كتاب عربي 21

الإسلاميون والمسألة الاقتصادية: أين المشروع البديل عن الاشتراكية والرأسمالية؟

1300x600

كلما حصلت أزمة كونية جديدة يستعيد الإسلاميون (علماء وحركات إسلامية ومراكز أبحاث ودراسات) مقولة: إن ما يجري يؤكد أن لا خلاص للكون الا بالعودة للمشروع الإسلامي، وأنه بعد سقوط الشيوعية والاشتراكية آن الأوان لسقوط الرأسمالية، وأن البديل الإسلامي هو الخيار الوحيد اقتصاديا وأخلاقيا وبيئيا وسياسيا.

واليوم وفي ظل الأزمة التي يعانيها العالم من جرّاء تداعيات انتشار فيروس كورونا، استعاد يعض الدعاة والمفكرين المسلمين وقادة الحركات الإسلامية مقولة العودة للمشروع الإسلامي، كبديل عن الأنظمة القائمة، وأن فشل النيوليبرالية الجديدة والأنظمة الرأسمالية في معالجة تداعيات هذه الأزمة سيمهّد الطريق مجددا للعودة للخيار الإسلامي، بحثا عن علاج لهذه الأزمات، مع أن هناك من يعتبر أن ما جرى قد يعيد الاعتبار للاشتراكية والماركسية ودولة الرعاية الكينزية على حساب النيوليبرالية الجديدة والتوحش الرأسمالي، والذي ساد العديد من الدول في العقود الأخيرة.

 

في ظل الأزمة التي يعانيها العالم من جرّاء تداعيات انتشار فيروس كورونا، استعاد يعض الدعاة والمفكرين المسلمين وقادة الحركات الإسلامية مقولة العودة للمشروع الإسلامي، كبديل عن الأنظمة القائمة

فهل حقا يملك الإسلاميون مشروعا اقتصاديا بديلا؟ وأين أصبحت المشاريع والأفكار والتجارب الإسلامية التي طرحت في الخمسين سنة الماضية كبديل عن الاشتراكية والرأسمالية؟ وهل حققت هذه التجارب والنماذج الإسلامية النجاح المطلوب؟

قد يكون من أوائل من طرحوا مشروعا اقتصاديا إسلاميا نظريا كبديل عن الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، هو المفكر الإسلامي المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر، من خلال كتابه الشهير "اقتصادنا"، ومشروعه الآخر "البنك اللاربوي"، وذلك كرد على التجارب الرأسمالية والاشتراكية. وكان يمكن أن تبقى هذه الأفكار نظرية لولا انتصار الثورة الإسلامية في إيران والصحوة الإسلامية التي حصلت في ثمانينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى انتعاش المشروع الإسلامي. وكان يفترض بالجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تتبنى هذه الأفكار وتحولها إلى واقع عملي.

وفي المقابل، بدأت تبرز تجارب إسلامية أخرى في عدد من الدول العربية والإسلامية، عبر شركات الاستثمار الإسلامية والبنوك الإسلامية اللاربوية، والتي حاولت أن تقدم البديل عن التجارب الرأسمالية والبنوك الربوية وتؤمن الاستثمار للأموال الإسلامية في مشاريع منتجة في كافة المجالات. وقد شهدت مصر وعدد من دول الخليج العربي تجارب مهمة في هذا المجال، نظرا لتوفر السيولة المالية وانتشار الجماعات الإسلامية وتوسع دائرة التدين الشعبي، ورغبة الناس في الابتعاد عن البنوك الربوية المرفوضة إسلاميا.

وتوسعت تلك التجارب في شرقي آسيا، وخصوصا في ماليزيا وباكستان وأفغانستان، وكان هناك تجربة مهمة من خلال بنك الفقراء الذي أسسه محمد يونس في بنغلاديش، وإن كان لم ينطلق من رؤية إسلامية فكرية، لكنه يتلاقى مع الأفكار الإسلامية في مساعدة الفقراء وتقديم القروض الصغيرة لهم لإقامة مشاريعهم الخاصة.

كما برزت بعض المحاولات في عدد من الدول العربية والإسلامية عبر إقامة مؤسسات مالية صغيرة للإقراض أو لتشغيل أموال الناس بعيدا عن الربا والفوائد التقليدية، ولبنان من ضمن هذه الدول.

