سياسة عربية

حقوقي مصري: الأجهزة الأمنية لا تريد إجراء انتخابات المحليات

لم يتم إجراء الانتخابات المحلية بمصر منذ 11 عاما رغم وعود "السيسي" المتكررة بقرب إجرائها- جيتي

حالة من الجدل واللغط تشهدها مصر بشأن الخلاف السياسي والبرلماني حول قانون الإدارة المحلية الذي يمهد لإجراء الانتخابات المحلية، والذي بدأ البرلمان المصري في مناقشته، الأحد الماضي.

وشهدت أروقة البرلمان المصري انقساما حادا حول مناقشة قانون الإدارة المحلية ومدى دستوريته، الأمر الذي أفضى من جديد إلى تأجيل مناقشة القانون لأجل غير مسمى.

وتصاعدت الأزمة بين الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، التى تمثل الأغلبية المؤيدة للنظام تحت قبة البرلمان، وعدد من النواب، وعلى رأسهم رئيس المجلس، علي عبدالعال، بسبب رفض "مستقبل وطن" مشروع قانون الإدارة المحلية الذي وصفوه بـ "المعيب" دستوريا، بينما اتهم النواب أعضاء الحزب بتعطيل القانون لعدم جاهزيتهم للانتخابات وتحقيق مصالح شخصية.

وأكد علي عبدالعال أن "من يقاوم إصدار هذا التشريع هي الدولة العميقة بالمحليات، فطالما لا يوجد محليات يدهم مطلقة".

وقد مر 11 عاما في مصر دون إجراء انتخابات محلية، رغم الوعود المتكررة من قبل رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي وحكومته بإجرائها قريبا. وهذه هي الانتخابات الوحيدة التي لم تشهدها مصر كل هذه الفترة.

"آخر انتخابات"

وشهدت مصر آخر انتخابات محلية في العام 2008، والتي استحوذ عليها آنذاك الحزب الوطني المنحل بواقع 90%، حصد منها 70% بالتزكية، ومثل نسبة الـ 10% الأخرى مستقلون وأحزاب سياسية، منها الوفد (ليبرالي) والتجمع (يساري) عبر تفاهمات مع النظام، وذلك إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وفي عام 2011 وعقب اندلاع الثورة، صدر حكم قضائي بحل تلك المجالس، وأصدر المجلس العسكري الحاكم وقتها مرسوما بتشكيل مجالس محلية مؤقتة إلى حين إصدار قانون المحليات. ومنذ ذلك الحين تعاني المحافظات حالة فراغ فيما يتعلق الرقابية وتنفيذ خطط التنمية.

"وعود متكررة"

وسبق أن أطلق السيسي الكثير من الوعود على مدار الثلاثة أعوام الماضية بقرب إجراء انتخابات المحليات التي قال إن مجالسها "مليئة بالفساد"، متعهدا بإجراء الانتخابات المحلية قبل نهاية العام 2016، ثم قبل نهاية 2017 في مؤتمر الشباب الثاني الذي عقد في مدينة أسوان، وقبل نهاية العام 2018 في مؤتمر الشباب الذي جرت فعالياته في فندق "الماسة" التابع للجيش، وأخيرا قبل نهاية العام 2019.

ووفقا للدستور، فإن المحليات تنقسم إلى وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وهي المحافظات الـ 27، ويضم كل منها مدنا وقرى. وتتولى وحدات الإدارة المحلية في ضوء الخطة العامة للدولة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها.

"الرؤية الأمنية"

من جهته، قال الناشط الحقوقي ومنسق أعمال المنتدي المصري الموازي، رامي حافظ، إن "الأجهزة الأمنية لا تريد إجراء الانتخابات المحلية في البلاد، لأنها تفضل الوضع الراهن بدلا من وجود مجالس محلية منتخبة قد تراقب أعمالها وتخضعها للمساءلة القانونية"، مؤكدا أن "الرؤية الأمنية هي التي تتحكم بالكامل في عمل الإدارة المحلية، وتتسبب في عدم إصدار القانون الخاص بها حتى الآن".

وأشار إلى أن "أهمية قانون الإدارة المحلية تكمن في أن المحليات تعد جزءا رئيسيا من أجهزة السلطة التنفيذية وفقا لدستور 2014، وهذا القانون يُعد أحد أهم القوانين المكملة للدستور التي تتشكل من خلالها أجهزة الدولة التنفيذية".

ونوه، في حديث مع "عربي21"، إلى أن "مشكلة تطبيق القانون الجديد تكمن في أمرين: الأول يتمثل في أن المسودة المقترحة لازالت تأخذ بفلسفة القانون رقم 43 لسنة 1979، حيث أكدت على وجود مجلس تنفيذي يتم تعيينه مقابل مجلس منتخب يفترض أن يقوم بالرقابة عليه..

والأمر الثاني هو نفوذ الوزير المختص، وهو وزير التنمية المحلية، على أعمال المجالس المنتخبة، وطريقة تدخله في الفصل فيما يختص به المجلس المنتخب، فضلا عن إعداده لتقرير سنوي عن أعمال المجالس المحلية".


