سياسة عربية

سياسيون عراقيون: لهذا تم تمرير حكومة مصطفى الكاظمي

تنتظر الكاظمي تحديات كبيرة جدا ليس أقلها تداعيات كورونا والوضع الاقتصادي والتناحر بين الكتل الشيعية- صفحة الكاظمي في تويتر

رغم كسره لحالة التكلس السياسية بالعراق، بحصول حكومته على ثقة البرلمان، إلا أن العقبات أمام رئيس الحكومة العراقية الجديد مصطفى الكاظمي (رئيس المخابرات السابق)، ما تزال كبيرة.

عقبات ليس أقلها تمرير الحكومة بفريق ناقص، فوزارة النفط والخارجية لم تحسما بعد، كما أن حجب الثقة طال 4 وزراء رشحهم الكاظمي، ما يتعين عليه تغييرهم بوجوه جديدة تحظى بثقة الغالبية الشيعية في البرلمان، والتي تمتلك وحدها بحكم العدد تقديم وتأخير أي وزير.

ولم تكن ولادة الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي بعيدة عن تدخلات الفواعل الإقليمية والدولية، إلا أنها كانت أصعب هذه المرة لأسباب عدة، أبرزها غياب قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، حسبما أفادت مصادر سياسية.

ففي حديث لـ"عربي21"، كشفت مصادر سياسية خاصة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "وفدا إيرانيا وصل إلى بغداد قبل 5 أيام من إتمام تشكيل الحكومة، وضغط طيلة هذه المدة على القوى السياسية الشيعية، لإنجاح تمرير رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي".

وأوضحت أن "الوفد الذي يرأسه السفير الإيراني السابق لدى بغداد حسن دنائي فر، أشرف على مفاوضات القوى السياسية الشيعية لتشكيل الحكومة العراقية، وضغط عليها بشدة للقبول بالكاظمي وتمريره في البرلمان".


اقرأ أيضا: "لولاها لما مرّت".. ما هو دور إيران في تشكيل حكومة العراق؟


وأكدت المصادر: "لولا الوفد الإيراني لما مُررت الحكومة، لا سيما أن زيارة الجنرال إسماعيل قاآني السابقة إلى بغداد، هي من أبعدت رئيس الوزراء المكلف السابق عدنان الزرفي، والاتفاق على اختيار الكاظمي بديلا عنه، وهذا يعد أول اختبار له بعد غياب قاسم سليماني".

بعد 5 أشهر عجاف 

وبعد نحو خمسة أشهر من الجمود السياسي، تمكّن الكاظمي من تمرير حكومة لقي فيها 15 وزيرا فقط الثقة بشق الأنفس، وسط أوضاع معقدة محليا وإقليميا ودوليا.

وكان الكاظمي من بين الأسماء المتداولة لشغل رئاسة الحكومة منذ استقالة سلفه عادل عبد المهدي، مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحت ضغط احتجاجات شعبية غير مسبوقة مناهضة للحكومة والنخبة السياسية المتهمة بالفساد والتبعية للخارج.

غير أن الكاظمي لم يكن الخيار الأول للقوى السياسية وخاصة الشيعية التي تتولى تسمية رئيس الوزراء على اعتبار أن المنصب من حصتها وفق العرف السياسي المتبع منذ 2003 والمعروف باسم المحاصصة.

ورشحت القوى السياسية الشيعية محمد توفيق علاوي ثم عدنان الزرفي اللذين لم ينجحا في دعم الحشد اللازم لتمرير حكومتيهما في البرلمان.

ويبدو أن الكاظمي كان الخيار الأخير، إلا أن الرجل، المعروف بفض النزاعات والتوسط بين القوى السياسية المتصارعة على مدى سنوات، نجح في الاختبار.

ويرى الباحث السياسي واثق الجابري أن "القوى السياسية منحت الثقة لحكومة الكاظمي، بعد رفضها في السابق، لقلة الخيارات المتاحة والتحديات الكبيرة التي تواجه العراق على مستويات عدة سواء الصحية أو الاقتصادية أو الأمنية".

ويضيف الجابري، وهو عضو في مركز "كتّاب العراق"، أن "الكتل السياسية ترى أن هذه الحكومة ستكون انتقالية، لذلك لم ترد أن تغامر أكثر، وقررت المضي بمنح الثقة لحكومة الكاظمي".

ويعتقد الجابري، في حديثه للأناضول، أن "بعض القوى السياسية كانت مقتنعة بتمرير الحكومة، إلا أن بعضها كان مرغماً على هذا الخيار لعدم وجود طريق آخر".

إرضاء الحراك الشعبي

والكاظمي، مستقل لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، وكان يشغل منصب رئيس المخابرات منذ حزيران/يونيو 2016 ولغاية تسلمه رئاسة الحكومة.

ويبدو أن اختيار الكاظمي في الأمتار الأخيرة جاء أيضاً إرضاءً للحراك الشعبي الذي يصر على رئيس وزراء مستقل بعيدا عن الأحزاب وتبعية الخارج.


