سياسة عربية

"عربي21" تنشر تفاصيل الانتهاكات بحق قضاة مصر بعد الانقلاب

محاكمات الرأي للقضاة تنطوي على انتهاك خطير لحرية الرأي التي كفلها الدستور المصري- أرشيفية

* مصطلح (قضاة من أجل مصر) تم استخدامه لتصفية كل القضاة المُطالبين بإصلاح منظومة العدالة

 

* مجلس إدارة نادي القضاة قدّم لأول مرة بلاغات ضد القضاة وأحمد الزند حرّض ضدهم أجهزة الدولة وجهات التحقيق

 

* الأخطر في القضية هو بطلان إجراءات ندب واختيار قاضي تحقيق وثيقة الصلة برئيس نادي القضاة السابق

 

* قانون السلطة القضائية يحظر الاشتغال بالسياسة للقضاة مثل العمل الحزبي ولم يحظر عليهم إبداء الآراء

 

* إحالة 70 قاضيا لمجلس التأديب والصلاحية بسبب آراء صدرت عنهم يُشكل عدوانا على استقلال القضاء ومذبحة لهم

 

* تم منع القضاة المُحالين للتأديب من السفر للخارج وتم حرمانهم من المستحقات المالية وتم التشهير بهم

 

* المحاكمة تعارضت مع مبدأ المساواة فلم تتم محاسبة كل القضاة الذين أبدوا آراء في الشأن العام

 

* من يؤيد النظام مازال يظهر في الإعلام ويتحدث في الشأن السياسي وتم نقلهم للأماكن المتميزة في العمل القضائي

 

* مجلس تأديب لم يمنح القضاة المعزولين فرصة كافية للدفاع بل سمح لكل قاض بدقيقتين فقط

 

* رئيس المجلس الأعلى للقضاء أصر على مناقشة كل قاض على حدة وفي غياب باقي القضاة وهذا تعارض صارخ لقواعد العدالة

 

* ظهرت للمرة الأولى ظاهرة تلفيق القضايا للقضاة.. وحدث تدمير شامل لأسر بأكملها

 

* القاضي أحمد الخطيب قدّم للسيسي مبادرة بعدم إصدار القرار الجمهوري بعزل القضاة لكنه رفض المبادرة

 

* رئيس المجلس الأعلى للقضاء رفض التصريح للقضاة المعزولين بالحصول على صورة رسمية من الحكم حتى لا يجدوا عملا

 

* تم تغيير مواعيد بعض الجلسات وتقديم موعدها دون إعلان القضاة بالموعد الجديد.. ولم يتم النطق بالحكم في جلسة علنية

 

حصلت "عربي21" على أوراق كتبها مجموعة من القضاة المصريين بخط يد أحدهم، لتوثيق الانتهاكات التي حدثت بحقهم وحق زملاء آخرين لهم عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، مؤكدين أن "المحاكمات التي تعرضوا لها، والإجراءات التي حدثت ضدهم باطلة جملة وتفصيلا".

وقال القضاة: "تم استخدام مصطلح (قضاة من أجل مصر) لتصفية كل القضاة المُطالبين بإصلاح منظومة العدالة والداعين لاستقلال القضاء، ومع من اختلف مع مجلس إدارة نادي القضاة (حينها)، وتم الزج بهم تحت ذلك المسمى، رغم أن أعضاء تلك الحركة معروفون إعلاميا وشخصيا بإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر، وظهورهم في وسائل الإعلام كافة ومؤتمرات تلك الحركة، والإعلان عن عضويتهم بتلك الجماعة، وتمت محاكمتهم وإحالتهم للمعاش".

وأضافوا: "إلا أن مجلس إدارة نادي القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند، الذي تولى وزارة العدل بعد ذلك، استغل الصراع السياسي الداخلي واعتبار حركة (قضاة من أجل مصر) موالية لجماعة الإخوان المسلمين، وقام بتقديم بلاغات ضد أعضاء مجلس إدارة النادي السابق على رئاسته، وخصمه الانتخابي، وأضاف إليهم أتباعهم وخصومه، وأصحاب الفكر الإصلاحي الداعم لاستقلال القضاء".

