مقالات مختارة

ماذا تريد القاهرة من الخرطوم؟

1300x600

زيارة خاطفة ومثيرة قام بها الأسبوع الماضي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني إلى القاهرة، بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب زيارة قام بها مدير المخابرات المصرية إلى الخرطوم، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الجنرال عبد الفتاح البرهان، بجانب نائبه الجنرال محمد حمدان دلقو الشهير بحميدتي، الذي يعدّ من أخطر اللاعبين في مسرح السياسة السودانية، فالرجل يقود جيشا موازيا للجيش السوداني تحت مسمى قوات الدعم السريع، وهي قوات ضاربة ذات قدرات قتالية عالية.


هناك في القاهرة وعلى ضفاف صحراء ورمال السياسة السودانية المتحركة، كانت الحكومة المصرية تنتظر حميدتي لاهثة محمّلة بعبء قضايا مُسهدة، أبرزها تطورات ملف سد النهضة، وتحفظ الخرطوم على مشروع قرار الجامعة العربية الذي يتضامن مع موقف القاهرة بشأن السد الإثيوبي. فبالرغم من أن مصر نجحت في نهاية الأمر في اعتماد مشروع القرار العربي دون تعديل، مع تسجيل السودان تحفظه رسميا، إلا أنها فوجئت بالموقف السوداني واتهمت الخرطوم بالسعى إلى إفراغ مشروع القرار من مضمونه.


لسان حال القاهرة وهي تسعى لترميم الموقف السوداني يقول لضيفها الجنرال المتنفذ حميدتي: لا نستطيع إهدار المزيد من الوقت فالقطار الإثيوبي قد تحرك. وفي الوقت ذاته تنشغل السلطة الانتقالية في الخرطوم بالتراجع الاقتصادي الذي سال جشاؤه سيلا عرما، وتتحرك ملتاعة وجلة في كل الاتجاهات بحثا عما يرفع عن البلاد إصرها وأغلال الضرورات المعيشية، التي جعلت من حياة السودانيين عبئا لا يطاق، وكم لعبت برأس الخرطوم خمر الوعود المشروطة بأثمان غالية.


الخرطوم تطمع في أن تساعد القاهرة في حث بعض العواصم الخليجية على الالتزام بتعهداتها المالية، بينما القاهرة تسعى لتعديل الموقف السوداني عبر المكون العسكري في السلطة الانتقالية، ويبدو أن الموقف السوداني الذي قاده المكون المدني عبر وزارة الخارجية السودانية، كان متأثرا بالتجاذبات الداخلية بين العسكريين والمدنيين؛ إذ إن الشق المدني برئاسة عبد الله حمدوك يعتقد أن مصر تنحاز للعسكريين ولا تثق في المدنيين، بينما يثير حفيظة القاهرة ما تراه ارتباطات وعلاقات متداخلة لحمدوك مع الإثيوبيين. فعمدت حكومة حمدوك إلى إرسال رسالة تحذيرية هزت القاهرة وباغتتها.


ولا يبدو أن نتائج زيارة حميدتي كانت مرضية لكلا الجانبين؛ فقد أبقى حميدتي موضوع سد النهضة في يد حكومة حمدوك، قائلا إن ملف المفاوضات تم إسناده لحكومة حمدوك لحله على قاعدة لا ضرر ولا ضرار. وعلى ما يبدو أن الدعوة المصرية كانت تستهدف في الأساس الجنرال عبد الفتاح البرهان، بيد أنه فضل ابتعاث حميدتي لعدم توقع الكثير من الجانب المصري، والتهرب من التورط في وعود بشأن سد النهضة.


أما إن كانت دعوة حميدتي للقاهرة مقصودة لذاته، فإن ذلك أمر تسنده عدة حقائق؛ فإذا ما تم استبعاد موضوع السد الإثيوبي منها، فإن اصطفاف القاهرة بجانب الجنرال خليفة حفتر الساعي لإزاحة الحكومة الشرعية في طرابلس بالقوة العسكرية المدعومة خارجيا، قد يكون أجندة رئيسية في دعوة حميدتي.


فحفتر في حاجة ماسة للرجال المقاتلين، وإن ذلك يمكن توفيره باستنساخ تجربة مشاركة قوات حميدتي في حرب اليمن، ويمكن للقاهرة أن تقنع حميدتي بهذا الأمر. ومعلوم أن قوات الدعم السريع عبارة عن مليشيا شكلها الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وجعل منها قوة ضاربة للتتصدي لمواجهة الحركات المسلحة في دارفور، ثم لاحقا مثلت حجر الزاوية في القوات السودانية في اليمن.


وربما القاهرة تفكر في أبعد من هاتين المسألتين -سد النهضة ودعم حفتر-، مثل صياغة أوضاع سياسية جديدة في السودان تغازل طموحات العسكريين ورغباتهم، وتستبعد اليسار الذي تمثله حكومة حمدوك. وفي الوقت ذاته تضمن الترتيبات الجديدة للقاهرة قيام نظام سياسي موثوق به يراعي مصالحها لاسيما سد النهضة. وفي هذا السياق، يمكن قراءة لقاء حميدتي بزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني محمد عثمان الميرغني الذي يدين حزبه بالولاء التقليدي لمصر.


ورغم أن أحد قادة الميرغني تحدث في حضور حميدتي واصفا زيارته لزعيم الحزب المقيم بالقاهرة، بأنها "زيارة ذات دلالات ومعان ورسائل لمن يفهم، لأنها جاءت في توقيت مهم للغاية". إلا أن حميدتي حاول في كلمة مقتضبة أن ينفي أي ظلال سياسية لزيارته للميرغني، قائلا إنها "مجرد زيارة اجتماعية لا نهدف من ورائها أي غرض سياسي". لكن لا يمكن إلا أن يضع أي مراقب هذه الزيارة في إطار سياسي.


فهل بالفعل أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن زيارة حميدتي للقاهرة ليس كما أعلن رسميا أنها بحثت قضايا الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بجانب استئناف أعمال اللجان الوزارية المشتركة بين البلدين، والقضايا التي تهم الجالية السودانية بمصر؟

 

(الشرق القطرية)