سياسة تركية

وزير تركي سابق: علاقة الصين بالشرق الأوسط "لا تقدر بثمن"

الصين تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا) المفتاح لوصولها إلى أن تكون قوة عالمية- جيتي

كتب الاقتصادي البارز محمد شيمشك، نائب رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم، عن رؤيته تجاه العلاقات الاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط، متوقعا أن تفضي في المستقبل إلى تعزيز التعاون المالي والاقتصادي. 


وأشار في مقال نشره موقع "centralbanking" إلى أن التوقيت مناسب لتمتين هذه العلاقة، حيث يعاني الغرب من "إرهاق الشرق الأوسط"، وتقليص الإدارة الأمريكية لنفوذها بالمنطقة يجعل العديد من الدول أكثر تقبلا للتواصل الصيني.


وفي نفس الوقت، فإن الصين تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا) المفتاح لوصولها إلى أن تكون قوة عالمية، على عكس ما قاله لي شاوشيان من جامعة نينغشيا بأن هذه المنطقة عبارة عن "مقبرة فوضوية وخطيرة، ودفن للإمبراطوريات".

 

اقرأ أيضا: تقرير يحذّر بكين من رد فعل عالمي يشبه "تيانانمين"

ويطرح شيمشك خمسة أسباب تدفع الصين للتعاون المالي والاقتصادي مع المنطقة وهي:

 

أولا: تعد الصين أكبر شريك تجاري في المنطقة.


فالصين أكبر شريك تجاري لـ11 دولة بمنطقة (مينا): إيران و10 دول بجامعة الدول العربية. وصلت تجارة الصين مع الدول العربية 244.3 مليار دولار في 2018.


وبلغ حجم التجارة مع "إيران وتركيا وإسرائيل" 72 مليار دولار. وبالتالي فإن المنطقة تشكل أكثر من 300 مليار دولار من التجارة مع الصين.

 

ثانيا: تعد الصين مصدرا رائدا للاستثمار الأجنبي المباشر، وبشكل متزايد باتت مصدرا هاما لتمويل المشاريع في المنطقة.

 

أصبحت الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في الشرق الأوسط في عام 2016. وفي عام 2017 وحده، وقعت الدولة على عقود استثمار بقيمة 33 مليار دولار مع الدول العربية.

 

ومن المرجح أن تعزز المشاريع المستقبلية التي تربط خطة التنمية الصينية بمبادرة الحزام والطريق (BRI) التجارة والاستثمارات والروابط المالية. حتى منتصف عام 2019، وقعت الصين اتفاقيات مع 21 دولة بمنطقة (مينا)، بما في ذلك 18 دولة من جامعة الدول العربية، بشأن مشروع الحزام والطريق المشترك.

ثالثا: تستضيف منطقة (مينا) أكثر من مليون صيني وافد.


ومن المرجح أن يزداد هذا العدد مع قيام الصين بزيادة مشاركتها في إعادة الإعمار بعد الحرب في العراق وسوريا واليمن وربما ليبيا.

رابعا: الصين هي أكبر مستورد عالمي للنفط الخام.

 

استوردت ما يقرب من 500 مليون طن في عام 2019، نصفها جاء من الشرق الأوسط. وبالتالي فإن دول الخليج الغنية بالنفط والغاز تمثل ما يصل إلى 80% من تجارة الصين مع الدول العربية.

 

خامسا: تزايد طلب بعض دول الشرق الأوسط للتعاون المالي والاقتصادي مع الصين على خلفية التهديد الأمريكي المتزايد بالعقوبات الاقتصادية، وسياسة واشنطن بتسليح الدولار وأنظمة الدفع (استغلال أمريكا الهيمنة على العملة لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي).

 

وقد أعربت دول مثل إيران وتركيا وروسيا علنا عن رغبة قوية في استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية والاستثمارية في المستقبل.

وأكد أن الوجود الاقتصادي المتنامي للصين في الشرق الأوسط  يتطلب "تعاونا ماليا أقوى".

التبادل المالي وإلغاء الدولار

يقول الوزير السابق: "يجب فتح المناقشات الآن حول نوع التعاون المالي المحتمل". مشيرا إلى وجود اختلافات جوهرية في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبالتالي فمن الصعب تنفيذ إطار واحد للتعاون المالي يلبي احتياجات جميع البلدان. البلدان ذات الفائض الغني بالنفط وبلدان العجز لديها احتياجات مختلفة.

 

وعليه هناك قنوات متعددة للتعاون المالي، بحسب ما أكد شيمشك.

أدى صعود الصين الاقتصادي إلى تحول الرنمينبي رسميا إلى عملة احتياطي عالمية. وهي تمثل حاليا حوالي 10.9 بالمئة من سلة عملات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي. وهذا يجعل الرنمينبي ثالث أكبر عملة احتياط بعد الدولار الأمريكي واليورو.

 

اقرأ أيضا: مخاوف من حرب تجارية جديدة بين أمريكا والصين ترفع سعر الذهب

ومن المرجح أن تحتفظ البنوك المركزية في دول الشرق الأوسط، في المستقبل، بجزء من أصولها الاحتياطية بالرنمينبي.

ونتيجة لذلك، يمكن أن تكون مبادلة العملات الثنائية (المحلية للدول مقابل العملة الصينية) لتحقيق درجة أعلى من الاستقرار المالي في المنطقة أحد مجالات التعاون. فلدى الصين بالفعل 36 خطا ثنائيا لتبادل العملات على مستوى العالم، ومنشآت دائمة نادرا ما تستخدم يمكن أن يستفيد منها الشركاء التجاريون في الشرق الأوسط.