"سابقة خطيرة"

واستطرد القضاة قائلين في مذكرتهم: "في سابقة خطيرة لم تحدث من قبل، قام مجلس إدارة نادي القضاة بتقديم البلاغات ضد القضاة، وكان رئيس النادي يحرض ضدهم أجهزة الدولة وجهات التحقيق في وسائل الإعلام".

وأشاروا إلى أنه "تم اختيار قاضي تحقيق وثيق الصلة برئيس نادي القضاة، وهو المستشار محمد شرين فهمي، الذي اعتمد في التحقيقات على حوارات صحفية وإعلامية للقضاة، تعلقت بأمور قانونية ودستورية وانتخابية تتصل بالشأن العام، وتمت محاسبة القضاة عليها، وذلك بالمخالفة لنص المادة 73 من قانون السلطة القضائية المصري، الذي جاء صريحا بحظر الاشتغال بالسياسة للقضاة مثل العمل الحزبي ولم يحظر عليهم إبداء الآراء، وكان صريحا عندما قصر حظر إبداء الرأي السياسي على المحاكم بوصفها كيانات، ولم يُحظر إبداء الرأي على القضاة".

وشدّدوا على أن "محاكمات الرأي للقضاة تنطوي على انتهاك خطير لحرية الرأي التي كفلها الدستور ونص على وجوب صيانتها، خاصة أنها لم تشكل تحريضا على عنف أو ارتكاب جريمة أو سب وقذف لأي فرد أو جهة".

وتابعوا: "تلك المحاكمة تعارضت مع مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات المنصوص عليه بالدستور وقانون السلطة القضائية، لأن المساواة تقتضي محاسبة كل من أبدى رأيه في الشأن العام، ولكن ما حدث هو الكيل بمكيالين، ومحاسبة من اختلف مع النظام أو نادي القضاة، ولكن من يؤيد (النظام) مازال يظهر في الإعلام ويتحدث في الشأن السياسي، بل ويتم نقلهم إلى الأماكن المتميزة في العمل القضائي ووزارة العدل".

وقالوا: "تمت محاسبة القضاة على آراء صدرت في وسائل الإعلام كانت في فترة وجودة مجلس أعلى للقضاء كان يسمح للجميع بالظهور، وتغاضى عن الحظر المفروض على القضاة إعلاميا، بدليل أنه لم يتخذ أي إجراء في أثناء فترة ولايته ضد أي قاض، سواء كان معارضا أو مؤيدا؛ فالمجلس المختص آنذاك وافق على ظهور القضاة، ولا يمكن أن يظل ذلك سيفا على رقبة القضاة يقوم أي مجلس لاحق بمحاسبتهم على سلوك وافق عليه سلفه".

ولفتوا إلى "عدم اتخاذ أي إجراءات بشأن البلاغات المُقدمة ضد أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة ومؤيديهم، واستمرار ظهورهم إعلاميا والحديث في السياسة، وهو ما يؤكد أننا لسنا أمام محاكمة بسبب الحديث الإعلامي أو السياسي، وإنما هي محاكمة تبتعد عن الموضوعية أو المعيار الواضح الواجب تطبيقه على القضاة كافة دون تفرقة، لإعلاء مفاهيم العدالة بين القضاة".

"بطلان إجراءات الندب"

وأضافوا: "الأخطر في تلك القضية هو بطلان إجراءات ندب واختيار لقاضي التحقيق المستشار محمد شيرين فهمي، لأن نص المادة 65 من قانون الإجراءات الجنائية، الذي جعل سلطة التحقيق للنيابة العامة أو قاض يتم ندبه لذلك، بمعرفة القضاة أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة التابع لها ذلك القاضي وليس رئيس المحكمة الذي يختاره، وما حدث هو اختيار رئيس المحكمة له وليس أعضاء الجمعية العمومية، ولم يتم تفويضه في اختيار قاضي التحقيق، وذلك وفقا للقانون المعمول به آنذاك، وهو ما يجعل إجراءات التحقيق وما نتج عنها باطلا".

