ملفات وتقارير

ما الحسابات التي تؤخر دمج "قسد" بجيش النظام السوري؟

"قسد" أعلنت في أكثر مرة استعدادها الانضمام إلى جيش النظام- جيتي

منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرة الأولى عن نيته سحب قواته من سوريا، في مارس/ آذار 2018، والأنباء لا زالت تتردد عن مباحثات تجري لدمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية عصبها الرئيسي، بجيش النظام، بدفع روسي، لملأ الفراغ.

وبعد بدء تركيا عملية "نبع السلام" في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كثرت الأنباء عن ذلك، خصوصا بعد الاتفاق التركي- الأمريكي من جانب، والتركي- الروسي الأخير في سوتشي من جانب آخر، بشأن "المنطقة الآمنة"، والمناطق الحدودية شرق الفرات.

وسائل إعلام روسية، أكدت الأربعاء، أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أبلغ قائد "قسد" مظلوم كوباني بأن روسيا "ستزيد عدد أفراد الشرطة العسكرية الروسية قرب الحدود السورية التركية"، كما ناقش الاثنان "تطبيق الأكراد للاتفاق الروسي التركي بشأن سوريا الذي أُعلن الثلاثاء"، مشيرة إلى أن مظلوم قال خلال حديثه مع شويغو إن "قواته تساعد الشرطة العسكرية الروسية وقوات النظام السورية في شمال سوريا".

وقبل أيام رشحت أنباء عن اجتماع بين وفد عسكري تابع للنظام مع قيادات من "قسد" في مطار القامشلي، بهدف التوصل إلى صيغة لدمج "قسد" بجيش النظام.

ووفق تقارير إخبارية، فإن النظام اشترط على "قسد" الالتزام بالقوانين السارية في الجيش وأن يعملوا تحت إمرة ضباط من جيش النظام، ومندوبيه من الأفرع الأمنية.

وكانت "قسد" قد أعلنت في أكثر مرة استعدادها الانضمام إلى جيش النظام، ما يثير تساؤلات عن الأسباب التي تحول دون الإعلان عن التخلي عن مسمى "قسد" إلى غير رجعة.

 

اقرأ أيضا: قسد: مستعدون لبحث الانضمام لقوات النظام بعد تسوية سياسية

عداء وخلافات بالجملة

وضمن قراءته للأسباب التي تؤخر إعلان دمج "قسد" بجيش النظام، أشار الخبير العسكري العقيد عماد شحود، إلى حالة العداء المتأصلة بينهما، مشيرا إلى أكثر من حالة صدام مباشر بين "قسد" و"جيش النظام"، وآخرها الاشتباكات التي شهدتها مدينة القامشلي في أيلول/ سبتمبر 2018، بين عناصر "الأمن العسكري" التابع للنظام، وجهاز الأمن الداخلي للقوات الكردية "الأسايش"، والتي أسفرت عن مقتل 11 عنصر للنظام، في حينها.

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال: "ما يهم "قسد" مصلحتها بالدرجة الأولى، ودمجها بجيش النظام سيفقدها كل المكاسب التي تعتقد أنها أنجزتها خلال مسيرة حربها على تنظيم الدولة".

وأضاف شحود، أن "قسد" لم تنفض يدها تماما من الوجود الأمريكي في الشمال السوري، ولا زال الاتفاق التركي – الروسي الأخير غير واضح تماما، حيث لم يتطرق إلى مصير "قسد" والمناطق التي لا زالت خاضعة لسيطرتها، وتابع قوله: "باعتقادي دمج "قسد" بجيش النظام، يعد أمرا مستحيلا".

الكاتب الصحفي، درويش خليفة، اعتبر خلال حديثه لـ"عربي21" أن روسيا تعمدت إثارة الحديث عن احتمال دمج "قسد" بجيش النظام، كتحفيز لـ"قسد"، حتى تسهل دخول قوات النظام إلى شرق الفرات، دون عوائق، وذلك بعيد بدء تركيا عملية "نبع السلام" في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

تكرار لاتفاق الجنوب السوي

ومخالفا شحود، لم يستبعد خليفة أن تقوم روسيا بعقد اتفاق مشابه لاتفاق الجنوب السوري، حيث تم استيعاب الفصائل (فصائل التسوية) فيما يعرف بـ"الفيلق الخامس" التابع إداريا لجيش النظام، مؤكدا أنه "من غير المستبعد أن تستوعب روسيا "قسد" بتشكيل جديد شبيه بـ"الفيلق الخامس".

أما عن الخلافات في الولاءات، وتحديدا الولاء القومي لـ"قسد"، قال إن "الوضع الراهن والتهديدات باجتياح مناطق "قسد"، نحّت المصالح الضيقة للجانبين، وخصوصا أن "قسد" هي بحاجة إلى حماية روسيا والنظام، حتى لا يذهب مشروعها أدراج الرياح".

وتابع، معلوم أن الولايات المتحدة تخلت عن دعم "قسد"، حيث وصفهم ترامب في إحدى تغريداته، بـ"المرتزقة"، الذين يقاتلون مقابل أجر.

