ملفات وتقارير

هكذا تلقى أسرى ومحررون بفلسطين إغلاق حساباتهم البنكية

قال قبها إن خطوة إغلاق الحسابات تأتي لتكمل الدور القاضي بمحاصرة ملف الأسرى والمحررين- جيتي

تفاجأت السيدة أم جهاد النواجعة بإغلاق الحساب البنكي لزوجها الأسير في سجون الاحتلال؛ وظنت أنه خلل أصاب الحساب، قبل أن يبلغها مدير البنك بأن هناك قرارا بإغلاقه، مع مجموعة حسابات أخرى لأسرى ومحررين.


وبالفعل تعرضت عشرات الحسابات لأسرى ومحررين فلسطينيين للإغلاق في بنوك فلسطينية مختلفة تحت عنوان "تهديدات إسرائيلية تلقتها البنوك"، حيث أبلغت العائلات بأن القرار ليس بيدها وإنما جاء بعد أوامر إسرائيلية مغلفة بالتهديد.


ولم تجد أم جهاد نفسها إلا وقد وصلت إلى غرفة مدير الفرع للبنك الذي تتعامل معه؛ وبدأت بشرح حاجتها للراتب الذي يسد رمق أطفالها الثلاثة ويساعدها في تسديد دفعات بناء منزلها الجديد لتتخلص من مشقة الإيجار، حيث أمضى زوجها حتى الآن 13 عاما في سجون الاحتلال، من أصل حكمه بالسجن لمدة 22 عاما.


ورغم أن راتب زوجها يصرف من وزارة التربية والتعليم كونه كان معلما لمادة الرياضيات في مدارس التربية، إلا أن البنك قرر إغلاق الحساب، حيث أخبرها مدير الفرع أنه مهما كانت الظروف فالإغلاق هو الأمر الذي سينفذ.


وتقول النواجعة لـ"عربي21" إن إغلاق الحساب يعني الحكم بالإعدام على عائلة أسير يمضي سنوات طويلة في زنازين القهر؛ فهو ما يبقيها قادرة على تحمل المصروفات اليومية لأطفال ثلاثة بحاجة لمستلزمات أساسية، مبينة أن البنك كان أبلغها بضرورة سحب كل الأموال من الحساب كي يتسنى إغلاقه، ولكنها رفضت ذلك فقال لها إن الإغلاق سيتم على الجهتين.

 

اقرأ أيضا: اعتقالات ومواجهات وهدم منزل في الضفة المحتلة (شاهد)


ولم تجد أم جهاد ما تفعله؛ حيث توجهت لمؤسسات فلسطينية تعنى بشؤون الأسرى وإلى هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وتلقت وعودا بحل الملف الذي لم ينته إلى الآن.


وتضيف: "الراتب هو كل ما نملك؛ أنا أعمل معلمة ولكن راتبي بالكاد يكفينا ونعتمد بشكل أساسي على راتب زوجي في ظل غيابه في سجون الاحتلال وعدم وجود معيل لنا، والآن مع إغلاق الحساب لا نعلم ماذا سيكون حالنا وكيف سنتدبر أمورنا".


أما الأسير المحرر بلال يامين من مدينة قلقيلية والذي أمضى في سجون الاحتلال ستة أعوام فتعرض للإجراء ذاته قبل عدة أيام وتم إبلاغه بإغلاق حسابه.


ويقول لـ"عربي21" إنه تلقى رسالة نصية على جهازه المحمول قبل عدة أيام تفيد بوقف بطاقة الصراف الآلي الخاصة به؛ فهاتف البنك وحاول الاستفسار عن السبب، فأبلغه بأنه عطل أو خلل معين في نظام الرسائل، ولكنه حين حاول سحب أي من المال عبر الصراف تم رفض العملية.


ويوضح بأنه توجه إلى أحد فروع البنك ليستفسر عن هذا الخلل؛ ولكن تم إبلاغه في غرفة المدير أنه ليس خللا وإنما قرار من جهات عليا بإغلاق حسابات الأسرى والمحررين.


