صحافة دولية

فورين أفيرز: كيف وجدت إيران موطئ قدم لها في أفغانستان؟

فورين أفيرز: تدرك إيران أهمية التقارب مع حركة طالبان لإبعاد أعدائها الكبار- جيتي

نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للمحلل في الشؤون الإيرانية ماهان عابدي، يتساءل فيه عن كيفية عثور إيران على موطئ قدم لها في أفغانستان. 

 

ويبدأ عابدي مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "القصة تبدأ من الغزو السوفييتي لأفغانستان، الذي ستحل ذكراه الأربعون في كانون الأول/ ديسمبر، وهي مرحلة تتزامن مع عمر الجمهورية الإسلامية، التي حاولت على مدى تلك العقود الأربعة حماية مصالحها وتقديمها عبر حدودها مع جارتها المضطربة في الشرق". 

 

ويشير الباحث إلى أنه "على خلاف نشاطاتها في العراق وسوريا واليمن ومنطقة الخليج، فإن نشاطات إيران في أفغانستان لم تلفت النظر أو تثر اهتماما، إلا أن أفغانستان تظل مهمة للسياسة الخارجية الإيرانية، وهي بلد يعتقد صناع القرار في طهران أنها مهمة، ويقومون بتصحيح المسار فيها بعد عقود من الفشل". 

 

ويقول عابدي إن "اهتمام إيران بأفغانستان ظل محدودا، فركزت تقليديا على تقوية السكان المتحدثين باللغة الفارسية، وحماية الشيعة الأفغان الذين يشكلون خمس السكان، الذين تعرضوا في السنوات الماضية لهجمات مروعة على يد الجماعات المتشددة".

 

ويستدرك الكاتب بأن "طهران كانت تريد الاستقرار في أفغانستان، فقد جلب الغزو السوفييتي لأفغانستان 3 ملايين لاجئ، ما أضاف أعباء على مقدرات الدولة ومصادرها، وحد من المصادر في عدد من المدن التي عاشوا فيها، وكانت إيران تخشى من استخدام السعودية أفغانستان منطقة لبناء جماعات وكيلة لها من أجل ضربها". 

 

ويجد عابدي أنه "مع أن واشنطن وطهران تقفان على طرفي النقيض في الكثير من الأماكن، إلا أن مصالحهما متبادلة في أفغانستان، فإيران لا تريد تحويل جارتها الشرقية لمنطقة صراع مع الولايات المتحدة، ولن تستهدف القواعد والقوات الأمريكية في أفغانستان حتى في حال تزايد التصعيد في منطقة الخليج؛ لأنها تخشى من فتح جبهة جديدة في شرق البلاد، ويرغب صناع السياسة في إيران برحيل الأمريكيين عن أفغانستان؛ لاعتقادهم أنه يمكن إدارة الوضع في البلاد بطريقة دبلوماسية". 

 

ويبين الباحث أنه "كلما وضعت إيران تأكيد استقرار جارتها في صميم استراتيجيتها، أقامت علاقات مع عدوتها السابقة حركة طالبان، ومثل الولايات المتحدة، فإن إيران قبلت التعايش مع الحركة، ووجدت أن ذلك هو الطريق الوحيد لبناء مستقبل مستقر لجارتها". 

 

ويلفت عابدي إلى أن العلاقات الثقافية واللغوية العميقة تربط إيران وأفغانستان، واللغة الفارسية أو اللهجة المحلية منها، المعروفة بالداري، يتم التحدث بها بشكل واسع في أفغانستان، وينجذب الأفغان والإيرانيون للموسيقى ذاتها، ويقرأون الأدب ذاته، ويشاهدون البرامج التلفازية ذاتها، وكانت مدينة هرات، التي تعد من كبرى المدن في غرب أفغانستان، جزءا من إيران في القرن التاسع عشر، ولديها موقع مهم في الثقافة الفارسية". 

 

وينوه الكاتب إلى أن "الهوية الدينية أدت دورا مهما في ربط البلدين في الأزمنة الحديثة، واستثمرت إيران الشاه والثورة الإسلامية، الكثير لتقوية الشيعة في أفغانستان، من خلال بناء المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية، خاصة بين الهزارة الشيعة". 

 

ويقول عابدي إن "هذه العلاقات حددت السياسة الإيرانية في أفغانستان، ففي الثمانينيات من القرن الماضي كانت إيران منشغلة بحربها مع العراق، ولهذا لم يكن لديها الوقت الكافي للتركيز على المقاومة ضد السوفييت في أفغانستان، لكنها ركزت على دعم الهزارة، خاصة حزب الوحدة الإسلامي الأفغاني، إلا أنها كانت جماعة ثانوية مقارنة مع الجماعات الجهادية السنية، التي حظيت بدعم الولايات المتحدة والسعودية وباكستان". 

