قضايا وآراء

عمرو أديب والجيش الأسود

1300x600

في مساء 14 من شهر نيسان (أبريل) عام 2015، حدثت عدة تفجيرات في محولات الكهرباء الرئيسية لمدينة الإنتاج الإعلامي في مصر أسفرت عن أعطال كبيرة لدى كل القنوات التي تبث من داخل المدينة وكانت النتيجة في كلمتين "الشاشة سودة".

 

سواد الشاشات أفضل من سواد الكذب

في هذا اليوم كتبت معلقا على سواد شاشات قنوات مدينة الإنتاج الإعلامي: "هذه الشاشة السوداء أحب إلينا من وجوه تظهر لتتلون بألوانها في كل يوم"، وانفجرت وقتها مواقع التواصل الاجتماعي شماتة في تلك الشاشات السوداء وأصحابها وانتشر وقتها رائعة الروائية الجزائرية أحلام مستغماني "الأسود يليق بك" تعليقا على أكثر الساعات راحة في التاريخ المصري الحديث، يوم توقفت قنوات مدينة الإنتاج الإعلامي عن البث واسودت شاشاتها، فكان سواد الشاشة أفضل لدى المصريين من سواد الكذب وسواد الأفكار وسواد الخطاب الذي تبثه الأذرع الإعلامية في كل ليلة.

هذه المقدمة لا تستحضر التاريخ وهذا المقال ليس حديثا عن الذكريات ولكنه إقرار لواقع قديم حديث اسمه عمرو أديب يتجدد في كل ليلة مرة أو مرتين، ينتقل كالفيروس الذي لا نعرف له لقاحا ولم نجد له دواء، ينتشر كالنار في الهشيم، وينتقل من قناة إلى أخرى، في أوربيت يوم كانت قناة مشفرة كان كالفيروس متواجدا يتلون بألوان عصر مبارك، يتقرب من رجالاته، ينافق أحمد عز وجمال مبارك معتمدا على قرب أخيه الأكبر عماد أديب من المخلوع الراحل مبارك، جاءت الثورة فتلون بألوانها في قناة "أون تي في" وبكى يوم التنحي ثم سرعان ما عاود الكرة ليجد نفسه في مكان آخر وقناة أخرى، يصعد نجم أبو هشيمة سياسيا واقتصاديا فتجده إلى جواره منافقا أفاقا على عهده معنا، حتى استقرت سفينته مع "القفا" الذي أخذه من كفيله الجديد والثري تركي آل الشيخ ليحط رحاله ككبير الذباب الإلكتروني ورأس حربة الدفاع عن النظام العسكري المصري وكفيله السعودي.

 

الجيش الأسود الذي ياتي بالشيء ونقيضه في حلقة واحدة، جيش مسلح بأحدث أنواع الكذب وتضليل الرأي العام، بات شعارهم في أزمة كورونا "إن انخفضت أعداد الإصابات فبحكمة الرئيس والحكومة ووزيرة الصحة، وإن ارتفعت الأعداد فبقلة وعي الشعب الجاهل

 



في مصر عرفنا أن هناك الجيش الذي قالت عنه الشؤون المعنوية في فيلم الممر "البسوا المموه عشان بيخافوا منه" في إشارة إلى الزي العسكري المصري، ولا أعلم في الحقيقة من يخاف ومن هم ولكن ليس هذا بيت القصيد، فقد جاءت كورونا لنتعرف عن قرب على مصطلح الجيش الأبيض من أطباء وتمريض وعاملين في الفريق الطبي، وكأنه واجب علينا أن تتحول مصطلحاتنا وأفكارنا وخيالنا إلى الحياة العسكرية فالثقافة الحاكمة "فين المدني اللي هنا"، ولذلك لا يجب أن يكون لمدني حتى لو كان طبيبا أي فضل ينسبه لنفسه وإنما وجب علينا أن نرفق به كلمة الجيش حتى يترسخ لدينا قناعة أن التضحية والفداء وواجب الدفاع عن الوطن من العدو أو الكورونا هو للجيش فقط سواء كان أبيض أو مموها. 

 

الجيش الأسود في مصر

والشيء بالشيء يذكر، هناك في مصر جيش آخر منظم بشكل كبير، ربما فاق تمويله والإنفاق عليه ما يتم إنفاقه على الجيش المموه أو الأبيض، أطلقت عليه الجيش الأسود مستلهما اسمه من مقدمة هذا المقال وسواد شاشاتهم ذات يوم، عمرو أديب يعد قائد الجيش الأسود في مصر.. وهل يستحقها غيره وهو كبيرهم الذي علمهم السحر والكذب والتحريض والتلون من زمان لزمان ومن عصر لعصر، عمرو اديب الذي امتلك مؤخرا صكوك الوطنية وبات متحدثا مأجورا باسم السلطة العسكرية عندما خرج علينا "يشخط" في وجوهنا متعللا بعدم إحساس العالقين المصريين في الخارج بظروف البلاد الآن وبأن العينة بينة كما قال وبأن هذه هي قدرات البلد فمن شاء منهم أن يعود فليعد ومن شاء منهم أن يغضب فليبق بعيدا عن وطنه وبلده "عشان خاطر زعيق الأستاذ عمرو".

الجيش الأسود الذي يأتي بالشيء ونقيضه في حلقة واحدة، جيش مسلح بأحدث أنواع الكذب وتضليل الرأي العام، بات شعارهم في أزمة كورونا "إن انخفضت أعداد الإصابات فبحكمة الرئيس والحكومة ووزيرة الصحة، وإن ارتفعت الأعداد فبقلة وعي الشعب الجاهل الذي لا يستمع لنصائح وتوجيهات المسؤولين".

في حوار لي مع أحد القامات الإعلامية الكبيرة في عالمنا العربي سألته ذات مرة: كيف يمكنني أن أكون مثل عمرو أديب على الهواء مباشرة أخرج على المشاهد فأقول لهم الشيء ثم أعود غدا وأقول لهم ضده ونقيضه ولا أشعر أو يشعر المشاهد بأي فارق أو أزمة؟ حينها قال لي امتلك هذا القدر من البجاحة واجعل شعارك "أبيع كلماتي لأول مشتر آت" واعمل بوقا دعائيا للسلطة ولكنك لن تصل أبدا إلى مكانة عمرو أديب فلن تستطيع الكذب بأريحية كما يفعل.