قضايا وآراء

النفط وفوضى الأسعار

1300x600

من المعروف أن العربية السعودية تعوم على بحر من النفط، ومن ثم تعدّ أكبر مُصدّر للذهب الأسود في العالم، كما أنّ السعودية لديها ميزة التكلفة المنخفضة جدا لاستخراج النفط، مقارنة مع دول نفطية أخرى مثل فنزويلا.


منظمة أوبك OPEC وهي اختصار لمنظمة الدول المصدرة للبترول، وتضم في عضويتها ثلاثة عشر عضوا، هم كل من السعودية، الكويت، الإمارات، العراق، إيران، ليبيا، الجزائر، فنزويلا، نيجيريا، الغابون، الكونغو، أنغولا، غينيا الاستوائية، وقد تم تأسيس منظمة أوبك في البداية تحديدا عام 1960 من قبل خمس منتجين للنفط هم العراق، الكويت، السعودية، إيران، فنزويلا. ومن ثمّ انضم باقي الأعضاء في أزمان مختلفة، فكانت كل من قطر و إندونيسيا عضوين أيضا، قبل أن تعلق عضوية إندونيسيا في عام 2016 وانسحاب قطر من المنظمة في عام 2019.


كان الهدف من وراء إنشاء منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك (كما هو مذكور على موقع المنظمة)، تنسيق السياسات البترولية للدول الأعضاء وتوحيدها، للمحافظة على أسعار عادلة للدول المُصدّرة، ولضمان تأمين احتياجات الدول المستهلكة من النفط بشكل كفؤ و فعّال، لذلك دأبت الدول الأعضاء في المنظمة على محاولة عمل توازن بين المعروض والمطلوب من نفطها، لتجنّب انهيار الأسعار بشكل مُفاجئ، ذلك أن معظم تلك الدول تعتمد في ميزانياتها على الدخل المُتأتي من النفط، لذلك أي انخفاض حاد في الأسعار العالمية للنفط يُترجم إلى عجز في موازانات الدول بالضرورة.

 

ومن ثم، انكماش أو تعليق بعض من المشاريع الرأسمالية المخططة في الميزانية لتعويض العجز الحاصل في واردات النفط المالية.


إلاّ أنه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ سوق النفط يضم دولا من خارج أوبك، وهي دول مهمة وتتمتع باحتياطيات كبيرة من هذه الدول، مثل: كندا، الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج، روسيا وغيرها، لذلك كان لا بدّ لمنظمة أوبك من أنْ تُنسّق جهودها مع بعض الدول من خارج المنظمة، منها روسيا، فظهر مؤخرا كارتيل أطلق عليه (أوبك+)، و هي عبارة عن دول المنظمة الثلاث عشرة، بالإضافة إلى روسيا، وعليه أصبحت روسيا تنسّق مع أوبك، وتشارك في بعض اجتماعاتها لتوحيد الجهود من أجل صيانة هدف المنظمة الواضح والمعلن. ومن المعلوم أن الوصفة التي تتبعها المنظمة لرفع الأسعار السائدة في السوق، هي تخفيض الإنتاج؛ أي المعروض في السوق لحين موازنة الأسعار؛ تحقيقا لهدف المنظمة المذكور آعلاه.


فوضى الأسعار الأخيرة حدثت عندما لم يتم الاتفاق فيما بين أعضاء أوبك من جهة وروسيا من جهة أخرى، حيث كان الاقتراح أنْ يتم تخفيض الإنتاج بمقدار مليون ونصف المليون برميل يوميا، مُضافة إلى حزمة تخفيض سابقة، كان قد توافق جميع الأطراف عليها سابقا والتزموا بها.


عندها نشب خلاف كبير بين المملكة العربية السعودية بحكم قيادتها التقليدية للمنظمة، وبين روسيا بسبب رفض روسيا الالتزام بالتخفيض الذي اقترحته أو قررته المنظمة، فقد حدا ذلك السعوديـة إلى ردّ انفعالي، من خلال الدخول في حرب أسعار والتهديد بزيادة الإنتاج لديها؛ من خلال فتح صنابير النفط بأقصى طاقتها، وعمل تخفيضات لزبائن جُدد في أوروبا، يُعدّون تاريخيا زبائن لروسيا، مراهنة -أي المملكة- على أن روسيا لن تحتمل انخفاض الأسعار لـ 20 دولارا فقط، في حين أنّ المملكة -كما قلنا- تتمتع بميزة التكلفة المنخفضة جدا لاستخراج وتصنيع برميل النفط.

