اقتصاد عربي

اقتصاديون: تحقيق "عربي21" كشف فساد أراضي الجيش المصري

خبراء اقتصاد أكدوا أن سيطرة الجيش على أراضي الدولة المصرية يُعد أكبر وأخطر ملفات الفساد- عربي21

قال خبراء اقتصاديون إن التحقيق الذي أجرته صحيفة "عربي21"، والذي كشف "حلقات خفية ومفقودة في قضية فساد الحزام الأخضر، يفضح جانبا هاما وخطيرا من ملف الأراضي الذي تسيطر عليه المؤسسة العسكرية المصرية، والذي تستغله لمصالح وحسابات قياداتها، فضلا عن شراء الولاءات المختلفة لدعمها واستمرار حكمها".  

وأكد الخبير الاقتصادي، ورئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية بإسطنبول، أحمد ذكر الله، لـ"عربي21"، أن أراضي الدولة بصفة عامة تُعتبر أكبر مدخل للفساد يتم استخدامه ليس فقط للتربح والثراء الفاحش، بل كذلك لشراء الولاءات المختلفة.

وأضاف:" تاريخيا سيّطر الجيش على الأراضي منذ الخمسينات، وقننت القوانين المختلفة هذه الحالة سواء في عصر السادات أو مبارك، وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيس في تكدس السكان على 5 في المائة فقط من مساحة البلاد التي تبلغ مساحتها الكلية مليون كيلو متر مربع تقريبا".

وتابع:" كما أعتقد أنه السبب الرئيس للتهاون في الاعتداءات على الأراضي الزراعية في الدلتا القديمة ثم التصالح بعد ذلك مع المعتدين فرادي حتى وصلنا إلى تقنين التصالح عبر دفع غرامة مالية للدولة، وهو ما يعني المزيد من الاعتداءات طالما بقيت السيطرة على الأراضي وعدم تخصيصها للشعب".

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف قضية فساد تستر عليها السيسي ونجله (شاهد)

واستطرد ذكر الله قائلا:" قضية الحزام الأخضر لا تخرج عن السياق العام لسياسات الدولة؛ فالدول المحترمة توجد لديها خرائط معلنة لكل شبر فيها، والاستخدام المخصص لها سواء أكان زراعيا أم تعدينيا أو سياحيا أو غير ذلك".

وأردف:" لكن للأسف عدم نشر تلك الخرائط هو ما يسمح بمثل هذه الحالات الصارخة للفساد والاعتداء على حقوق الدولة والشعب، ولولا تعارض المصالح بين الفاسدين لما عرف الشعب شيئا عن مثل تلك القضايا".

 


"الاستثمار المحلي والأجنبي"

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "أهمية قضية الحزام الأخضر أنها الأكبر من حيث قيمة الأراضي، وأنها وُزعت على رفيعي المستوى في أجهزة سيادية يُفترض في رجالاتها محاربة الفساد، لكن من الواضح أن السلطة تستخدم هذه الأراضي لشراء ولاء هؤلاء المستفيدين والترحيب غيرهم في قيمة ما ترضي عنه الدولة، وكيف يمكن أن يركب قطار الثراء السريع؟".

وشدّد رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية على أن "مثل تلك القضايا التي يتم الكشف عنها لها أثر شديد السلبية على الاستثمار المحلي والأجنبي، والرسالة الأساسية أنه لا أرباح  ولا عمل بعيدا عن رضا الجيش والأجهزة السيادية".

بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي، محمد كمال عقدة، أن "ما جاء في تحقيق عربي21 لا يدعو للغرابة، فهذا هو الحال منذ عهد المخلوع حسني مبارك- رغم أنه يزداد سوءا وفسادا في عهد السيسي- فقد كان دائما ما يتم توزيع أراضي الدولة على أجهزة وأنصار النظام، سواء بالنسبة للعاملين داخل ما يُعرف بالأجهزة السيادية والرقابية أو البرلمانيين أو القضاة أو رجال الأعمال الموالين لتلك الأنظمة المستبدة الفاسدة".


"السياسية الممنهجة لنهب الأراضي"

 

ولفت، في حديث مع "عربي21"، إلى أن ما وصفها بالسياسة الممنهجة لنهب الأراضي حدثت في "العديد من أراضي الدولة المصرية، ومنها الحزام الأخضر التي أشار إليها تحقيق عربي21، وأراضي وادي النطرون، والساحل الشمالي، وغرب النوبرية، فضلا عن أراض أخرى كثيرة يصعب تماما حصرها أو تحديد مساحاتها".