"مخالفة صريحة للدستور"

ولفت حافظ إلى أن هناك "مخالفة صريحة للدستور المصري، حيث لم يتم تطبيق نظام اللامركزية بمصر حتى الآن، حيث دعت المادة 242 من الدستور للتحول إلى اللامركزية بالتدريج خلال 5 سنوات من تاريخ العمل بالدستور الذي بدأ العمل به في شهر كانون الثاني/ يناير 2014، أي قد مر على إقراره نحو 6 سنوات كاملة، وبالتالي فقد تجاوز بشكل جلي المدة الدستورية المنصوص عليها".

ونصت المادة 242 من دستور 2014 على "استمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدريج خلال 5 سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة 180 من هذا الدستور".

 

اقرأ أيضا: عربي21 تنفرد بتفاصيل ومستندات محاكمة ضباط بالجيش المصري

"سبب تأخر القانون"


وأرجع تأخر إصدار قانون الإدارة المحلية حتى الآن، نظرا لما وصفه بالرؤية الأمنية التي قال إنها "تتحكم في عمل الإدارة المحلية، خاصة أن وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي، هو قيادة أمنية كبرى كان يشغل سابقا منصب مساعد وزير الداخلية لجهاز الأمن الوطني، يرى ضرورة التمهل في إقرار القانون الجديد حتى يتمكن النظام من إعداد كوادر جديدة أو بديلة للأعضاء المعينين الآن".

وذكر أن "الأجهزة الأمنية تفضل الوضع القائم من اللجان التي تم تشكيلها بديلا للمجالس المنتخبة، والتي تم حلها بحكم قضائي بعد ثورة يناير. وتلك اللجان تضم موظفين تنفيذين بالأحياء يسهل السيطرة عليهم، وتنفيذهم لأوامر الجهات الأمنية أكيد، فضلا عن عدم وجود رقابة من أي كيانات أخرى".

وأشار حافظ إلى أن "إقرار قانون الإدارة المحلية سيمهد لعودة المجالس المنتخبة، وبالتالي سيكون هناك الحد الأدنى من الرقابة على أعمالهم، وإن كانت غير فعالة، ولكنها ستكون عين رقابية شعبية منتخبة".

 

"فرص اللامركزية"

وحول فرص تحول مصر إلى اللامركزية، قال منسق أعمال المنتدي المصري الموازي: "النص الدستوري مُبهم، ولا يحسم هذا الجدل، بالرغم أنه ترك المساحة للإرادة السياسية أن تفصل في هذا الأمر، وإن كانت بعض النصوص الدستورية تميل لدعم اللامركزية، ولكنها ليست واجبة".

 

وتنص المادة 176 على ضرورة أن "تكفل الدولة دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق المحلية، والنهوض بها، وحسن إدارتها، ويحدد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات إلى وحدات الإدارة المحلية".

وتابع حافظ: "الوضع الحالي وتوجهات السلطة القائمة لا ترى أن اللامركزية في مصلحتها، بل على العكس قد تراها سببا للضعف أو فقدان السيطرة، لذا فالمتوقع أن المجالس المنتخبة – في حال إجراء انتخاباتها- لن تكون ذات أنياب حقيقية بمعنى أن آليات الرقابة والمساءلة ستكون ضعيفة، كما أن الموازنة لازالت – وستظل- تتحكم فيها السلطة المركزية في القاهرة".

وأردف: "برنامج التأهيل الرئاسي الذي يعمل على قدم وساق منذ فترة يقوم بتدريب شباب بعضهم تجهزه الدولة بدورات تدريبية، وللأسف لا أحد يمتلك معلومات كثيرة عن شكل البرامج التدريبية ومضمونها، وإن كان من وقت لآخر يكتب بعض هؤلاء الشباب عن تلقيهم محاضرات مهمة في كيانات تابعة للدولة، ويقوم عسكريون بالتدريس لهم، وهو ما قد يشير إلى أن هؤلاء سيكون لهم دورا فاعلا في الانتخابات المحلية المقبلة".

وشدّد منسق أعمال المنتدى المصري الموازي على ضرورة "توعية الشعب باختيار أعضاء المجالس المحلية من غير المحسوبين على الحكومة أو حتى المقربين منها، وذلك كي تتمكن الأجهزة التنفيذية وأعضائها من محابة المسؤولين"، داعيا لاستغلال أي مساحة دستورية أو قانونية لرفع كفاءة الخدمات والأجهزة التنفيذية للمواطنين.

ودعا إلى التركيز على "فشل الحكومة ونوابها والمقربين منها في تقديم أي خدمات حقيقية أو برامج لرفع كفاءة ونوعية الخدمات المُقدمة للمواطنين، وبالتالي مطلوب من المهتمين تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات، وضرورة اختيار المعارضين كنوع من العقاب للحكومة ورجالها في المحليات".