سياسة دولية

ما مصير مفاوضات بريكست في ظل كورونا؟

هل يتوصل الجانبان لاتفاق في اللحظة الأخيرة؟- جيتي

بينما تتركز الجهود على مواجهة تداعيات فيروس كورونا، لم يغب ملف مفاوضات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، رغم أنه تراجع في أولويات التغطية الإعلامية.

 

وكان السؤال عن مصير بريكست قد طرح على رئيس الوزراء بوريس جونسون في بداية أزمة كورونا، لكنه رفض الحديث عن أي احتمال لتأجيل الملف حتى الانتهاء من الأزمة.


وعاد الحديث عن مفاوضات التجارة المتعثر الجانبين، مع صدور تصريحات واتهامات متبادلة بشأن المسؤولية عن عدم تحقيق تقدم في المفاوضات.

ودعا ممثلون عن قطاع الأعمال في بريطانيا حكومة بلادهم للعمل على اتفاق يضمن التجارة الحرة مع الأوربيين، رغم ترحيبهم بإعلان الحكومة عن تفاصيل الإجراءات التي ستطبق العام القادم لحماية المزارعين بشكل خاص.

والجمعة، عبّر كبير المفاوضين الأوروبيين في ملف بريكست، ميشال بارنييه، عن عدم تفاؤله بنتائج المفاوضات، وقال خلال مؤتمر صحفي في بروكسل: "في اللحظة التي أتحدث فيها إليكم، لست متفائلا (..) دعوت المملكة المتحدة إلى تغيير تكتيكها إذا كانت تريد حقا التوصل إلى اتفاق معنا".

وتابع المفاوض الفرنسي: "بصراحة، لا يزال هناك اليوم سوء فهم حقيقي" مع لندن، محذرا: "إننا مستعدون لجميع الخيارات" بما في ذلك طلاق "بلا اتفاق".

من جهته، ندد المفاوض البريطاني ديفيد فروست بـ"التقدم الضئيل" الذي تم إحرازه، مطالبا بـ"تغيير في نهج الاتحاد الأوروبي" قبل جولة المفاوضات المقبلة في الأول من حزيران/ يونيو. وقال: "من الصعب أن نفهم لماذا يصر الاتحاد الأوروبي على نهج أيديولوجي يزيد صعوبة التوصل إلى اتفاق".

ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر مطلع على سير المفاوضات؛ وصفه نبرة المحادثات هذا الأسبوع بأنها كانت "حازمة، وطغت عليها بعض الخشونة أحيانا"، خلافا للجولات السابقة.

وقال مصدر أوروبي آخر: "ارتفعت النبرة قليلا خلال هذه الدورة"، معتبرا أن الأسبوع كان "محبطا".

 

وأضاف: "إننا نراوح مكاننا والوقت يمرّ" في غياب "رؤية مشتركة لما نحاول التوصل إليه".

وانتهت المحادثات الأخيرة في نهاية نيسان/ أبريل دون تحقيق تقدم، ما أثار شكوكا كبرى حول قدرة لندن وبروكسل على التوصل إلى توافق ضمن المهلة المتفق عليها بحلول نهاية السنة.

وبعد خروجهم رسميا من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني/ يناير، دخل البريطانيون مرحلة انتقالية تمتد حتى نهاية العام الجاري، يواصلون خلالها الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي.

وعلى المفاوضين أن يقرروا مبدئيا في حزيران/ يونيو إن كان سيتم تمديد المرحلة الانتقالية لمنح أنفسهم مهلة إضافية للتفاوض. 

لكن لندن ترفض هذه الفكرة رفضا قاطعا، على الرغم من البلبلة التي سببها فيروس كورونا المستجد في جدول المفاوضات، كما في شكلها، إذ باتت تجري عبر الفيديو حصرا.

وقال تقرير برلماني بريطاني إن أي تمديد الفترة الانتقالية سيعني استمرار مساهمة بريطانيا في ميزانية الاتحاد، بنحو 11 مليار جنيه إسترليني سنويا، في حين حذر تقرير لمركز يدعم بريكست؛ أن التكاليف الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، وأنها قد تصل إلى نحو 380 مليارا إذا ما فُرض على بريطانيا المساهمة في عملية الإنقاذ المالي للدول الأوروبية المتضررة بسبب كورونا، إلى جانب الدخول في الدورة الجديد لميزانية الاتحاد الأوروبي مطلع العام، بحسب صحيفة الصن البريطانية.

وعلق المصدر الأوروبي: "يبدون على قناعة بإمكانية الاستغناء عن (تمديد المهلة)، وبالتالي سوف نستغني عن ذلك. لكن في الأمر قلة منطق"، معتبرا أن البريطانيين يظهرون "سوء نية تقترن بقلة بصيرة اقتصادية".

وقال مصدر بريطاني مطلع على سير المحادثات، بحسب فرانس برس: "لا نريد (تمديد المهلة). لن نقبل بذلك إذا اقترحوه علينا".