اقرأ أيضا : ابن سلمان يدعو الكاظمي إلى المملكة غداة نيل حكومته الثقة


ويقول الباحث السياسي الجابري إن "القوى السياسية تحاول إعادة الثقة إلى الشارع من خلال الابتعاد عن المحاصصة ولو ظاهرياً، رغم أنها تتدخل عن طريق وجودها العميق داخل الوزارات، لكنها لم تفرض شخصيات بحد ذاتها على الكاظمي للحصول على حقائب وزارية معينة".

ويضيف أن "الكتل السياسية اليوم تمهد لمرحلة مقبلة للشروع بانتخابات مبكرة، رغم مساعي بعض الكتل للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من مكاسب داخل الحكومة".

الدعم الأمريكي

وحظي الكاظمي بإجماع نادر من القوى السياسية عند تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بمهمة تشكيل الحكومة في 9 نيسان/أبريل الماضي.

ومع وصول المشاورات خط النهاية، سحبت كتل سياسية دعمها للكاظمي لعدم رضاها عن قائمة المرشحين لشغل الحقائب الوزارية.

وقبل أيام قليلة من تمرير الحكومة، أعلنت كتل سياسية أنها لن تصوت لصالح حكومة الكاظمي وهي ائتلاف "دولة القانون" (26 من أصل 329 مقعداً في البرلمان) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وائتلاف "الوطنية" (21 مقعداً) بزعامة إياد علاوي، وحزب "الحل" (14 مقعداً) بزعامة جمال الكربولي.

ولم تكن الأصوات المعارضة قادرة على وضع العصا في عجلة حكومة الكاظمي، إذ نالت ثقة الكتل الشيعية والسنية والكردية البارزة.

ويرى الباحث في مركز "الهدف للدراسات"، مقره بغداد، هاشم الكندي، أن الدعم الأمريكي للكاظمي سهّل تمرير حكومته إلى جانب تأييد القوى الشيعية البارزة لها وهي تحالف "سائرون" (54 مقعدا) المدعومة من التيار الصدري، و"النصر" (42 مقعدا) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي و"الحكمة" (18 مقعدا) بزعامة عمار الحكيم، كما أن السنة والأكراد دعموا الكاظمي بعد ضمان مصالحهم في الحكومة الجديدة.

والخميس، رحّب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، خلال اتصال هاتفي أجراه مع الكاظمي، بتشكيل الحكومة الجديدة. 

وقالت الخارجية الأمريكية، في بيان، إن بومبيو بحث مع الكاظمي سبل "العمل سوياً لتوفير الازدهار والأمن للشعب العراقي".

كذلك رحبت كل من إيران والسعودية بالحكومة، فقد هنأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة عبر "تويتر" رئيس الوزراء العراقي بنجاحه في مهمته، كما بعث العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، برقية تهنئة إلى الكاظمي بعد نيله ثقة البرلمان.

تحديات هائلة

وتنتظر حكومة الكاظمي تحديات هائلة تتمثل أولها استكمال تشكيلته الحكومية التي لا تزال 7 مقاعد شاغرة فيها بينها وزارتان سياديتان وهما النفط والداخلية، حيث يتوجب عليه مواصلة المشاورات الشاقة مع القوى السياسية لتمرير بقية الوزراء في الأيام والأسابيع المقبلة.

وتسلم الكاظمي مهامه وسط أزمة جائحة كورونا التي تجتاح العالم، فعليه إثبات جدارة حكومته بمحاربة الفيروس وتخفيف تداعياته الاقتصادية، وكذلك الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة والسيطرة على السلاح المنفلت.

وعلى الكاظمي الاستعداد لأزمة مالية وشيكة بعد انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية والتي تشكل الأموال المتأتية من بيع الخام نحو 95 في المئة من إيرادات الدولة.

كما أن عليه إرضاء الحراك الشعبي الذي يستعد لاستئناف الاحتجاجات بعد انتهاء قيود كورونا، حيث يعترض المتظاهرون على طريقة تشكيل الحكومة ومحاولة الكاظمي استرضاء القوى السياسية في اختيار مرشحيه.

ويقول الباحث الكندي في حديثه للأناضول إن حكومة الكاظمي تشكلت كسابقاتها استناداً إلى "المحاصصة الحزبية" و"صفقات اللحظات الأخيرة"، وهو ما لا يرضي الشارع العراقي المنتفض.

ويضيف أن الأحزاب النافذة لن تتيح المجال للكاظمي بإدارة حكومته بحرية، مردفاً "لن يكون بالإمكان محاسبة أي وزير من مبدأ (غطيلي وأغطيلك)، وهكذا فإن الفشل سيتكرر".

ويختم الكندي بالقول: "الأمر ليس مرتبطاً بالأسماء، وإنما بنهج القوى السياسية التي ترفض مغادرة المحاصصة والمكاسب، لذلك فإن حكومة الكاظمي لن تحقق النجاح كسابقاتها".