وأما على صعيد الجمهورية الإسلامية، فإنها لم تقدم تجربة متكاملة على صعيد الاقتصاد الإسلامي، ولا تزال البنوك الربوية في إيران تلعب دورا مهما في الواقع الاقتصادي. وفي تركيا ورغم وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منذ عشرين سنة تقريبا، فإنها لم تقدم تجربة اقتصادية إسلامية خاصة، رغم نجاحات الإسلاميين وفي مقدمهم الرئيس رجب طيب أردوغان في إدارة البلديات وتحقيق تقدم اقتصادي كبير لتركيا خلال هذه الفترة، وهو ما ساعد حزب العدالة والتنمية للبقاء في الحكم حتى الآن.

وفي ماليزيا حاول مهاتير محمد القيام بتجارب إسلامية للتنمية وتحسين الوضع الاقتصادي ومواجهة الفساد، لكن بقي كل ذلك ضمن إطار النظام الرأسمالي. وجرت محاولة منذ عدة أشهر لجمع عدد من الدول الإسلامية لتقديم مشروع إسلامي متكامل يواجه الهيمنة الرأسمالية والأمريكية، وعقدت هذه القمة في ماليزيا. كما كان للزعيم التركي نجم الدين أربكان قبل ثلاثين سنة محاولة لجمع عدد من الدول الإسلامية في إطار مشروع اقتصادي وتنموي، لكنه لم ينجح.

وأما في العراق (البلد الذي نشأ فيه الشهيد محمد باقر الصدر)، ورغم وصول حزب الدعوة الإسلامية وحركات إسلامية أخرى إلى الحكم، فلم نلحظ وجود أي أثر لأفكار الصدر والمشروع الاقتصادي الإسلامي، بل إن هذه التجربة كانت مليئة بالفساد وغياب التنمية الحقيقية والفشل في الحكم.

 

معظم التجارب الإسلامية الاقتصادية والتنموية لم تحقق الأهداف المطلوبة، وبقيت معظمها خاضعة لتأثيرات النظام الرأسمالي والسيطرة الأمريكية على الإدارة المالية العالمية ودور الدولار الأمريكي والمنظومة المالية العالمية

وفي لبنان وفلسطين، ورغم الدور الكبير لقوى المقاومة (حزب الله وحركة حماس) في مواجهة الاحتلال وتحرير الأرض ووصولها إلى مواقع مهمة في السلطة، فإننا لم نلحظ الاهتمام الكافي بالاقتصاد أو تقديم مشروع إسلامي حقيقي لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية.

وبالإجمال، فإن معظم التجارب الإسلامية الاقتصادية والتنموية لم تحقق الأهداف المطلوبة، وبقيت معظمها خاضعة لتأثيرات النظام الرأسمالي والسيطرة الأمريكية على الإدارة المالية العالمية ودور الدولار الأمريكي والمنظومة المالية العالمية، طبعا مع نجاحات محدودة في بعض التجارب. وأما شركات الاستثمار المالية الإسلامية، فلم نعد نسمع عنها شيئا وبعضها فشل فشلا ذريعا وأدى لخسارات كبيرة.

وبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، طلب المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله من مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر والتي كان يشرف عليها؛ أن تعقد مؤتمرا خاصا لتقييم تجربة البنوك الإسلامية وإمكانية تقديم البديل الإسلامي عن النظام الرأسمالي، وعقد المؤتمر وقدّمت فيه دراسات مهمة، وجرى تسليط الضوء على بعض النجاحات التي حققتها البنوك الإسلامية، لكن رغم ذلك لم يكن بالإمكان تقديم البديل الكامل عن المنظومة الرأسمالية والاشتراكية.

فهل ينجح الإسلاميون اليوم بإعادة تقديم هذا البديل؟ أم أن هناك مشكلة بنيوية في المشروع الإسلامي تمنع ذلك، مع فقدان الدولة المركزية القوية وغياب التعاون الإسلامي الكبير والغرق في الصراعات الفكرية والمذهبية والسياسية؟ ولماذا فشلت دول كبرى كإيران وتركيا وماليزيا والسعودية وباكستان والسودان في تقديم النموذج الاقتصادي الكامل، وبقيت معظمها مرتبطة بالنظام المالي العالمي؟

كلها أسئلة تستحق البحث والتفكير في هذه المرحلة، وهناك حاجة لمراجعة كل هذه التجارب الإسلامية لتحديد أين مكامن الخلل وكيفية الاستفادة من الفرصة العالمية الجديدة لإعادة الاهتمام بالنموذج الإسلامي في كل المجالات.

 

twitter.com/KassirKassem