وأشاروا إلى "تنحي قاضي التحقيق عن مباشرة التحقيقات بالنسبة لأحد القضاة، وهو المستشار زكريا أحمد عبد العزيز (رئيس نادي القضاة الأسبق)، بينما باشر التحقيقات بالنسبة لباقي القضاة، وهي مخالفة لم تحدث من قبل، حيث يجب أن يشمل التنحي القضية بأكملها طالما هناك علاقة أوجبت عليه التنحي لبعض أطرافها وعدم حياده، نظرا لتعارض مواقف القضاة المُحالين للتأديب وتأثير بعضهم على الآخر، وهو ما يفرض على قاضي التحقيق ألا تكون له أي علاقة بأي من القضاة الذين يتم التحقيق معهم، وقد ثبت بذلك التنحي وجود علاقة له مع المستشار الذي تنحى بسببه، الأمر الذي تكون معه إجراءات التحقيق وما نتج عنها باطلا".

وأسماء المستشارين الذين تمت إحالتهم وقتها لمجلس التأديب والصلاحية، هم: المستشار أحمد منير خطيب، والمستشار محمد وائل فاروق، والمستشار حسن النجار، والمستشار محمد ناجي دربالة، والمستشار بهاء طه الجندي، والمستشار أيمن الورداني، والمستشار محمد عبدالحميد حمدي، والمستشار أيمن مسعود علي، والمستشار أسامة عبدالرؤوف، والمستشار علي الدين مرزوق، والمستشار حاتم مصطفى إسماعيل، والمستشار محمد عوض عبدالمقصود، والمستشار نور الدين يوسف، والمستشار هشام حمدي اللبان، والمستشار محمد الأحمدي مسعود.

"انتهاكات مجلس تأديب القضاة"

وتشير الأوراق، التي حصلت عليها "عربي21"، إلى أن "القضاة المعزولين، قاموا بعمل استئناف على حكم مجلس تأديب أول درجة، وذلك أمام مجلس التأديب الأعلى برئاسة رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وعضوية النائب العام، وبعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن ذلك المجلس لم يمنح للقضاة المعزولين فرصة الدفاع الكافية، حيث سمح رئيس المجلس لكل قاض بدقيقتين فقط للدفاع، وهي فترة قصيرة جدا، لا تكفي لمجرد تلاوة ما هو منسوب لكل قاض أو إبداء دفاعه عن نفسه".

وأوضح القضاة أن "رئيس المجلس الأعلى للقضاء أصر على مناقشة كل قاض على حدة وفي غياب باقي القضاة، وهو تعارض صارخ لقواعد العدالة، حيث يجب مناقشة الجميع في المواجهة، نظرا لتعارض مواقف البعض وارتباط القضية في مواضع منها".

 

اقرأ أيضا: هذه دلالات براءة نجلي مبارك من آخر القضايا ضدهما

ونوهوا إلى "رفض رئيس المجلس حضور وكلاء عن قضاة لم يحضروا رغم وجود توكيلات موثقة معهم، وهو إخلال صريح لقواعد الوكالة في المثول أمام المحاكم".

وأكدوا أن "المجلس الأعلى للقضاء رفض طلب تنحي ورد أحد أعضاء المجلس رئيس محكمة استئناف القاهرة، المستشار أيمن عباس، تأسيسيا على أنه سبق أن أبدى رأيه في تلك القضية عند الموافقة على إحالة القضاة للتأديب، وذلك بالمخالفة لصريح القانون الذي يفرض على القاضي التنحي إذا اتصل علمه بالقضية، أو أبدى فيها رأيا قبل ذلك".

وذكروا أن "مجلس التأديب قرّر تأجيل الجلسة لمدة أسبوع لكتابة المذكرات، وحضر القضاة في الساعة التاسعة صباحا، وانتظروا بالمكتبة حتى الساعة الرابعة منتظرين إخطارهم بموعد الجلسة ومكان انعقادها، وفق ما جرى عليه العادة وقواعد العمل، نظرا لتغيير مكان انعقاد الجلسة في كل مرة، وعدم تحديد موعد ثابت لانعقادها.

إلا أن المجلس انعقد دون إخطار القضاة بمكان الجلسة وميعادها، وعندما علم القضاة صدفة بوجودهم في أحد القاعات، توجهوا إلى تلك القاعة ورفض رئيس مجلس التأديب مقابلتهم أو إثبات حضورهم، أو مجرد قبول المذكرات المقدمة منهم، بل وتعمد إثبات عدم حضورهم بمحضر الجلسة، وفوجئ القضاة بأن سكرتير الجلسة يخرج عليهم ومعه بعض الضباط لإخبارهم برفض إثبات حضورهم، وأن رئيس المجلس قرّر حجز الدعوى للحكم، وعدم قبوله للمذكرات المطلوبة من القضاة بالجلسة السابقة".

