حقوق وحريات

حكم "كارثي" يقنن فصل عمال مصر ويصم احتجاجاتهم بـ"الخيانة"

محكمة النقض قضت بأن "التجمهر" بأماكن العمل يعد جريمة مخلّة بالشرف وأن أي موظف يدان بهذه التهمة يتم فصله من عمله- مواقع التواصل

تسبب حكم قضائي صادر من أعلى محكمة مصرية في صدمة كبيرة بالأوساط العمالية، والنقابية، والمعارضة المصرية.

وفي حكم لها الثلاثاء، أكدت محكمة النقض المصرية أن "التجمهر" بأماكن العمل يعد جريمة مخلّة بالشرف، وللقضاء الحق في فصل من يقوم به، وأن أي موظف يدان بهذه التهمة، يتم فصله من عمله؛ لتشوه سمعته جراء الجريمة التي ارتكبها.

الحالة التي أسست لها محكمة النقض جاءت في اتهام أحد العاملين بشركة "الإسكندرية للبترول" بالتجمهر، واستعراض القوة عام 2014، حيث تم فصله من عمله، ورأت المحكمة أن ما نسب لهذا الموظف يعد خيانة للوطن وجريمة مخلة بالشرف.

والمثير أن الموظف كان قد حصل على البراءة من التهم المنسوبة إليه، وطالب بالتعويض المالي عام 2017، إلا أن محكمة النقض فاجأت الجميع برفض دعوى تعويضه واعتبار فعله خيانة وجريمة.

ويرى حقوقيون وقيادات عمالية تحدثوا لـ"عربي21"، أن المحكمة أسست لحكم كارثي بقول رئيس المحكمة المستشار عاطف الأعصر، إنه لصاحب العمل أن يوقف العامل الذي يُحبس احتياطيا، كما أن له إنهاء خدمته إذا حُكم عليه بعقوبة جناية، أو إذا حُكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.

ويأتي الحكم في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية وصحية صعبة يعيشها عمال مصر، مع فقدان الكثيرين منهم لأعمالهم مؤخرا في ظل انتشار جائحة كورونا.

وعلى مدار 6 سنوات هي عمر حكم السيسي رسميا وإثر 7 سنوات من انقلابه على أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا محمد مرسي، منتصف 2013، تمكن رئيس سلطة الانقلاب من السيطرة على مؤسسات القضاء المصري كاملة.

ومنحت التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في نيسان/ أبريل 2019، السيسي، سلطة اختيار رؤساء الهيئات والجهات القضائية، وأصبح من حقه، تعيين رؤساء الجهات القضائية بتغيير المادة (185)، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية بتغيير المادة (193)، وحق تعيين النائب العام بتغيير المادة (189)، وتقليص دور مجلس الدولة في مراجعة القوانين بتغيير المادة (190).

"حكم بالأهواء"

وحول مدى مخالفة حكم محكمة النقض للدستور والقانون، استغرب القاضي المصري السابق المستشار أحمد ضياء الدين، الحكم بقوله إن "محكمة النقض تؤيد حكما صدر من المحكمة الجنائية أو المدنية برفض الطعن بالنقض، فهي ليست محكمة وقائع وإنما محكمة قانون تبحث في صحة تطبيق القانون فقط؛ إلا في الطعن الثاني بالنقض.

المحامي الحالي بالنقض، أضاف لـ"عربي21"، أننا "ببلد ليس بها قضاء أو قانون يطبق"، مؤكدا أن الخلل واضح جدا في حكم محكمة النقض لمخالفته القانون ولذا فهو حكم باطل".

 

اقرأ أيضا: سنوات السيسي.. الاقتصاد من وعود بالانتعاش إلى "الإنعاش"

وأشار لاعتقاده بأن "هذا الموظف تقريبا من جماعة الإخوان المسلمين"، واصفا الأمر بأنه "حكم بالأهواء".

"رسالة قاسية"

من جانبه، قال السياسي والبرلماني المصري طارق مرسي: "قبل أن أتناول أزمات العامل المصري وحقوقه ونكباته في هذه الفترة الكارثية المأزومة في تاريخ مصر، أود أولا أن أنعي إلى الشعب المصري مؤسسات الوطن، بل أنعي الوطن ذاته الذي بات بحكم القضاء يضيق باعتراض العامل ورفضه للظلم الواقع عليه".

عضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري سابقا، أضاف لـ"عربي21": "لقد تلبس الوطن بشخص الحاكم حتى اُختزلت مصر كلها بشخص السيسي، وأصبح أعلى من أي هيئة قضائية".

وحول ما يؤسسه هذا الحكم من حقبة لا يمكن لعامل أن يقف مطالبا بأي من حقوقه القانونية، أكد أننا "أمام سقطة كارثية وأخلاقية في حق الوطن والشعب والدستور والقانون، سقطة يتم فيه تدجين الوطن ووأد كرامة أبنائه حتى يُحرموا من حق الاعتراض، وبالقانون، بل وأصبح هذا الحق جريمة مخلة بالشرف".

وتابع القيادي العمالي السابق، إننا "أمام سقطة يصبح فيها الرأي والاعتراض جريمة، ويفرض على المصريين الخنوع والجبن والانبطاح للسلطة ولكل صاحب قوة أو مصلحة، وهذا هو الشرف في تعريف محكمة النقض بزمن السيسي".

وعن مدى مخالفة هذا الحكم الدستور والقانون الذي كفل حق التظاهر السلمي، جزم بأن "هذا الحكم يعد سابقة لا تأخذنا فقط للقرون الوسطى ومحاكم التفتيش بل تردنا إلى حكم فرعون وهامان وربما ما هو أسوأ وأرذل؛ بل إنه العصف التام بحقوق العمال بل بحقوق الإنسان في مصر".

وبشأن مستقبل الاحتجاجات العمالية في ظل الحكم الجديد، أكد مرسي، أنه "رسالة تاريخية قاسية ترسلها المحكمة للمواطن المصري أنك لا مجال لك للرأي أو الاعتراض فإن كان لابد فليس لك إلا الانتحار والانسحاب من الحياة".

"نهاية قضاء مصر"

وعلق الأكاديمي المصري الدكتور نادر فرجاني، على الحكم بقوله عبر "فيسبوك": "أنعي لكم مقتل القضاء بيد الحكم العسكري في مصر المحتلة بعسكر الهوان، نهاية قضاء مصر الذي كان شامخا بحق في عصور مضت".

وأشار إلى أن "محكمة النقض التي خربتها العصابة قضت، بالمخالفة الصارخة لأصول الدستور والقانون، بأن فعل التظاهر يخل بالشرف ويوجب الفصل من العمل".

وأضاف: "لمن لا يعلم، قبل حكم العسكر، كان القضاء في أوربا يعتمد أحكام النقض المصرية في تسبيب الأحكام".