مصلحة روسية

ولا تختلف النظرة الروسية لـ"قسد" عن الأمريكية كثيرا، غير أن مصالح روسيا طويلة الأمد تقتضي خلق حالة من التوازن بين المصالح الروسية والقوى المحلية الموجودة على الأرض، طبقا لخليفة.

 

اقرأ أيضا: خلال حديثه مع وزير الدفاع الروسي.. قائد قسد: ممتن لبوتين

وبهذا المعنى، يعتقد أن "روسيا ستعيد اتفاق الجنوب مع "قسد"، حيث من المنتظر أن يُعلن في وقت قريب دخول المؤسسات الخدمية للنظام، فيما يبقى السلاح الخفيف مؤقتا بيد عناصر قسد، بعد إدراجهم في جيش النظام".

وماذا عن مصير السلاح الأمريكي الذي تمتلكه "قسد"، وهل سينتهي إلى يد روسيا والنظام؟ يجيب خليفة: "هناك اتفاق أمريكي- روسي، تم التوصل إليه خلال لقاء ترامب بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي، في تموز/ يوليو 2018، ينص على إنهاء حالة العسكرة في سوريا".

وأوضح أن "الاتفاق (هلسنكي) ركز في البداية على إنهاء الوجود العسكري لتنظيم الدولة، والآن جاء الدور على الجناح العسكري لـ"قسد"، وفيما بعد سيتم العمل على إنهاء التنظيمات الأخرى "جبهة النصرة"، ليبقى السلاح محصورا بيد جيش النظام، و"الجيش الوطني السوري" الذي شُكل مؤخرا بدعم تركي".

وتابع خليفة "قد يتم تجميع السلاح الأمريكي، وتسليمه من بعد للقواعد الأمريكية التي ما زالت في المنطقة"، وأردف "لا يحدث شيء على الأرض السورية اعتباطا أو نتيجة لردات فعل، وإنما نتيجة تفاهمات مسبقة".

الخبير العسكري والاستراتيجي، العقيد عبد الله الأسعد، لم يستبعد هو الآخر أن تستوعب روسيا "قسد" في تشكيل جديد تابع للنظام، أو في "الفيلق الخامس" على وجه الخصوص.

وقال لـ"عربي21"، إن بنية جيش النظام تغيرت، حيث تحول هذا الجيش تدريجيا إلى مليشيا كما هو حال المليشيات الأخرى.

حسابات ومصالح النظام

المحلل السياسي، المختص بالشأن الروسي والسوري، بسام البني، أشار إلى بعض الحسابات التي تؤخر قبول النظام السوري بدمج "قسد" في صفوف قواته.

وأوضح لـ"عربي21": أن دمشق تأخذ بعين الاعتبار وجود أسماء مصنفة على قوائم "الإرهاب" ضمن "قسد"، وهي لذلك قد تكون بصدد استبعاد هذه الشخصيات، وخصوصا من "حزب العمال الكردستاني".

وقال إن "اتفاقية أضنة تلزم دمشق بأن يصنف حزب العمال الكردستاني حزبا إرهابيا"، مضيفا "غير أن مصلحة دمشق تقتضي أيضا ضم كل مكونات الشعب السوري تحت لواء الدولة".

عسكريا، قد يستفيد النظام من المنظومة العسكرية لـ"قسد" في المعارك القادمة، والحديث للبني، الذي أضاف "قد يستعين النظام بهؤلاء لمحاربة "هيئة تحرير الشام" في إدلب، مستفيدا من حالة العداء المتأصل بين الفصائل الكردية والفصائل المتشددة"، كما قال.

 

اقرأ أيضا: قائد "قسد": ما حصل تفاهمات وليس اتفاقا مع النظام السوري

وأردف في ذات السياق، كما أن للنظام مصلحة في ضم "قسد" لأنها تسيطر على مساحات واسعة، قد يكون النظام عاجز عن إدارتها في الوقت الراهن.

ماذا عن إيران؟

ولا يختلف اثنان من المراقبين على أهمية الدور الإيراني في توجيه النظام السوري، الأمر الذي يثير تساؤلات عن موقف إيران من ضم "قسد" إلى جيش حليفها نظام الأسد.

ومجيبا على ذلك، رأى رئيس أركان "الجيش الحر" سابقا، العميد الركن أحمد بري، أن إيران تحاول لعب دورا حياديا في الاتفاقات التي تعقدها تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في مناطق شرق الفرات.

وقال لـ"عربي21" إن "إيران في حالة تنافر شديد مع روسيا من جهة، وفي حالة عداء مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، وهذا الأمر يجعلها بعيدة عن القرارات التي يتم اتخاذها شرق نهر الفرات".

وأضاف بري، أنه "تم تحييد طهران عن الاتفاق التركي الأمريكي أولا، ومن ثم تم تهميش دورها في اتفاق سوتشي الأخير، وبهذا تكون إيران أكبر الخاسرين من المستجدات في المشهد السوري برمته، فالمعارضة زادت من رقعة سيطرتها، وتركيا أبعدت خطر المنظمات الإرهابية عن حدودها، والولايات المتحدة بقيت في مناطق النفط، أما روسيا فضمنت التواجد في مناطق جديدة".