ملفات وتقارير

هل تلاشت فرضية إمكانية "فك ارتباط" الحوثي" بطهران؟

عناصر من جماعة الحوثي داخل مخزن لصواريخ بالستية- الإعلام الحربي التابع للحوثيين

أثار اعلان زعيم جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن وحدّة المعركة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وعدم تجزئتها بعد أيام قليلة من اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، أسئلة عدة حول فرضية "إمكانية فك الحوثي ارتباطها بإيران" التي راجت قبل أشهر على لسان السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، وهللت لها السعودية.

وكان سفير المملكة المتحدة في اليمن، صرح نهاية تشرين أول/ أكتوبر من العام الفائت بأنه بإمكان فك الارتباط بين الحوثيين وطهران، والدخول في علاقة ودية مع السعودية التي تقود تحالفا عسكريا ضدهم منذ 5 أعوام.

وسارت المملكة العربية السعودية وراء هذه الفرضية وراهنت عليها، ودخلت في حوار مباشر مع الجماعة الحوثية، إلا أن اغتيال الجنرال الإيراني، مطلع الشهر الجاري، وموقف الجماعة من ذلك، كشف عن عمق الروابط بين الحوثيين والإيرانيين، وهو مايشير إلى استحالة الفصل بينهما، وأن الحديث عن ذلك مجرد "وهم"، فهل لا تزال القيادة السعودية تراهن على هذا التوجه، كما يتساءل مراقبون؟

"سياسة متناقضة"


وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي أن خطاب عبد الملك الحوثي بعد مقتل قاسم سليماني، والذي أكد فيه التحامه مع إيران وتحدث فيه صراحة عن عدم تجزئة المعركة، "لم يمثل موقفاً مفاجئاً للسعودية التي بدأت تتعاطى مع فرضية فصل الحوثيين عن الأجندة الإيرانية بجدية كاملة ليس من الآن وإنما منذ بداية تدخلها العسكري في 26 آذار/ مارس 2015".

وقال في حديث لـ"عربي21": "السعودية تنظر إلى الطرف الآخر في صنعاء من زاوية أوسع باعتباره طرفا لا يمكن اختزاله في جماعة الحوثي، بل بما يمثله من منظومة تدور حول مشروع جماعة الحوثي المسلحة، وتتوزع في أماكن كثيرة بينها المملكة نفسها ومن ضمنها عائلة بيت حميد الدين التي ارتبطت مع الرياض لعدة عقود بتحالف فشل في تحقيق أهدافه عبر معارك وحروب الثورة في ستينيات القرن الماضي".

وأضاف التميمي أن المسعى البريطاني كان يرمي إلى استعادة تلك العلاقة، وفي الحقيقة كان يستهين من خلال مسعى كهذا بملايين اليمنيين الذين قدموا تضحيات هائلة للخلاص من الحكم الإمامي الشمولي الكهنوتي البغيض، وفق تعبيره

وأشار إلى أن المتغير الأكبر الذي حدث طيلة نصف القرن الماضي، هو أن "جماعة نبتت في صنعاء من غرسة تعهدتها إيران وحرسها الثوري ومنظومتها الشيعية، وبينما تحاول جماعة الحوثي الطائفية المسلحة إحياء مشروع الإمامة، فإنها هذه المرة تأتي متسقة بشكل كامل مع المواقف الأكثر تطرفاً التي تعبر عنها العقيدة الاثني عشرية تجاه الثوابت الراسخة لمعظم المسلمين"، مؤكدا أن ذلك يندرج في "سياق المواقف المتطرفة هذه حالة العدائية مع السعودية الوهابية كسلطة دين ودنيا، لا يمكن التعايش معها، إلا كعدو ينبغي أن تدار معه معركة صفرية".


وبحسب الكاتب اليمني فإن السياسة السعودية برهنت على أنها تنادي بالشيء وتسعى إلى النقيض منه، وتتصرف كسلطة علمانية في الأساس، حيث يمكن لها في سبيل تحقيق أهدافها أن تتحالف مع أطراف سيئة ما دام أن ذلك يحقق لها أهدافها حتى لو كانت آنية وتكتيكية وقصيرة النظر.

وأردف قائلا: وهذا ما نلحظه من خلال مسعى الرياض لهزيمة الأغلبية السنية في اليمن وتسليمها للعصبة الطائفية المدعومة من إيران الشيعية فيما تستمر في الادعاء بأنها تواجه المد الإيراني.

