كتاب عربي 21

استثمار الخوف وتجديد السطوة.. النظام يرتدي كورونا!

1300x600
ضعف الإنسان وهشاشته، وعجز الأنظمة وأنماط التدبير التي طوّرها البشر؛ عن احتواء واعٍ لجائحة مثل "كورونا" فضلا عن توقّعها والاستعداد لها، وسقوط تلك الأنماط كلّها في الاختبار.. من العناوين الأساسيّة التي تغطّي معالجات الناس وانطباعاتهم لما هو جارٍ من أمر هذه الجائحة، ومواجهة الإنسان لها، إلا أنّها ليست العناوين الوحيدة، فمديح الأنظمة، والدول، وتدابيرها، عناوين أيضا تروج في الساحة العربية، إلى الدرجة التي يُقال فيها إنّ بعض بلادنا العربية سبقت الغرب في الاستعداد والتعاطي مع النازلة، وكما هي العادة، فإنّ بعضا من المروّجين لحسن تدبير الدولة ونظامها تغيب عنهم الفوارق بين دول صناعيّة وأخرى ريعيّة ليس لديها ما تبيعه للعالم، إلا عصا الشرطيّ التي تحجر الناس في بيوتهم!

لا تستثمر الدولة العربيّة الجائحة لإعادة تأهيل نفسها، وتجديد سطوتها وقهرها للجمهور، وإعادة إنتاج نخبتها والشرائح الاجتماعية والسياسية المرتبطة بها فحسب، وإنّما أيضا في تكريس تزييف وعي الجمهور، بإخراج صورتها بما يناقض حقيقتها وقصورها الفاحش، وهو أمر مندرج في إعادتها تأهيل نفسها. ومن ذلك أيضا تكثيف الدعاية، وإبراز المتزلّفين، الذين يسمّيهم بعضنا في بلادنا العربية بـ"المطبّلين" و"السحيجة"، و"شبيحة النظام" و"الوطنجيّة".

مثل هذا المسلك لا يُتوقّع منها غيره، وأخْذُ العِبر بالمفهوم الأخلاقي؛ خارج وعي السلطات السياسية في بلادنا العربيّة ولا حضور له في فاعليتها السياسية، وإنّما الحضور كلّه لتثبيت القديم، وتكريس السلطة، وإلا فلك أن تسأل عن تغطّي سلطات بعض تلك البلاد بأزمة الفيروس لتزيد من قمعها واعتقالاتها لأصحاب الرأي، والتفتيش عن كتابات قديمة للمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي مضى على بعضها أكثر من عقد من الزمان، ثمّ التنكيل بأصحابها!

أمّا الملفت، فهو الانحياز المجرّد من النقد لإجراءات تلك الأنظمة والسلطات في مواجهة الجائحة، ممن يُفترض أنهم معارضون، أو أصحاب موقف نقديّ إزاءها، الأمر الذي يشير إلى مركزيّة الخوف في تشكيل الإنسان، واستغلال المنظومة للخوف الطبيعي، لتعزيز قدراتها في الخوف المكتسب، لا سيّما وهي الخبيرة بأدوات التخويف، والتنويع عليها، لأجل إخضاع الجمهور، وتكريس السلطة.

في هذا السياق، ينسى الإنسان الجزوع أنّ السلطات السياسية في بلادنا العربية، على فرض إصابتها وإحسانها، تفعل واجبها، مما لا يقتضي كلّ هذا الشكر، إذ العلاقة تعاقديّة تفرض حقوقا وواجبات متبادلة، فكيف وهي علاقة قهر وتسلّط في أساسها ومسارها؟ ومن ينسى مثل هذه البدهية، فإنّه سيغفل عن كون السلطات السياسية، والدول وأنظمتها، تدافع عن وجودها بإجراءاتها المتعدّدة. فانهيار القطاع الصحي، من شأنه أن تتداعى له مجمل المنظومة القائمة بالانهيار.

ومن الواضح تماما، ومع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصّة بكلّ بلد، والسياسات الإدارية والاقتصادية في بلادنا وما يترتب عليها من ميزانيات للصرف، أنّنا في البلاد العربيّة الأقلّ قدرة في هذا العالم، على الموازنة بين حقوق الإنسان الأساسية المتصلة بحريته، واحتياجاته الاقتصادية، وبين التدابير الاحترازية التي قد تُقيّد شيئا من حركته.

ولا ينبغي والحال هذه استثمار ارتباك دول كبرى وقصورها في مواجهة الجائحة؛ للدفاع عن الأنظمة السلطوية في بلادنا، فلا يغيب عنّا في مجمل كتاباتنا الأثر النيوليبرالي في الدول الرأسمالية، الذي يجعل السياسات الربحية مُقدّمة على الكثير من التدابير الوقائيّة الممكنة، هذا فضلا عن قصور التدبير الإنساني عموما، مهما بلغ من العلوّ المادي والابتكار الإداري. ومع ذلك، فإنّ دولنا العربية، ربما باستثناء بعض تلك التي تملك نفطا تبيعه، أعجز من أن تحتوي التداعيات الاقتصادية الهائلة على مواطنيها، وهي وبالضرورة، سوف تعيد النظر قريبا في إجراءاتها حينما تجد أن مداخيلها الضريبية تتراجع لتوقف الحركة الاقتصادية في البلد، فأسهل الحلول في دول ريعية غير صناعية؛ قد لا تكون أفضل الحلول بالضرورة، فكيف إذا كانت حلولا أمنيّة خالصة، بلا معالجات اقتصاديّة، ولا استدراك جادّ على القصور الكبير في القطاع الصحّي.

وبالإضافة إلى الهدر، والفساد، والتبعية، وانعدام الشفافية، والقهر والتسلّط، بما ينجم عنه من سياسات إداريّة تجعلنا في ذيل الأمم، فإنّ اختلال ميزان الإنفاق لصالح الأمن، من الأسباب الأساسية في قصور قطاع الصحّة في بلادنا العربيّة، ولأنّ أخذ العبرة غير متوقع كما سلف قوله، فإنّ ما يجري الآن استثمار للجائحة للترويج لقوى الأمن، لا بالدعايات المتلفزة فحسب، ولكن أيضا بالتركيز على دورها في عمل أمنيّ صرف، أي حظر التجوال وعزل الناس في بيوتهم، وبنسبة أدوار أخرى لها، كتوفير عينات الفحص وما شابه، ممّا يفترض أنّه من صميم عمل الحكومات المدنية وأجهزتها الصحيّة. وفي المقابل، والحال هذه، تجد من يدعو لمزيد من القمع وتعزيز دور الأمن، حتى من بعض المعارضين، مما يدعونا للتأمل في أفاعيل الخوف بالناس!