"أخطر الانتهاكات"

ويقول القضاة الذين تم التنكيل بهم، في مذكرتهم، إن أخطر الانتهاكات الحقوقية والإنسانية للقضاة، تمثلت في "منع القضاة المُحالين للتأديب من السفر للخارج عن وقائع تأديبية خاصة بالعمل، رغم تعارض ذلك مع الدستور والقانون الذي كفل حرية التنقل، والحرمان من المستحقات المالية لبعض القضاة، وخصم القدر الأكبر منها لقضاة آخرين دون معيار لذلك، وبالمخالفة لقانون السلطة القضائية الذي نص صراحة، على حصول القضاة المُحالين للتأديب على مستحقاتهم المالية كافة دون خصومات".

ومن بين أخطر الانتهاكات أيضا: "رفض بعض رؤساء المحاكم صرف المبالغ المحكوم بها من دائرة طلبات القضاة فيما يتعلق بالمستحقات المالية، رغم أنها أحكام قضائية واجبة النفاذ، تتعلق بمبالغ محكوم بها وسابقة على الإحالة للتأديب".

وأشاروا إلى أنه "يترتب على العزل والإحالة للمعاش المبكر، عدم صرف مكافأة نهاية الخدمة والصناديق الخاصة بالقضاة، كما يترتب على ذلك عدم القيد بنقابة المحامين والاشتغال بمهنة المحاماة التي لا تقبل القضاة، إذا كانت نهاية خدمتهم بإجراءات تأديبية".

وتابعوا: "هذا الأمر يُعد تدميرا شاملا لأسر بأكملها بسبب تعبير عن رأي كان حقا يمارسه القضاة كافة بموجب الدستور والقانون، ولأنه تمت معاقبة مجموعة وتُرك آخرون مارسوا السلوك نفسه، فضلا عن عمليات التشهير الإعلامي بالقضاة المُحالين، وتسريب أسرار التحقيقات للصحف ووسائل الإعلام كافة، بمعرفة قاضي التحقيق الذي مارس علانية الظهور الإعلامي، في الوقت الذي كان فيه يحقق مع القضاة بسبب ظهورهم إعلاميا".

ولفتوا إلى أنه تم "رفض حظر النشر في تلك القضية، واستمر التشهير بالقضاة رغم تطبيق ذلك المبدأ في قضايا جنائية ضد بعض القضاة مثل الاتجار في الآثار، والرشوة الجنسية"، مضيفين: "في بعض الوقائع الجنائية المنسوبة للقضاة مثل قاضي الرشوة الجنسية، يتم مراعاة البعد الإنساني معه وتركه يقدم استقالته، وبذلك يتفادى إجراءات التأديب والمحاكمة الجنائية، ويحصل على مكافأة نهاية الخدمة والصناديق الخاصة بالقضاة، ويمكنه القيد بنقابة المحامين".

وأوضحوا أنه تم "حرمان القضاة في أثناء التحقيقات والمحاكمات من الخدمات الصحية والعلاجية كافة، بالمخالفة للمعمول به والمقرر قانونا من حقهم وأسرهم في الانتفاع بها باعتبارهم قضاة، ولم تنقطع صلتهم بالوظيفة لعدم صدور حكم نهائي ضدهم، و(كانوا) مازالوا رهن المحاكمة".

وأشاروا إلى "رفض مخاطبة الجهات الإدارية بالدولة فيما يخص أمور القضاة في أثناء التحقيقات والمحاكمة التأديبية، مثل مصلحة الأحوال المدنية عند تجديد البطاقة الشخصية بعد انتهاء مدة سريانها، وهي من أهم المستندات اللازمة لتسيير أمور الحياة في البلاد. وإمعانا في الاضطهاد، تم استبعاد أبناء القضاة المُحالين للتأديب من العمل في المجال القضائي، سواء في النيابة العامة أو موظفين في المحاكم، رغم تعيين باقي القضاة في تلك الوظائف".