"الرياض في موقف محرج"


من جانبه، قال الصحفي والباحث السياسي اليمني، كمال السلامي : "واهم من يعتقد أن بإمكانه عزل الحوثيين عن إيران".

وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن أي إشارات إيجابية من قبل الحوثيين في هذا الاتجاه، ليست سوى تكتيك مصرح به من طهران لتحقيق أهداف مرحلية ومتوسطة، بينما هي  الحركة الحوثية امتياز إيراني لا يمكن أن يكون غير ذلك.

ووفقا للصحفي اليمني فإن تصريحات الحوثي تضع السعودية في موقف محرج، خصوصا أنها جاءت بعد التصريحات التي أطلقها عدد من المسؤولين السعوديين وتضمنت تأكيدا على أن الحوثيين سيكون لهم مكان في المرحلة القادمة، في حال فكوا ارتباطهم عن إيران.

واستطرد قائلا :كما نعرف جميعا منذ البداية كانت حركة الحوثي إيرانية، ولو لم يكن هناك دعم إيراني، وإشراف مباشر على دعم وتأهيل وتسليح الحركة وتزويدها بالتقنيات العسكرية، لما كانت الجماعة وصلت لهذه المرحلة من الاستعصاء والتهديد للسعودية.

وأوضح الباحث السلامي أن السعودية فشلت في كسر الحركة الحوثية، وستفشل في أي محاولة لاستقطاب الحركة وإبعادها عن إيران، مرجعا ذلك إلى أن الجماعة تمثل امتدادا لمشروع "الثورة الإسلامية"، وهي جزء لا يتجزأ  من المشروع الشيعي الذي يهدف أساسا لمحاصرة السعودية وإسقاط قدسيتها ومن ثم إسقاطها.

ولفت إلى أن اغتيال سليماني، منح السعودية فرصة لمعرفة حقيقة غثائية وعدم جدوى فكرة فك ارتباط الحوثيين بإيران، والسؤال هنا، هل هناك من سيستفيد من هذه الحقائق وهذا الانكشاف،

وأكد المتحدث ذاته أنه من الصعب الحديث عن إمكانية استفادة السعوديين من أي معلومات أو حقائق أو معطيات، لأن الأحداث والوقائع المتوالية، تؤكد أنهم غير  مهيئين لخوض معركة حقيقية ضد إيران.

" لاتريد سحق الحوثي"

من جهته، أكد الكاتب والباحث اليمني، عبدالغني الماوري أنه من غير المؤكد أن الحوثيين مستعدون للمضي في ركاب السياسة الإيرانية حتى النهاية.

وقال في حديث لـ"عربي21" : يصدر الحوثيون إشارات متضاربة في هذا الشأن، لكن الشيء الثابت هو أن لديهم شهوة للحكم.

ولتحقيق هذا الهدف، يضيف الماوري :"هم مستعدون أن يكونوا ايرانيين أكثر من الإيرانيين وسعوديين اكثر من السعوديين".

وأشار إلى أنه طوال الفترة السابقة، لا يوجد ما يبرهن أن لدى السعودية طموح بسحق الحوثيين.

وتابع الكاتب اليمني: فهذا الامر لا يبدو منسجما مع التوجهات السعودية والاماراتية التي تعتقد أن بقاء المليشيات في اليمن بما في ذلك الحوثيين خيار مناسب للحد من نفوذ الإخوان المسلمين الذين يمثلون تهديدًا مباشرًا للأمن الخليجي وفق التعريف السعودي الاماراتي، على حد قوله.

وكما أن الحوثيين يشكلون عائقا أمام التطور الديمقراطي في اليمن، يبين الباحث الماوري فإن هذا التوجه هو ما يناسب السعوديين والإماراتيين بطبيعة الحال، لذا لا يعد خطاب الحوثيين الذي يشدد على واحدية المعركة مع ايران سببا لتغيير النظرة للجماعة.

وفي 8 كانون الثاني/يناير الجاري، خرج زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، في خطاب متلفز مهددا بالرد على الهجمات الأمريكية والتدخل في شؤون المنطقة، وقال : نعلنها بكل وضوح لا نقبل بمعادلة تجزئة المعركة.

وأضاف قائلا: إن أمريكا لم تحترم العراق كدولة فهي تتعامل مع دول المنطقة باستباحة كاملة، وإن اغتيالها لسليماني تجاوز لكل الاعتبارات بما في ذلك استقلال العراق".