كتاب عربي 21

إيران: عواقب المبالغة في التذاكي والإنكار

1300x600

في تصريح له خلال مؤتمر صحفي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، نفى الرئيس الإيراني حسن روحاني؛ تورط بلاده في الهجوم على منشآت نفطية سعودية، مُطالبا من يتهمون طهران بذلك "بتقديم أدلة".

وينسجم موقف الرئيس الإيراني هذا مع تصريحات المسؤولين الإيرانيين الرسمية، إذ سبق لهم أن نفوا أن تكون إيران هي من وقف خلف الهجمات التي تمت ضد منشآت شركة أرامكو السعودية، وأدّت الى أكبر تعطيل لإمدادات النفط في تاريخ الصناعة النفطية الحديث، مُخرجة حوالي 5.7 ملايين برميل من النفط يوميا من إنتاج المملكة من السوق.

وفقا لإيران وحلفائها في المنطقة، فإنّ الهجوم المزدوج الذي تمّ تنفيذه بواسطة "طائرات بدون طيّار وصواريخ كروز" تبنته جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن. وإن كانت بعض الدول تتحفّظ على نسبة الهجوم الى إيران لدوافع مختلفة (إما بسبب تحالف، أو بسبب الخوف من اضطرارها للرد على إيران)، فإن الغالبية الساحقة من الدول لم تكن مقتنعة أصلا بإمكانية شن الحوثي لمثل هذا الهجوم. ما لم يتوقّعه الإيرانيون ربما هو وجود كاميرات رصدت جزءا منه، وأظهرت أنّ الهجوم لم ينطلق من اليمن وإنما من الجهة المعاكسة، أي العراق أو إيران. كما أوضحت بقايا الهجوم قطعا إيرانية الصنع، وهو ما يجعل مهمة إيران في الإنكار صعبة.

 

كانت هذه السياسة من اللعب على حافة الهاوية تعد بمثابة مقامرة وتسمح لإيران بالإفلات من العقاب، إلاّ أنّها لا تخلو من تكاليف أيضا

مع ذلك، أصرت طهران على أنّها لم تقم بالهجوم، مطالبة المتهمين لها بعرض أدلة تثبت ذلك، ومهددة في نفس الوقت باندلاع حرب إذا ما تم قصفها. هذه السياسة الإيرانية في التصعيد والإنكار والردع؛ هدفها تسجيل النقاط في مرمى الخصم، مع حرمان الأخير من فرصة الرد. فعلوها في استهداف ناقلات النفط سابقا وبعض الهجمات المتفرعة هنا وهناك. وإن كانت هذه السياسة من اللعب على حافة الهاوية تعد بمثابة مقامرة وتسمح لإيران بالإفلات من العقاب، إلاّ أنّها لا تخلو من تكاليف أيضا.

الأوروبيون (لا سيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) الذين كانوا ولا يزالوا حريصين على الاتفاق النووي الإيراني وعلى إبقاء إيران داخل هذا الاتفاق، قالوا في بيان لهم مؤخرا يمثّل خلاصتهم الخاصة إزاء الهجمات الأخيرة، إنّه "من الواضح بالنسبة لنا بأنّ إيران تتحمّل المسؤولية عن هذه الهجمات، وأنّه لا يوجد أي تفسير آخر معقول أو من الممكن تصديقه"، مشيرين إلى أنّ هذه الهجمات تخصّ جميع الدول وتزيد من مخاطر اندلاع نزاع كبير. ولفت الأوروبيون أيضا في بيانهم إلى أنّ الوقت قد حان لمناقشة اتفاق نووي شامل وطويل الأمد، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بالأمن الإقليمي مع إيران.

هذا الموقف الأوروبي غير مسبوق على مستوى اللهجة والتوقيت، وهو يضع اللوم على إيران بشكل واضح. بمعنى آخر، ساهمت الهجمات الإيرانية ومبالغة النظام الإيراني في لعب سياسة حافة الهاوية؛ في تضييق الفجوة في المواقف بين الاتحاد الأوروبي من جهة وبين إدارة ترامب من جهة أخرى.

 

اذا ما أصرّت إيران على موقفها، فقد تجبر الأوروبيين على مغادرة الاتفاق النووي أو إطلاق آلية العقوبات الأممية الموجودة فيه

النظام الإيراني يعتبر البيان الأوروبي على الأرجح أنّه هراء ومجرّد حديث في الهواء، ولهذا السبب بالتحديد فقد قررت طهران على ما يبدو تجاهله عندما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل يومين، إن إيران تنتهك الاتفاق النووي الذي أبرمته مع الدول الكبرى في عام 2015، من خلال استخدامها أجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب اليورانيوم.


اذا ما أصرّت إيران على موقفها، فقد تجبر الأوروبيين على مغادرة الاتفاق النووي أو إطلاق آلية العقوبات الأممية الموجودة فيه. فإذا كانت ايران قادرة على مواجهة عقوبات ترامب كما تزعم، فانّها لن تكون قادرة بالتأكيد على مواجهة العقوبات الأممية إذا ما أضيفت إلى العقوبات الأمريكية. هناك من يرى أنّ الوقت قد حان بالفعل لإطلاق هذه العقوبات، فيما يرى آخرون أن لعبة التذاكي والإنكار الإيرانية قابلة للتطبيق المعاكس، لا سيما مع التقارير التي تتحدث مؤخرا عن دخول طائرات (إف 35) الشبحيّة، الأكثر تطورا في العالم، على خط النزاع مع إيران.