ومن المحتمل أن يؤدي تسليح الدولار (العملة المستخدمة كسلاح في فرض العقوبات الاقتصادية) إلى إلغاء الدولار في المدى الطويل (كعملة مهيمنة). ويفترض "إذا كانت إزالة العولمة ستكون اتجاها عالميا طويل الأمد، فسوف تكون مشتركة مع عملية إلغاء الدولار".


من المحتمل أن يؤثر تطوير الإنترنت وأنظمة الدفع المستندة إلى بلوك تشين (blockchain) (قاعدة بيانات للمعاملات المالية التي يتم حفظها على أجهزة كمبيوتر متعددة في مواقع مختلفة) على أنظمة عالمية متعددة. يمكن للصين ودول الشرق الأوسط تسهيل التجارة في الرنمينبي أو العملات المحلية..

 

وكذلك فإن بعض البلدان تبحث عن طرق لتقليل تعرضها للتهديد المستمر للعقوبات الأمريكية، وتدرس طرق استخدام العملات المحلية للتجارة والاستثمارات.

يُذكر أن دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) تعمل على تطوير نظام دفع عالمي جديد لتحدي شبكة الدفع الدولية "سويفت" (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك مقرها بلجيكا).


وفي الآونة الأخيرة، كشف كيريل دميترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، عن بعض الأرقام المذهلة "انخفضت المدفوعات الروسية للتجارة الخارجية بالدولار من 92 بالمئة إلى 50 بالمئة خلال السنوات القليلة الماضية، بينما ارتفعت معاملات الروبل الدولية من 3 بالمئة إلى 14 بالمئة".

 

وبحسب المسؤول التركي السابق فإن دول "بريكس" تدرس أيضا إيجاد عملة مشفرة جديدة مشتركة للمدفوعات المتبادلة كوسيلة أخرى للعمل بديلا عن الدولار.

لكنه يرى أن استخدام الرنمينبي كبديل هو أكثر جدوى لمصدري النفط والغاز في المستقبل، حيث يصعب الحفاظ على التجارة بالعملات المحلية مع البلدان ذات العجز التجاري المستمر.

ويتطلب التكامل الاقتصادي الوثيق بين الصين ودول الشرق الأوسط أيضا تمويلا قائما على السوق للشركات والحكومات. ويعد سوق سندات الباندا في الصين سبيلا آخر للتعاون. (سندات الباندا هي سندات مقومة بالرنمينبي الصيني).

وتقدم هذه السندات للمقترضين الدوليين وسيلة للاستفادة من المستثمرين الصينيين المحليين، ويمكن أن تصبح قاعدة للمستثمرين الدوليين. وسيكون هذا خيارا رائعا للبلدان ذات العجز التجاري.

كما يعتبر التعاون بين صناديق الثروة السيادية في الصين ودول الشرق الأوسط أحد الخيارات المطروحة.

 

ويقول: "إن نجاح أي تعاون (خاصة المالي) بين الصين والشرق الأوسط سيعتمد إلى حد كبير على حوار سياسي قوي".

الرنمينبي

وينبه إلى أن العالم يتحرك نحو نظام نقدي عالمي متعدد العملات. يلعب فيه الرنمينبي دورا أقوى وأكثر أهمية في التجارة والتمويل الدوليين. ويتطلب هذا أيضا من الصين مواصلة إصلاح أسواقها المالية، والانفتاح، وتعميق أسواق رأس المال، وهو أمر تتعهد به الحكومة الصينية بشكل دائم.

ويتطلب التعاون المالي العميق، أولا وقبل كل شيء، الثقة المتبادلة، التي يتضح وجودها بين المنطقتين. إذ لا ترى أي دولة في الشرق الأوسط صعود الصين كتهديد، وهناك بالفعل حوار استراتيجي وسياسي قوي بين الصين وجميع دول المنطقة تقريبا. وهذه خلفية جيدة لبناء علاقة مربحة للجانبين عبر الحدود بين الصين والشرق الأوسط.

 

اقرأ أيضا: الصعود الصيني.. هل تهيّأ العرب لما بعد كورونا؟

 

وعن الحاجة المتبادلة بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط، ينبه شمشيك إلى أن النمو في الصين كان متعثراً بسبب انخفاض عائدات الاستثمارات، وانخفاض عدد السكان في سن العمل، وبالتالي انخفاض نمو الإنتاجية. لذا تبحث الصين عن محركات نمو جديدة أكثر دافعية.

 

ويكمل: "أفريقيا وكذلك الشرق الأوسط لديهم عدد كبير من الشباب الذين يمكنهم تلبية هذه الحاجة. ولا تزال دول كثيرة، باستثناء أعضاء مجلس التعاون الخليجي، في مرحلة النمو". 

ومن جانب دول الشرق الأوسط فإنها بحاجة إلى الصين في التنويع. تتوقع وكالة الطاقة الدولية IEA، في أحدث تقرير لها عن توقعات الطاقة في العالم، أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى مستوى منخفض بحلول عام 2030. وكانت معدلات البطالة بين الشباب في منطقة (مينا) هي الأعلى في العالم منذ أكثر من 25 عاما. ففي عام 2017 كانت النسبة حوالي 30 بالمئة.

 

وختم بالقول: "تعتبر المناطق مثالية: تبحث الصين عن محركات النمو على مستوى العالم والشرق الأوسط يقدم فرصا جيدة. وفي الوقت نفسه، يحتاج الشرق الأوسط إلى استثمارات وتمويل صينيين لتسريع تنميته وتصنيعه".