 

لذلك، حدث ما لا يُحمد عقباه؛ حيث هوت أسعار النفط إلى عشرين دولارا للبرميل، ولا أحد يستطيع أن يجزم إلى أي حد ستمضي الأسعار في السوق العالمية إذا استمرت الأزمة، يُضاف إلى هذا، الحرب المستعرة بالرعب من فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، بدءا من الصين التي تُعدّ مصنع العالم، ما أدّى إلى انخفاض الإنتاج الصناعي للصين بشكل حاد، ناهيك عن انخفاض تجارة النقل البري والبحري والجوي، نتيجة لتباطؤ الاقتصاد العالمي من جهة والظروف التي تعيشها الكرة الأرضية بفعل فيروس كورونا من جهة أخرى.

 

ولمعرفة من يستطيع الصبر أكثر السعودية أم روسيا؟ لا بدّ من تحليل اقتصاد كل من عملاقي النفط، فأفضلية روسيا أنّ النفط و الغاز يشكل بحدود 40 % من ناتجها المحلي، في حين أن النفط يشكل أكثر من 70% من اقتصاد المملكة. من ناحية أخرى كلا الدولتين تتمتع باحتياطيات نقدية تفوق 500 مليار (بليون) دولار، يمكن استخدام جزء منها لتغطية الخسائر الناجمة عن هذه الفوضى. يبقى أنّ لدى السعودية أفضلية في تكلفة إنتاج النفط التي تقلّ عن 10 دولارت للبرميل، في حين أنّ استخراج برميل النفط يُكلّف روسيـا حوالي 20 دولارا.


المستفيدون والمتضررون: هناك من استفاد كثيرا من هذه الحرب في الأسعار، وهم بالطبع المستهلكون؛ خصوصا الدول الصناعية الفقيرة نفطيا، ومن أهمها الصين، اليابان، الهند، وغيرها. أما المتضررون، فلا شك أنهم المنتجون من أعضاء أوبك وخارجها، وأهمهم روسيا، الطرف الثاني في الخلاف.

 

هناك طرف ثالث يتأثر بحرب الأسعار تلك، وهم شركات إنتاج النفط من الصخر الزيتي Shale Oil؛ فمن المعلوم أنّ الولايات المتحدة تتربع على صدارة الدول المنتجة للنفط، بعد تطويرها تقنية استخراج النفط من الصخر الزيتي، إلاّ أن عملية استخراج النفط هنا تختلف عن الطريقة التقليدية، إذ يتحمّل المنتجون تكاليف إضافية تتعلق بالعمالة الزائدة والنقل والعمر المفترض لحقول الصخر الزيتي التي تستغلها الشركات الأمريكية، هذه التكلفة تتراوح بين 40 دولارا في أحسن الحالات إلى 90 دولارا في أضعفها، ويعتمد ذلك على عمر الحقل أو البئر، والكمية التي يمكن استغلالها قبل نضوبها. لذلك؛ فإنّ تلك الشركات تزيد من إنتاجها إذا كانت الأسعار مرتفعة أو معقولة، وتتوقف عن الإنتاج في حال انخفض السعر بشكل حادّ كما هو الحال الآن.


قد يتبادر إلى الذهن أنّ هناك اتفاقا بين المملكة وأمريكا للتأثير سلبا على اقتصاد روسيا، أو اتفاقا بين عملاقي النفط؛ المملكة العربية السعودية وروسيا من أجل إبعاد شركات الصخر الزيتي من السوق. ولكن بغض النظر إنّ كان هناك اتفاق من عدمه، فإنّ من مصلحة الاقتصاد العالمي بقاء سوق النفط مستقرا، وذلك من خلال التزام أعضاء أوبك وحلفائها بتحقيق الهدف المعلن للمنظمة، الذي أنشئت من أجله أصلا.


ختاما؛ إلى أي مدى ستستمر هذه الأزمة؟ هو سؤال نعتقد أنّ الولايات المتحدة تستطيع الدفع باتجاه إنهاء الأزمة وفوضى الأسعار، من خلال التأثير الذي تتمتع به لدى الطرفين، فالرئيس الأمريكي الآن بين مطرقة الإيفاء بوعوده الانتخابية بتخفيض أسعار المشتقات النفطية وسندان شركات الصخر الزيتي الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ستعلن إفلاسها، وتأثير ذلك على الاقتصاد الأمريكي برمته.