقابله تغوّل إسرائيل ويستغل لخطوات أكثر عدوانية واحتلالية مع انكفاء فلسطيني آن له أن يتوقف.. بل ليكون هذا الضم فرصة لإعادة موضعة القضية الفلسطينية كياناً وشعباً وأرضاً في سياقٍ واحد، مع استحالة وعدم واقعية الحلول الأخرى.

بالعودة لخطوة الضم، فإن صراع السياسيين الإسرائيليين ليس على الضم من عدمه، بل على حدوده، وتوقيته، وتأثيراته الأمنية، وارتباطه السياسي بالساحة الدولية والإقليمية.

ولتفصيل أكثر، فإن حدود الضم التي يتصارع عليها نتنياهو وغانتس هي على المساحة الممكنة في هذه المرحلة، فهل يكون الضم لمجمل الـ30 في المئة من أراضي الضفة الغربية التي قال بها ترامب؛ أم لجزءٍ منها؟ وهل الأغوار ستكون جزءاً من هذا الضم أم لا؟

وهنا أعتقد أن التوجه الإسرائيلي سيكون لتطبيق الضم على مراحل، وسيشمل في البداية المناطق التي سيكون الصراع حولها أقل حدة، وهي بالأساس للمجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، فيما ستكون هناك محاولة للجرأة وإرضاء للمستوطنين بضم بعض المناطق الاستيطانية النائية في محاولة لتثبيت الضم عليها. أما الاحتمال الأخير فهو أن يكون "إعلان ضم" لا يترجم لخطوات فورية على الأرض، خصوصاً في المناطق التي يقطنها فلسطينيون، في مجمل الأراضي المنوي ضمها.

في جزئية التوقيت، يبدو أن النقاش حول الجداول الزمنية ضمن الظروف الدولية والإقليمية، وهو نقاش مهم، فالإدارة الأمريكية تدعم المؤسسة الإسرائيلية، وقرب أمريكا من انتخابات لا يمكن التنبؤ بنتائجها سيجبر الإسرائيليين على محاولة كسب وقت هذه الإدارة في الحكم وتعجيل الضم، على أن يكون ذلك ملائماً لظروف إقليمية ودولية أخرى. كما أن الضم والدعم الأمريكي له، يمكن أن يفيد ترامب في سعيه لكسب أصوات المسيحيين الإنجيليين واللوبي الصهيوني في معركته للعودة للبيت الأبيض في تشرين الثاني/ نوفمبر القريب.

في سياق تأثيرات الضم الأمنية، فيبدو أن النقاش السياسي الإسرائيلي يتمحور حول ذلك، إلى جانب البعد السياسي والعلاقات مع المجتمع الدولي. وهنا يرى غانتس أن تأثيرات الضم الأمنية على إسرائيل يمكن أن تكون سيئة بشكل من شأنه أن يثير بعض التحركات في الضفة الغربية، وهي من شأنها أن تعيد إسرائيل إلى مربع مجابهة مقاومة فلسطينية. ولكن لنكن واقعيين، الوضع الفلسطيني في حالة ترهل، والقيادة الفلسطينية في رام الله مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني جعلا الفلسطينيين منغمسين في الحياة اليومية وخاضعين للسلطة التي لا تريد أي عمل مقاوم خوفاً على مكانتها ووجودها السياسي "وشرعيتها" الدولية، مع أن خطوة الضم تقضي على مستقبل أي كيان فلسطيني على أساس حل الدولتين، مما يجعل على السلطة الفلسطينية إعادة حساباتها في سياق الصراع مع إسرائيل ودورها "كوكيل" أمني لها في الضفة الغربية، ورمي مفاتيح هذه السلطة الوهمية وإعادة موضعة الصراع، وهذا تحد مهم لها.. ولكن كما يبدو فإنه ليس بالسهل أن تتقدم وتشارك به!

أخيراً، في سياق البعد السياسي والعلاقات الدولية، فيبدو أن خطوة الضم تجعل غانتس ونتنياهو يفكران مليّا في شكل الخطوة، مع التأكيد على أن خلافهما حول الخطة ليس إلّا لما يراه كل منهما لمصلحة إسرائيل والمستقبل السياسي لكلٍ منهما، مع موافقة كليهما على الضم من حيث المبدأ. بل حتى أن غانتس قال في تصريح قبل أيام إنه يرى الضم في سياق حوار لدفع خطة ترامب، مع إيمانه بقيام "كيانين سياسيين" بجانب بعضهما البعض، مع اقتصاد مشترك، وتفوق أمني إسرائيلي واضح، وسيطرة إسرائيلية في غور الأردن والقدس الموحدة والكتل الاستيطانية، من دون ترحيل للعرب أو اليهود، ومن دون إعطاء أراضٍ للفلسطينيين في النقب (إلى هنا أقوال غانتس).

وكان نتنياهو هو الآخر قد التزم للمستوطنين بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية. وبالتالي يمكن رؤية أن غانتس يميني بمواقفه كما نتنياهو بل وزيادة، وبالتالي معارضته أو قُل تحفظاته على خطوات نتنياهو ليست نابعة من أيديولوجية، بل من تقديره لأمن إسرائيل ضمن واقع دولي وإقليمي وفلسطيني، وكذلك وفقاً لحساباته ومستقبلة السياسي في سياق صراعه على السلطة في إسرائيل.

بالعودة للجانب السياسي والعلاقات الدولية، فإن المعارضة الأوربية والموقف الأردني هما عاملان مهمان في حسابات إسرائيل، ويبدو أن غانتس يوليهما اهتماماً أكبر من نتنياهو الذي يعتمد بالأساس على الموقف الأمريكي الداعم والذي يُريد تثبيت خطوات على الأرض واستغلال خطة ترامب، ويحاول تهدئة الأسرة الدولية ولكن من دون خطوات جدية، لأنه يؤمن بأن ذلك الضغط الدولي سيكون مؤقتاً، فيما الموقف الأمريكي يبدو مُحركا لمواقف كليهما.

بالمحصلة، فإن الرؤية الأيديولوجية والسياسية للضم والتي يبدو أن الطيف السياسي الحاكم في إسرائيل مؤمن بها، بل ويدعمها بادعاءات دينية متجاوزة لأي قانون دولي وحق تاريخي وديني مناصر للفلسطينيين، ستكون وستحدث، وإن كانت على مراحل ما دام الموقف الأمريكي الداعم قائماً، وهو سيكون حجر الزاوية فيها، وما دام الموقف الفلسطيني ضعيفاً ولا يشكل تحدياً واضحاً لإسرائيل، وكذلك الأمر الموقف الاردني والدولي. والواقع حتى الآن يُظهر أن الفلسطينيين، وأقصد هنا القيادة الفلسطينية في رام الله، أسيرة لخطوات محدودة لخوفها على سلطة وهمية تُديرها، وقناعتها بحل الدولتين الذي يبدو أن الواقع على الأرض يُكذّبه، وما كان ليكون الضم إلّا ليؤكد على وحدانية أرض فلسطين التاريخية، فهو إن كان قضماً لسيادة وهمية فهو ضم لأرض واحدة ولكن بسيادة غريبة يجب أن تُجابه!