 

ويرى الباحث أنه "لهذا كله فإن دور إيران كان محدودا في مرحلة ما بعد الغزو السوفييتي؛ لأنها ركزت جهودها على دعم الأقلية الشيعية، وسيطر السنة البشتون، الذين انبثقت منهم حركة طالبان، على السلطة عام 1996، ما جعل المجلس الأعلى القومي الإيراني يعبر عن مخاوفه من مصير الشيعة هناك، وصوت المجلس على غزو هرات واحتلالها، لكن هذا لم يحدث". 

 

ويشير عابدي إلى أن "جماعات مرتبطة بحركة طالبان قامت في عام 1998 بقتل 11 دبلوماسيا إيرانيا وصحفيا يعملون في القنصلية الإيرانية في مزار شريف، وهو ما دفع طهران لحشد 200 ألف جندي على الحدود، ودعمت إيران مع روسيا والهند التحالف الشمالي المكون من فصائل عارضت حركة طالبان".

 

ويبين الكاتب أنه "لهذا السبب اختارت طهران دعم الغزو الأمريكي الذي دعم التحالف الشمالي للإطاحة بنظام حركة طالبان في تشرين الثاني/ نوفمبر2001، ومع أن الوجود الأمريكي الواسع في أفغانستان لم يكن مريحا لإيران، إلا أن النشاط السعودي والباكستاني أقلقها أكثر". 

 

ويفيد عابدي بأن "الإيرانيين لطالما عبروا عن غضبهم من محاولات باكستان تنصيب حكومة بشتونية في كابول قبل وبعد الغزو السوفييتي عام 1979، وتعتمد باكستان على الدعم السعودي، وتقوم بخدمة المصالح السعودية من خلال دعم الجماعات السلفية المتشددة، والدعم السري للمتطرفين، خاصة في سيستان وبلوشستان، وأهم من هذا كله إثارة الفصائل المعادية لإيران داخل حركة طالبان". 

 

ويلفت الباحث إلى أن "قادة إيران توقعوا أن يخف التأثير الباكستاني بعد الإطاحة بحركة طالبان، لكن تأثيرها استمر، بل إنه زاد دون توقف". 

 

ويؤكد عابدي أن "أهداف باكستان في أفغانستان لم تتغير، وترى أن وجود حكومة صديقة في كابول يمثل عمقا مهما من أجل الوقوف أمام منافستها الاستراتيجية الهند، وهذا ما دفع إسلام أباد للميل نحو حركة طالبان حتى بعد خسارة الحركة للسلطة، ومواجهة الشجب الدولي". 

 

وينوه الكاتب إلى أن "العلاقة بين باكستان والولايات المتحدة تأثرت بسبب التزام باكستان مع حركة طالبان، إلا أن إيران لا تثق كثيرا بقدرة أمريكا على الحد من التأثير الباكستاني في أفغانستان، ولهذا السبب تدعم طهران خروج الأمريكيين وإن أدى لتقوية حركة طالبان، وستواصل طهران دعم حكومة أشرف غاني، ومهما كان طموح كابول، إلا أن طهران توصلت لنتيجة هي أن حركة طالبان وداعميها في باكستان سيظلون عاملا مهما في أفغانستان، ولو أرادت إيران البقاء مهمة في البلد وتخفيف التأثير الباكستاني، فعليها التقارب مع حركة طالبان". 

 

ويقول عابدي، إن "العلاقة الإيرانية مع حركة طالبان تطورت منذ التسعينيات، ورغم اتهام أمريكا بين فترة وأخرى لطهران بوجود تعاون على المستوى العملي بين الحركة وإيران، إلا أنه لا يوجد أدلة عملية تؤكد هذا الأمر، وهناك أدلة كثيرة تشير إلى أن العلاقة السياسية تطورت، وأكد مسؤول المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني في العام الماضي، أن إيران بدأت بعقد لقاءات مع حركة طالبان لمواجهة فوضى الأمن في البلاد وبالتنسيق مع كابول". 

 

ويستدرك الكاتب بأنه "رغم وجود فصائل في حركة طالبان تعادي إيران، إلا أن هناك فصائل أخرى مستعدة للتعاون معها، وهناك الكثير من الأسباب التي تجعل طهران تثق بحركة طالبان، وأظهرت إيران اعترافها بأهمية العلاقة مع حركة طالبان، وأثار وزير الخارجية محمد جواد ظريف غضب حكومة غاني في كانون الثاني/ يناير 2019، عندما قال في مقابلة مع تلفزيون هندي إن على حركة طالبان القيام بدور في تشكيل المستقبل السياسي لأفغانستان". 

 

ويختم عابدي مقاله بالقول إن "هذا الكلام لم يكن متوقعا من مسؤول إيراني، لكن إيران أعادت تشكيل أولوياتها في أفغانستان، فبعد أسبوع من انهيار محادثات الولايات المتحدة مع حركة طالبان، وصل وفد منها إلى طهران، التي باتت تعرف أن عليها الإبقاء على عدوها السابق قريبا منها حتى تبعد عنها أعداءها الكبار". 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)