"بدء ظاهرة تلفيق القضايا للقضاة"

وتؤكد الأوراق أنه ظهرت ما وصفته بظاهرة تلفيق القضايا للقضاة، حيث "تمت إحالة المستشار أحمد منير خطيب للتأديب والصلاحية مرة أخرى، بالإضافة إلى قضية قضاة من أجل مصر، وذلك للاعتراض على تدخل نادي القضاة وممارسة الضغوط عليها لاختيار وزير عدل تابع له، وثابت ذلك التدخل الصريح من خلال تصريحات إعلامية صادرة عن بعض أعضاء مجلس إدارة النادي، الذي كان يرأسه المستشار أحمد الزند وزير العدل السابق".

وتضيف: "رغم أن ما قرره المستشار الخطيب بالتحقيقات وبتصريحاته الإعلامية، أنه لا يجوز للسلطة القضائية التدخل في عمل السلطة التنفيذية، التي تختص بتعيين وزير العدل، وكذلك لا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل في عمل السلطة القضائية إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات، ولأن الدستور والقانون لم يمنح الحق لنادي القضاة في إبداء الرأي في تعيين وزير العدل".

وتذكر الأوراق أن "دور نادي القضاة هو تقديم الخدمات للقضاة، ولا يجوز أن تُسيطر مجموعة انتخابية على وزارة العدل، وما تقوم به من إشراف على القضاة أو تقديم خدمات طبية أو اجتماعية يفرض عليها الحياد بعيدا عن الصراعات الانتخابية على مجلس إدارة النادي".

وقالت: "قدّم المستشار الخطيب لقاضي التحقيق المستشار شيرين فهمي، وهو الصديق المُقرب لرئيس نادي القضاة حينها التصريحات كافة، الصادرة عن مجلس الإدارة في الصحافة والإعلام، التي تؤكد تدخلهم لتعيين وزير عدل مُعين تابع لهم، وأن تصريحات الخطيب كانت لاحقة عليهم للحفاظ على حياد منصب وزير العدل، إلا أنه وفي القضية ذاتها تم ترك مجلس إدارة النادي ومحاسبة الخطيب فقط".

وأوضحوا أنه تمت "إحالة عدد من القضاة لوظائف غير قضائية واستبعادهم من العمل في القضاء بسبب انتقاد بعض الأوضاع داخل مؤسسة القضاء على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وذلك رغم قيام آخرين بالكتابة، وهو ما يؤكد أنها محاكمات لنوع الرأي وليس مجرد مخالفة الكتابة ذاتها، وهم: القاضي محمد عثمان، والقاضي محمد السبروت، والقاضي مدحت الملط".

وذكروا أنه "تم حبس القاضي أمير عوض في أثناء مثوله أمام مجلس التأديب الأعلى برئاسة رئيس مجلس القضاء، المستشار أحمد جمال الدين، حيث كانت الجلسة قد انتهت الساعة السادسة مساء، وأصر رئيس المجلس أن تكون الجلسة التالية باكر اليوم التالي، وهو ما اعترض عليه المستشار أمير عوض، وطلب منه موعدا آخر، لأن الوقت تأخر ويصعب السفر خارج القاهرة والعودة مرة أخرى باكرا، وسخر منه رئيس المجلس وطلب منه المبيت في الشارع".

واستطردوا قائلين: "رد المستشار أمير أن هذا الرد لا يليق بشيخ القضاة، الذي أصدر أوامره للحرس بالقبض عليه وإحالته للتحقيق، وتم حبسه رغم أنه ما يزال قاضيا ويتمتع بالحصانة القضائية، ويمثل أمام مجلس تأديب وليست محاكمة جنائية".

وتابعوا: "تمت إحالة رئيس نادي قضاة مصر السابق، المستشار زكريا أحمد عبد العزيز، إلى مجلس التأديب والصلاحية بموجب شكوى خصمه الانتخابي مجلس إدارة نادي القضاة، عن واقعة اقتحام مقر أمن الدولة في أثناء ثورة 25 يناير، رغم شهادة الرموز السياسية والإعلامية كافة، وما ثبت في التصريحات الصحفية، أنه تمت دعوته من المجلس العسكري الحاكم للتو جه إلى مقر أمن الدولة لتهدئة الشباب الثائر، والحفاظ على المستندات الموجودة في المقر آنذاك".