واستطرد عقدة قائلا:" قرار السيسي ونجله مصطفى بتغيير نشاط أرض الحزام الأخضر يُعد استمرارا لسياسة الفساد المُقننة والمعروفة منذ عهد مبارك، والكشف عن ذلك يساهم بقدر ملموس في فضح وتعرية الرجل الذي يزعم ويدعي كذبا وزورا أنه شريف وأمين وصادق ومخلص جدا جدا".

وتابع:" كما يأتي قرار السيسي لمحاولة الحفاظ على شرعيته داخل نظام الدولة المصرية عبر طمأنة جميع الفاسدين سواء في الرقابة الإدارية أو الجيش أو الشرطة أو القضاء بأن ما سلبوه ونهبوه من أموال وأراضي سيبقى معهم دون أن يكون هناك أي عقاب لهم أو رقيب عليهم".

 

اقرأ أيضا: إعلاميون ونشطاء مصريون يتفاعلون مع تحقيق "عربي21"

واسترسل قائلا:" الاستمرار في تقسيم وتوزيع أراضي الشعب والدولة، وعبث النظام الفاسد بتلك الأراضي لن يتوقف إلا بوجود هيئة تشريعية ورقابية قوية مستقلة تنتمي للشعب ولا تنتمي للمؤسسة العسكرية والرقابية الحالية الفاسدة، وللأسف سيتم إهدار مئات المليارات من الجنيهات التي هي ملك للشعب المصري بسبب منظومة الفساد المستشري داخل الدولة".

وأوضح عقدة: "رغم الكم الفساد الكبير الذي كان في عهد مبارك، إلا أنه يصعب مقارنته بالفساد المستشري في منظومة السيسي التي ينخر الفساد في كل قطاعاتها"، مشدّدا على أنه في حال استراداد أراضي الدولة المنهوبة سيدر دخلا هائلا يكفي لحل الأزمة الاقتصادية في مصر، خاصة أن الفساد في هذا الملف لا حدود له"، مؤكدا أن "ملف الأراضي تستغله المؤسسة العسكرية لمصالح وحسابات قياداتها، فضلا عن شراء الولاءات المختلفة لدعمها واستمرار حكمها".  

"أكبر وأخطر ملفات الفساد"

وأكد مدرس الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، مصطفي شاهين، أن "ما يُكشف لنا الآن من حقائق ومعلومات وفضائح، والتي كان آخرها ما جاء في التحقيق الخاص والهام الذي أجرته عربي21 هو جزء قليل من الفساد المستشري في المنظومة العسكرية الحاكمة من 1952"، مؤكدا أن "أكبر وأخطر كارثة في مصر تتمثل في ملف الأراضي، والتي هي العنصر الأول والأساسي الذي يتحكم فيه الجيش تماما".

وأشار، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن هناك "100 مليون نسمة من المصريين يعيشون على نحو 5% فقط من مساحة مصر، وباقي الأراضي تحت إدارة الجيش بشكل كامل، ويتصرف فيها كيفما يشاء ويمنحها لمن يشاء".

وذكر أن "الأراضي في مصر يحتكرها الجيش ويعتبرها عزبة خاصة به، وما جاء في تحقيق عربي21 بأن بعض هؤلاء الضباط حصلوا على الفدان الواحد بسعر ألف جنيه فقط، بينما قاموا ببيعه بنحو 200 ألف جنيه، وهذه بالطبع أسعار قديمة، أمر يثبت الأرقام الفلكية التي يسرقونها".

وأضاف:" الجيش يقوم بتعطيش السوق، ويقلل عرض الأراض الزراعية الأمر الذي يؤدي مباشرة إلى رفع الأسعار، ولذلك نفاجىء بأن أسعار الأراضي الزراعية أغلى من أسعار الأراضي في أمريكا، رغم أن الأراضي في أمريكا أفضل وأجود كثيرا من الأراضي في مصر".

ولفت شاهين إلى أن "الجيش ينفذ خطة اكتناز الأموال في شراء الأراضي، وهو ما يُعد في حد ذاته تعطيلا للاقتصاد، والانفاق الاستثماري، ويعطل خلق فرص عمل جديدة، فضلا عن استغلال وإدارة ملف الأراضي بشكل سيء وفاسد للغاية".

 

اقرأ أيضا: "الثوري المصري" يعلق على تحقيق عربي21 "الحزام الأخضر"

وكانت "عربي21" قد حصلت على معلومات تفصيلية من مصدر مطلع داخل جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة المصرية تكشف جوانب خفية في قضية فساد "الحزام الأخضر" التي قام رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي بنفسه بالتستر عليها إرضاء للعديد من أجهزة الدولة الرقابية والسيادية، وبتدخل مباشر من نجله مصطفى الذي يعمل حاليا مسؤولا كبيرا في هيئة الرقابة الإدارية.