كتاب عربي 21

عن التظاهرات في لبنان والعراق: صوت الشعب أقوى من كل شيء

1300x600

كشفت التظاهرات الشعبية التي شهدها العراق قبل ثلاثة أسابيع وقد تعود في الأيام القليلة المقبلة، والتي يشهدها لبنان منذ حوالي الأسبوع وهي مستمرة في معظم المناطق اللبنانية، أننا أمام مشهد سياسي جديد في هذين البلدين اللذين يعانيان من انقسامات طائفية ومذهبية ومناطقية وحزبية كبيرة.

فلأول مرة منذ سقوط صدام حسين والاحتلال الأمريكي للعراق، نشهد في هذا البلد تظاهرات شعبية بعيدا عن القوى السياسية والحزبية والانقسامات الطائفية، مع أن بعض القوى حاولت وتحاول الدخول على خط التحركات الشعبية. وكان العنوان الأساسي للتحركات الشعبية الهموم الاجتماعية والاقتصادية، ومطالب الشباب من البطالة والتوظيف وتحسين المعيشة.

 

 

لأول مرة لم تكن هناك جهات سياسية وحزبية تقف وراء التظاهرات. ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في تحريك الشارع


صحيح أن البعض حاول إعطاء هذه التظاهرات في العراق أبعادا سياسية، وأنها موجهة لجهات داخلية أو اقليمية، وأنها جزء من الصراع على مستقبل العراق ودوره في المنطقة، لكن ذلك لا ينفي أن العنوان الأساسي لمعظم هذه التحركات كانت الهموم المعيشية، وأنه لأول مرة لم تكن هناك جهات سياسية وحزبية تقف وراء التظاهرات. ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في تحريك الشارع، وإن كانت لاحقا قد دخلت بعض الأطراف السياسية والحزبية  الداخلية، أو بعض الجهات الخارجية، على خط التحركات لاستثمارها والاستفادة منها في الصراع على السلطة، أو في إطار الصراع الإقليمي والدولي على مستقبل العراق.

وأما في لبنان، فقد كانت الصورة أكثر وضوحا وحيوية، فلأول مرة منذ سنوات طويلة يخرج الشعب اللبناني إلى الشوارع والساحات احتجاحا على أداء الحكم والحكومة والمجلس النيابي وكل السلطات السياسية والمالية، بدون أن تكون هناك جهات حزبية أو سياسية أو مؤسسات من المجتمع المدني تقف وراء هذا الحراك الشعبي الكبير. وكانت الشرارة الأولى للتظاهرات وضع رسوم على إجراء اتصالات عبر تطبيق الواتساب، مما جعل بعض المراقبين يسمون ما جرى بـ"ثورة الوتساب". ورغم تراجع الحكومة عن تطبيق هذه الضريبة الجديدة وإعلان ورقة اصلاحات شاملة، فقد تعاظم التحرك والتظاهرات لتشمل معظم المناطق اللبنانية بعيدا عن القوى السياسية والحزبية، وإن كان لاحقا دخلت بعض الجهات على الخط وحاولت استثمار التحركات والاستفادة منها في الصراعات الداخلية والخارجية.

 

كان اللافت هذا الحراك الشعبي الكبير في مناطق الشمال والجنوب والبقاع، والتي كانت محسوبة تاريخيا على جهات حزبية أو طائفية معينة

وكان واضحا أن التحركات الشعبية في لبنان كانت بدون قيادة محددة وأنها تمت بعفوية، واستخدمت في الدعوة للتحركات وسائل التواصل الاجتماعي. وقد توجهت الاعتراضات ضد كل القوى السياسية والحزبية دون استثناء. وكان اللافت هذا الحراك الشعبي الكبير في مناطق الشمال والجنوب والبقاع، والتي كانت محسوبة تاريخيا على جهات حزبية أو طائفية معينة.

ولاول مرة يطغى العلم اللبناني والشعارات اللبنانية الموحدة على كل الأعلام الحزبية وكل الشعارات الطائفية والمذهبية. ورغم محاولة بعض الأطراف قمع الحراك أو الدخول على خطه، فقد نجح الناس في الاستمرار ومواجهة كل أشكال القمع.

وكما في العراق، فإن صوت الشعب اللبناني كان أقوى من كل الانقسامات المذهبية والطائفية والمناطقية، وفرض على الحكومتين في البلدين اتخاذ إحراءات سريعة لمعالجة الأزمة وتقديم بعض التنازلات للناس. لكن يبدو أن الأزمة في البلدين أعمق من كل ذلك، مما قد يفرض تغييرات شاملة على أسس النظام السياسي في البلدين.

 

أصبحنا أمام مشهد سياسي وشعبي جديد، وأن الناس أصبحوا قادرين على تجاوز انقساماتهم الطائفية والمذهبية والحزبية، مع أن لبنان والعراق هما من أكثر الدول تنوعا في المنطقة

لكن الخلاصة الأهم لما جرى في البلدين خلال الأسابيع والأيام الماضية، ومما قد يحصل في الأيام المقبلة، أننا أصبحنا أمام مشهد سياسي وشعبي جديد، وأن الناس أصبحوا قادرين على تجاوز انقساماتهم الطائفية والمذهبية والحزبية، مع أن لبنان والعراق هما من أكثر الدول تنوعا في المنطقة، ومن اكثر الدول التي تعاني من الانقسامات المذهبية والطائفية والحزبية.

إذا، نحن أمام مشهد جديد وواقع سياسي جديد. ومن خلال هذا التفاعل والتعاون بين الشعب ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، إضافة لوسائل الإعلام التقليدية وخصوصا محطات التلفزة، فإنه لم يعد بالإمكان قمع صوت الشعب وقهره وقمعه. وإن الخيار الوحيد لمعالجة هذه الأزمات هو الاستجابة لصوت الشعب والقيام بحلول شاملة للمشاكل، والخيار الأكثر شمولية هو العودة لدولة المواطنة أو الدولة المدنية والعادلة، وهذا هو الطريق الأقصر لمعالجة الأزمات في كل عالمنا العربي والإسلامي. وها هي التجربة التونسية تقدم لنا الدليل تلو الدليل على أن خيار الديمقراطية الحقيقية والدولة المدنية هو الطريق الأفضل للتغيير.