وأضافوا: "إلا أنه رغم ذلك، تم إحالته والتضيق عليه في سماع شهوده أو إبداء دفاعه، وصدر الحكم بإحالته للتقاعد وعزله، وفي الاستئناف لم يتم إعلامه بميعاد الجلسة، وطُرد أحد المستشارين، الذي أراد الحضور نيابة عنه لطلب التأجيل، وصدر الحكم في الجلسة ذاتها وكتابته بتأييد إحالته للمعاش".

"مذبحة قضائية"

وأشاروا إلى "إحالة المستشارين عاصم عبد الجبار (نائب رئيس محكمة النقض)، والمستشار هشام رؤوف (رئيس محكمة استئناف القاهرة) للتحقيق بسبب الاشتراك في ندوة عن مكافحة التعذيب، وذلك بأحد المراكز الحقوقية رغم عدم وجود مخالفة في ذلك، وحضور قضاة آخرين ندوات ومؤتمرات دون أي مساءلة".

كما لفتوا إلى "إحالة المستشار زكريا شلش (رئيس بمحكمة استئناف القاهرة) إلى مجلس التأديب والصلاحية لإبداء رأيه في أحد البرامج التلفزيونية بالاعتراض على تدخل المستشار أحمد الزند (رئيس نادي القضاة آنذاك) في اختيار وزير للعدل موال له، والاعتراض على من رشحته الدولة، وثبت تدخل بعض أعضاء إدارة النادي من خلال تصريحات صحفية وإعلامية، ولم يتم محاسبتهم على ذلك التدخل في عمل السلطة التنفيذية، وظهورهم الإعلامي، واقتصرت المحاسبة على المستشار شلش".

وقالوا: "تمت إحالة المستشار أحمد طلعت (قاضي بمحكمة بنها الابتدائية) إلى مجلس التأديب والصلاحية بسبب الاعتراض على بعض أحكام روؤساء المداولة، وذلك رغم توقيعه عليها والموافقة على رأي الأغلبية، وأيضا بسبب آرائه على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقاد نادي القضاة المستشار محمد النجار (رئيس نيابة بالأموال العامة)، تمت إحالته إلى مجلس التأديب والصلاحية، وذلك لخلافات خاصة مع رئيس نادي القضاة حينها المستشار أحمد الزند، حيث حقق في واقعة كان مُتهما فيها، وهي الاستيلاء على أرض بمنطقة العلمين".

ونوّهوا إلى أنه تمت "إحالة 70 قاضيا ومستشارا لمجلس التأديب والصلاحية بسبب آراء صدرت عنهم، والإحالات كانت تتم بمعرفة وزير العدل التابع للسلطة التنفيذية، مما يشكل عدوانا على استقلال القضاء ومذبحة لهم".

"مبادرة المستشار أحمد الخطيب"

وتكشف الأوراق، التي تنفرد "عربي21" بنشرها، أن رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، المستشار أحمد الخطيب، أطلق مبادرة لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي يطالبه بعدم إصدار القرار الجمهوري بعزل القضاة، باعتباره صاحب الحق في التصديق على قرارات الإحالة للتقاعد، وذلك من خلال بعض الشخصيات العامة التي توسطت لحل تلك الأزمة، باعتبار أن صلاحياته لم يقيدها القانون بضرورة الموافقة".

وكانت تهدف مبادرة الخطيب إلى أن يقوم السيسي باعتبار أن "ما تم هو جزاء إداري، وباعتبار أنه يمكنه العفو عن العقوبة الجنائية، ومن باب أولى العقوبة التأديبية، وذلك احتراما لحرية الرأي التي كفلها الدستور، ولعدم وقوع مذبحة قضائية تُنسب إلى عهده، خاصة أن مبدأ المحاسبة لم يشمل القضاة المؤيدين للسلطة، وأن القضاة المعزولين ليسوا في خصومة مع الدولة، ولم يصدر عنهم أية جرائم جنائية أو تحريض على العنف، وأن أغلبهم ضحية لآراء قانونية ومن أجل الدفاع عن استقلال القضاء، وفي خصومة مع نادي القضاة مُقدم البلاغات، والمؤيد للسلطة، وتوجد خلافات قديمة مع مجلس إدارته بسبب الصراعات الانتخابية، إلا أن هذه المبادرة لم تلق قبولا، وصدر القرار الجمهوري بعزل القضاة كافة".