ومن نقاط الخلاف أيضا شكل الاتفاق، إذ يطالب الأوروبيون باتفاق واسع النطاق وطموح يتناول مجمل العلاقة، فيما تسعى المملكة المتحدة إلى اتفاق تبادل حر اعتيادي من النوع الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع كندا، مع إمكانية التفاوض لاحقا بشأن نصوص محدودة حول قطاعات معينة تضاف إليه.

ورأى ديفيد فروست من الممكن إبرام اتفاقات مماثلة "دون صعوبات كبرى خلال المهلة المتوافرة".

لكن الاتحاد الأوروبي لن يوافق على اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة، إلا إذا ترافق مع ضمانات بشأن المنافسة على الصعيد الاجتماعي والبيئي والضريبي، لمنع قيام اقتصاد خال من الضوابط على أبوابه، وهو ما يرفضه البريطانيون بشكل تام.

وسبق أن رفض الاتحاد الأوروبي حديث البريطانيين عن اتفاق يشبه التجارة الحرة مع كندا، قائلا إن "بريطانيا ليست كندا"، نظرا للحدود الجغرافية من جهة وما تطرحه من مسائل، خصوصا ما يتعلق منها بالصيد البحري وحدود أيرلندا الشمالية، وحجم العلاقات الاقتصادية الضخم بين الجانبين (مقارنة بكندا) من جهة أخرى.

وقال المفاوض البريطاني إن هذا المطلب الأوروبي هو "العقبة الرئيسية" في وجه التوصل إلى اتفاق؛ لأن لندن ترفض أن تكون ملزمة في المستقبل "بالقانون الأوروبي أو القواعد الأوروبية".

وعلق ميشال بارنييه أنه حول هذه النقطة الجوهرية المتعلقة بـ"المنافسة النزيهة"، "كانت جولة خلافات في وجهات النظر بدون إحراز أي تقدم" متهما البريطانيين بالمطالبة "بمكاسب دولة عضو من دون واجباتها".

ولفت إلى "نقطة إيجابية وحيدة" تتعلق بمسألة بالغة الحساسية هي صيد السمك، إذ باشر المفاوضون "بحثها" بهدف التوصل إلى اتفاق قبل تموز/ يوليو.

وقدمت المملكة المتحدة هذا الأسبوع نصا يلخص موقفها، يدعو إلى إعادة التفاوض سنويا حول حصص الصيد في مياهها، وهو ما يرفضه الاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر.

ويطالب الاتحاد بأن تبقى المياه البريطانية مفتوحة أمام الصيادين كما هي حاليا، علما بأن قضية منع الصيادين غير البريطانيين كانت أحد محاور حملة الترويج للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

والاثنين، اتهم الوزير البريطاني، مايكل جوف، الأوروبيين بأنهم يسعون لإخضاع بريطانيا لقوانينهم، رغم مغادرتها الاتحاد الأوروبي. وتحدث عن اختلافات فلسفية كبيرة بين الجانبين، رغم قوله إن المحادثات تسير بشكل "جيد".

وأكد مسؤولون في حزب العمال المعارض رفض الحزب إنهاء الفترة الانتقالية دون اتفاق مع الأوروبيين، في حين دعا الحزب لعدم الاستعجال لإنهاء المفاوضات بنهاية العام، في إشارة إلى تأييد مسؤولي الحزب لتمديد الفترة الانتقالية لضمان اتفاق للتجارة.

وفي شأن آخر، اتهم جوف الدول الأوروبية بمخالفة الاتفاق مع بريطانيا، بعدم منح المواطنين البريطانيين المقيمين في هذه الدول الوقت الكافي لتسجيل إقاماتهم، بسبب المعاملات المعقدة للإقامة. ويبلغ عدد البريطانيين في دول الاتحاد الأوروبي نحو 1.2 مليون شخص.

وكانت الحكومة البريطانية قد بدأت منذ نحو سنتين نظاما خاصا لتسجيل المواطنين الأوروبيين على أراضيها.

وأقر البرلمان البريطاني بالقراءة الثانية قانونا جديدا للهجرة، يتضمن إنهاء مرحلة حرية الحركة للأشخاص مع أوروبا، كما يطلق نظام النقاط، بما يشبه النظام المتبع المطبق أستراليا. وما زال القانون بحاجة لتصويت نهائي في مجلس العموم قبل إحالته لمجلس اللوردات للتصويت عليه.

ووصفت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل؛ النظام الجديد بأنه "أكثر صرامة وأكثر عدلا وأكثر وضوحا".

لكن المعارضة حذرت من أن النظام الجديد يُشعر العمالة المهاجرة بأنها غير مرحب بها في بريطانيا.

 

كما دعا سياسيون لتطبيق متدرج على مراحل للقيود على الحركة مع أوروبا، لمنع الإضرار بالاقتصاد البريطاني.