ويضيف: "قلت له إذا أنتم أصبحتم شركاء للاحتلال بإغلاق الحسابات، فهل تتوقعون ماذا ستكون ردة فعل الشارع؟ قال لي نعم نعلم أنه من الممكن أن يكون هناك غضب شعبي ولكن القرار من جهات عليا".


ويشير يامين إلى أن لديه ثمانية أطفال يحتاج لإعالتهم، حيث يعتمد على راتب الأسرى بشكل كبير ولا يستطيع توفير احتياجات أطفاله من دونه، معتبرا أنه تم تهديد المحررين بلقمة عيشهم وأن سلوك البنك كان خاطئا وسيئا.


ويتابع: "الكل يمر في ظروف استثنائية وحالة طارئة ورغم ذلك تم قطع رواتبنا، نحن ما زلنا قلقين على ما سيحدث لنا في المستقبل".


خطوات عدة


ويرى مختصون أن إغلاق الحسابات هو جزء من إجراءات كاملة تتخذ بحق الأسرى وعائلاتهم وتهدف إلى تحجيم دورهم في القضية الفلسطينية.

بدوره، يعتبر وزير شؤون الأسرى الأسبق وصفي قبها بأن خطوة إغلاق حسابات الأسرى والمحررين هي حلقة أخرى ضمن حلقات الضغط عليهم بقرارات إسرائيلية.


ويقول لـ"عربي21" إن الاحتلال منذ عدة أعوام يحاول التضييق على الأسرى بشتى الوسائل فيلاحق عائلاتهم ويهدم منازلهم ويبقيهم في دائرة التهديد والملاحقة حتى بعد الإفراج عنهم، كما يحاول أن يهمش دورهم في المجتمع الفلسطيني وأن يهدر حقوقهم تحت مسمى "محاربة الإرهاب" رغم أن كل منزل فلسطيني جرّب مرارة الاعتقال والسجون.


ويوضح بأن خطوة إغلاق الحسابات تأتي لتكمل الدور القاضي بمحاصرة ملف الأسرى والمحررين؛ حيث أصدرت قوات الاحتلال أمرا بضرورة إغلاق الحسابات البنكية في شباط/فبراير الماضي ولكن لم يتحرك أحد على الصعيد الرسمي أو الشعبي فتم تنفيذ القرار مؤخرا.

 

اقرأ أيضا: السلطة تتفق مع البنوك على إيقاف تجميد حسابات الأسرى


ويعرب قبها عن اعتقاده بأن هذه الأزمة ستستمر حتى لو أصدرت الحكومة أمرا بتجميد القرار ريثما تناقش الموضوع؛ وذلك لأن هناك إصرارا إسرائيليا على تجريم الأسرى والمحررين واستمرار ملاحقتهم والتضييق عليهم.


ويبين بأن القضية ليست مجرد إغلاق بعض الحسابات بل هي متدحرجة ستطال كل حقوق الأسرى إذا استمر السكوت عن أي إجراء جديد، داعيا السلطة الفلسطينية وسلطة النقد والمؤسسات المعنية إلى ضرورة العمل الجاد والموحد من أجل الحفاظ على حقوقهم في ظل تغول يد الاحتلال عليهم.


ويتابع: "السنوات القليلة الماضية كانت مزدحمة بالقرارات الإسرائيلية التي تهاجم الأسرى وتمنع حقوقهم، فمثلا تم تشكيل لجنة للبحث في كيفية التضييق عليهم وقررت اقتطاع الأموال المخصصة لهم من مقاصة السلطة وكذلك حرمانهم من أبسط حقوقهم المعيشية داخل الأسر وسحب العديد من الإنجازات منهم والتي اكتسبوها نتيجة معارك طويلة بالإضراب عن الطعام خاضوها على مدار عقود".


ويرى قبها أن الأخطر في هذا الملف هو تهميش قضية الأسرى بشكل متعمد من بعض الجهات والتي لا تضع هذا الأمر على سلم أولوياتها، وهو ما يجعل الاحتلال يتغول أكثر ويضيق أكثر كما حصل في قضية إغلاق الحسابات البنكية التي هي أبسط الحقوق لأسرى ومحررين أمضوا زهرات شبابهم وسنين عمرهم في الاعتقال.