كتاب عربي 21

حديث الفرص الضائعة!

1300x600
عندما قال أحدهم إن الانقلاب يترنح، لم يكن هذا من فراغ، فقد شاهد الملايين في الشوارع في كل يوم جمعة، فظن أن هذه الحشود قادرة على الحسم، ولم يكن يعلم أن من بيده "عقدة النكاح" لا يوجد لديه تصور لذلك، هذا فضلاً عن أن الانقلاب كان يمر من ضعف إلى ضعف، حتى وصلنا الآن إلى مرحلة هو يعاني فيها من الهزال الشديد، ويترنح لكن لا يسقط، فهو ضعيف في مواجهة من هم أضعف منه، فخدمة الجن لنبي الله سليمان لم تكن تعني أنه على قيد الحياة!

لست أنا:

لم أكن صاحب مقولة "الانقلاب يترنح"، لكنها استخدمت من قبل من هم محسوبون على تيار رفض الانقلاب في السخرية من قائلها، ولوصم كل من تصدروا المشهد الإعلامي بأنهم يروجون المخدرات. ولم يكن هذا من الساخرين إلا حسداً من عند أنفسهم، فقد أصابهم ما أصاب إخوة يوسف، والآن يجري الحديث عن هؤلاء الذين قالوا إن "الانقلاب يترنح" باعتبارهم قاموا بتخدير الناس، وكأنهم كانوا يملكون حرية الحركة، لولا ومتمكناً؟ عملية التخدير هذه، وكأن قائلها أشاع أنه يعني بالترنح سقوط الانقلاب من تلقاء نفسه، فاعتمدوا هم على ذلك وناموا في الخط، من فرط عملية التخدير التي نشرها صاحب مقولة "الانقلاب يترنح". وهل كان مطلوباً منه أن يقول أنه ثابت ومتمكن؟.. وهل كان ثابتاً وهل هو الآن كذلك؟!

جس النبض:

في الأيام الأخيرة اعتقد البعض أن هناك مبادرة أطلقت لجس نبض الإخوان في المصالحة مع النظام العسكري في مصر، وإذا كان القيادي الإخواني الدكتور حلمي الجزار قد أكد لي في اتصال هاتفي، أنه لم يستهدف في مقاله المنشور بجريدة "العربي الجديد"، التقرب من النظام، لكنه خاطب الشعب في موضوع وباء كورونا، فإن هذا لا ينفي أن هناك من يقولون مع كل مبادرة: هذا ربي، فلم أفلت انتظروا مبادرة جديدة، فلما كتب رئيس تحرير جريدة "الشروق" مقاله عن الإخوان والفرص الضائعة هتفوا: هذا ربي هذا أكبر!

بيد أن النظام قطع قول كل خطيب بإعلان السيسي أنه لا صلح ولا تفاوض، وإذ ترك ثغرة وهي موافقة الشعب، فقد تم غلقها بعناية عندما قال: ولكن إذا وافق الشعب على عودتهم الآن فسوف يعودون بعد ثلاث سنوات للحكم من جديد، وذلك في سياق عملية التخويف، التي يظن أنها لا تزال صالحة إلى الآن!

ومهما يكن الأمر، فقد ثبت باليقين أن النظام بشكله الحالي، ليس مستعداً لأن يغير سياسته، أو يفتح أبواب رحمته، ولو بقدر وفي حدود الافراج عن المعتقلين من الأطباء الذين يقدرون بستة آلاف طبيب، في وقت مصر فيه في أمسّ الحاجة إليهم. وإذا كان الرئيس الأمريكي منذ البداية كان مخلصاً لفكرة العداء مع الوافدين لبلاده، فقد أعلن الآن عن فتح الحدود الأمريكية لاستقبال الأطباء والممرضين الذين يرغبون في السفر والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن السيسي عنده حسابات أخرى، فهو لن يندفع بدافع الحرص على سلامة الشعب، فيجعل من حكمه في مهب الريح، ويفقد حلفاءه الإقليميين الذين يمدونه بالقروض والمساعدات، لأنه في عداء مع الثورة بشكل عام ومع الإخوان بشكل خاص!