وتضيف الأوراق: "تم عزل المستشار هشام جنينة (رئيس محكمة استئناف القاهرة ووكيل نادي القضاة في فترة رئاسة المستشار زكريا أحمد عبد العزيز)، وذلك بإقالته من آخر منصب كان يشغله، وهو رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك بعد تصريحاته عن حجم الفساد وكشف العديد من المخالفات المالية في أثناء رئاسته، لذلك الجهاز الرقابي المنوط به كشف المخالفات المالية في الجهاز الإداري للدولة، وذلك بعد حملات إعلامية قوية نالت منه، وكان يوم عزله هو ذاته يوم عزل باقي قضاة الاستقلال من سلك القضاء".

وأردفت: "تمت إحالة المستشار جنينة للمحاكمة أمام نيابة أمن الدولة بتهمة إشاعة أخبار كاذبة عن حجم بدلا من التحقيق فيما أثاره من مخالفات بتقارير الجهاز التي لا يقوم بإعدادها بنفسه، وإنما من خلال إدارات ولجان متخصصة، وتم حبسه، ثم قام بسداد الكفالة وإخلاء سبيله".

كما أشاروا إلى "عزل وكيلة النيابة الإدارية شروق هشام جنينة من وظيفتها دون مجلس تأديب، بسبب نشر صورة لوزير العدل السابق المستشار أحمد الزند تنتقده فيها، الذي كان على خلاف سابق مع والدها المستشار هشام جنينة، بسبب رفض وزير العدل تفتيش الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي كان يترأسه المستشار جنينة، على أموال وميزانية نادي القضاة في أثناء رئاسة الوزير له".

وأكدوا أن "قرار عزل شروق جنينة جاء عقب عزل والدها مباشرة، رقم حفظ تحقيقات مماثلة لوكلاء نيابة إدارية آخرين، بسبب الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وقالوا: "بعد صدور القرار الجمهوري بعزل القضاة وانتهاء إجراءات المحاكمات التأديبية، قام المستشار أيمن عباس (رئيس محكمة استئناف القاهرة وأحد أعضاء مجلس التأديب الأعلى الذي أصدر أحكام العزل، بطلب الدعوة المرفوعة أمام القضاء من القضاء المعزولين)، بطلب إلغاء قرار المنع من السفر، وقام بسحبها من أمام الدائرة المختصة، وبدلا من أن يقوم بإلغاء المنع من تلقاء نفسه لانتهاء التحقيقات، قام بإجراء غير مسبوق بالتصرف بنفسه في تلك الدعوة، ورفض طلب القضاة، رغم أنه غير مختص بذلك، والدعوى غير منظورة أمامه، مما أغلق الباب أمام إمكانيه سفر القضاة المعزولين للخارج للبحث عن مورد رزق آخر".

وأكملوا: "رفض رئيس المجلس الأعلى للقضاء والتأديب، المستشار أحمد جمال الدين، التصريح للقضاة المعزولين بالحصول على صورة رسمية من أحكام العزل التي أصدرها ضدهم، وذلك لإضاعة الوقت عليهم لإجراء طعن بالنقض على تلك الأحكام، أو تقديمها لنقابة المحامين أو لأي جهة أخرى للبحث عن عمل آخر، ولم يحصل القضاة المعزولون على الأحكام إلا بعد خروج المستشار أحمد جمال الدين على المعاش".

وحول ما وصفوه بانتهاكات مجلس تأديب أول درجة للقضاة، قالوا إنه لم تتم الاستجابة لطلب القضاة لسماع شهودهم رغم الاستجابة للبعض دون الآخرين، ولم يتم عرض الأسطوانات المدمجة التي بها البرامج التلفزيونية التي كان يتحدث فيها القضاة حتى يتمكنوا من الرد عليها، وإثبات أنها مُقتطعة من السياق العام لها، ولا توضح الموقف كاملا".

وأشاروا إلى أنه كان يتم "تغيير مواعيد بعض الجلسات وتقديم موعدها، دون إعلان القضاة بالموعد الجديد، حتى يتمكنوا من الحضور وإبداء الدفاع، بالإضافة إلى أنه لم يتم النطق بالحكم في جلسة علنية أو بمعرفة أعضاء مجلس التأديب، وإنما تم بإرسال كشف بأسماء القضاة المعزولين مع سكرتير الجلسة، وهو ما يجعل إجراءات النطق بالحكم باطلة".