منذ ظهور محمد علي:

خلاصة القول، إن الحداية لا ترمي كتاكيت، وإن معركة السيسي مع الإخوان هي معركة وجود لا معركة حدود، ومعركة استراتيجية وليست تكتيكية، فماذا في وسع المعارضة أن تفعل؟!

لا أعتقد أن السيسي قد مر بمرحلة ضعف منذ انقلابه العسكري كما الآن، وبالتحديد منذ ظهور الفنان والمقاول محمد علي، الذي أضر بسمعة حكمه، بشكل فاق كل دعايات خصومه الاستراتيجيين. والضرر وقع عليه في في دوائره الخاصة والقريبة، ومن دوائر مؤيديه، إلا لجانه الالكترونية بطبيعة الحال!

وإذا كان من الجائز الحديث عن "الفرص الضائعة"، فليس على النحو الذي ذكره صاحب مقال "الشروق"، فالفرص الضائعة تمثلت في عدم وضع استراتيجية إن لم تنجح في الإطاحة به، فعلى الأقل تدفع لوقف التوحش، وإذا تجاوزنا الحراك الشعبي الذي كانوا يشرفون عليه، فإن فرصتين على الأقل ضاعتا دون استثمار حقيقي!

الفرصة الأولى: كانت عندما انقلبت على السيسي دوائره المؤيدة ممن كانوا ينتمون للثورة، لكنهم في الوقت ذاته خرجوا عليها في 30 يونيو ومثّلوا غطاء للثورة المضادة، بعد تفريطه في التراب الوطني. وكانت الدعوة لمظاهرات يوم الأرض، ولم تكن هناك فرصة بهذه الدرجة من الأهمية منذ وقوع الانقلاب للتحرك. وإذا كان الحديث دائما عن أن التحرك ينبغي أن يكون في معية القوى الأخرى، فهذه القوى حضرت بدواعي الدفاع عن التراب الوطني، وعندما قالت نخبتهم الفاسدة إنهم لن يشاركوا في مظاهرات سيشارك فيها الإخوان، حضر الشباب فاضطرت النخبة للحضور بهدف السيطرة. لكن على الطرف الآخر كانت اللجان الالكترونية التي تتحدث باسم الشرعية والمرتبطة بالأجهزة الأمنية، تدفع لمنع الناس من الحضور، وعلى قاعدة: "الدم أم الأرض"؟ وكيف لمن لم تحركهم الدماء التي أريقت في رابعة والنهضة أن تُقبل مشاركتهم في مظاهرات خرجت لتدافع عن مجرد حفنة من تراب؟!

وكانت هناك خطوة في عملية إفساد هذه المظاهرات هنا، عندما ذهبت إحداهن الى المظاهرات وهي تتشح بعباءة عليها إشارات رابعة، ووقفت بها على سلالم نقابة الصحفيين وسط المتظاهرين، وفي حضور أمني لم يمنعها ولم يقترب منها بعد ذلك، لكن شباب القوى المدنية كان مدركا لذلك فلم يدفعهم هذا الحضور المستفز للانصراف، فالشباب ليس محملاً بأوزار يحملها الكبار.

وتحرك البيت الأبيض مبكرا وصرح المتحدث الرسمي باسمه بأنه ينظر لما يجري في مصر عن كثب، لكن الأعداد لم تتجاوز الخمسة آلاف متظاهر ما أمكن من قدرة أجهزة الأمن على فض الاعتصام، فماذا لو حضرت الجماهير الغفيرة في هذا اليوم؟!

أما الفرصة الثانية فقد تمثلت في حضور محمد علي للمشهد، ولاقى خطابه تعاطف الكثيرين من كافة الأطياف السياسية، بل وممن يطلق عليهم حزب الكنبة، ودعا لمظاهرة يوم 20 أيلول/ سبتمبر ثم أخرى يوم 25 كانون الثاني/ يناير، وكان الشارع في المرتين جاهزا للتحرك في انتظار الطليعة التي لم تحضر، وسط دعاية مكثفة عن أن هناك انقلابا سيقع على الانقلاب، إذن فليتركوه يقع بدون مشاركة منهم!

والآن ما العمل؟!

والجواب: لا بد من انتظار مزيد من الفرص التي ستتبدد أيضاً، ما لم يأت الله بخلق جديد!