سياسة عربية

ماذا وراء إلغاء ملك المغرب الاحتفال بعيد ميلاده؟

لم تتوافق الأحزاب في المغرب بشكل كامل على المضي قدما نحو تعديل النظام إلى نظام الملكية البرلمانية- أ ف ب

تداولت وسائل إعلام قرار العاهل المغربي محمد السادس، بإلغاء الاحتفال الرسمي بعيد ميلاده، الذي كان يجرى في 21 آب/ أغسطس من كل عام.


ورأى بعض المغاربة في هذا الإجراء "خطوة إيجابية نحو إلغاء جميع المناسبات التي يُبذَّر فيها المال العام دون فائدة"، بينما لفتت تقارير إلى احتمال حدوث "مفاجأة سياسية قريبة" تتعلق بالملكية البرلمانية.


"لربما هذه بداية إلغاء العديد من الاحتفالات الرسمية الأخرى، نظرا لما يتمناه الشعب المغربي من أجل عصرنة الدولة والوصول إلى الملكية البرلمانية"، كما يقول أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.


ما الملكية البرلمانية؟


"الملكية البرلمانية"، هي نظام سياسي يقلص صلاحيات الملك، ويدفعه إلى موقع الحاكم الذي يراقب أداء السلطات، ويُشكّل فصلا دستوريا بينها، من دون أن يكون له صلاحيات تنفيذية.


وفضلا عن وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل فقد ألمح سياسيون ومسؤولون إلى ذلك في الأيام الماضية، منهم مستشار الملك، عبد اللطيف المنوني، الذي قال لوكالة الأنباء الفرنسية، إن المغرب "على طريق ملكية برلمانية"، وكذلك وزير العدل والحريات، محمد أوجار، الذي أكد كلام المنوني، وزاد عليه بأن "الملك هو أول واحد يريد أن يجعل من المغرب ملكية برلمانية، ديمقراطية، واجتماعية".


وقال مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، إن "ما يثبت أننا نتوجه نحو الملكية البرلمانية هو أن رئيس الحكومة يتم اختياره من الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب".

 

اقرأ أيضا: المغرب يستضيف مناورات عسكرية هي الأضخم في أفريقيا


ويقول مدير مركز الدراسات السياسية والإخبارية المغربية الدكتور سمير بودينار، لوكالة "سبوتنيك" إن المملكة المغربية منذ استقلالها وهي ملكية دستورية وليست ملكية مطلقة، بمعنى أن صلاحيات الملك فيها محددة بالدستور.


ورغم الانتخابات التي كانت تجرى وبعض الصلاحيات الممنوحة لجهات أخرى، إلا أن بودينار يرى أن الوضع كان أقرب للملكية التنفيذية، أي إنها كانت تسود وتحكم في نفس الوقت، حيث تمثل السيادة الدولة، وهي المؤسسة الحكم بين السلطات المختلفة، وتقوم بعمل تنفيذي باعتبار أن الملك يرأس مجلس الوزراء ويعين كبار المسؤولين، ويسمي رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر الانتخابات، وهي صلاحيات مباشرة خاصة بالمؤسسة الملكية.


يضيف بودينار الجمعة، أن الملكية البرلمانية كانت أحد مطالب الأحزاب السياسية منذ فترة طويلة، وهي نقطة ظلت محل خلاف لفترة كبيرة بين الأحزاب والقوى السياسية منذ ستينيات القرن الماضي.


وأوضح أن الملكية البرلمانية تعني أن الملك يسود ولا يحكم، أن يكون رمز سيادة الدولة وحكما بين السلطان المختلفة، ورمز وحدة الدولة، وأن يكون الحكم بشكل كامل بشكل ديمقراطي من خلال الانتخابات البرلمانية والحكومة المنتخبة ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة دون تدخل الملك فيها.


وتابع بأن النقاش حول الملكية البرلمانية شاركت فيه أطراف من المؤسسة  الملكية، كما يتحدث الوزراء عن الملكية البرلمانية باعتبارها أفقا مستقبليا، يحتاج فقط إلى الأطر الدستورية والقانونية لتفعيلها.


ما موقف الأحزاب؟


لم تتوافق الأحزاب في المغرب بشكل كامل على المضي قدما نحو تعديل النظام إلى نظام الملكية البرلمانية، وهو ما يؤكده بودينار، بأن بعض الأحزاب ما زالت محافظة وترى ضرورة أن تظل المؤسسة الملكية محتفظة بصلاحياتها.


وأوضح أن الملكية البرلمانية ليست خيارا مشتركا بين الأحزاب حتى الآن، خاصة أن الملكية البرلمانية فيها إعادة توزيع للسلطة السياسية في الدولة، ما يعني تقليص بعض سلطات المؤسسة الملكية.
وكان لرئيس الحكومة المغربية السابق، الأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران، تصريح اعتبر فيه مطلب "الملكية البرلمانية"، مطلبا خطيرا لليساريين.


في دستور 2011 تنازل الملك محمد السادس عن بعض صلاحياته طواعية لصالح جهات أخرى في المملكة، ويوضح بودينار، أنه قبل 2011 كان الملك يعين رئيس الحكومة بصلاحيات مطلقة، فيما الآن يشترط تعيينه من الحزب المتصدر للانتخابات، كما أن الوزراء في الوقت الراهن لا يعينون بشكل مطلق من رئيس الحكومة، وإنما يعينون باقتراح من رئيس الحكومة، ويعين كبار المسؤولين من الوزراء، وقد استقلت النيابة العامة بشكل كامل.


اقرأ أيضا: ملك المغرب يلغي الاحتفال الرسمي بعيد ميلاده


في النظام البرلماني تتقلص صلاحيات الملك، ويحتفظ ببعضها منها احتفاظه بكونه "أمير المؤمنين"، باعتبارها شرعية دينية وتاريخية، كما أنه يظل رمزا لسيادة الدولة، وتصدر القوانين باسمه، ويعين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر، مع ضمان التوقير واستمرار المؤسسة الملكية التي يرى بودينار أنها ساهمت في حفظ الاستقرار خلال الفترات الماضية بشكل كبير.


ويحدد الفصلان 41 و42 من دستور سنة 2011 شكل النظام الملكي في المغرب، ويوردان أن "الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية"، كما أنه "رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي"، فضلاً عن كونه "ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة".


كيف تطبق الملكية البرلمانية


بشأن الخطوات المطلوبة للذهاب نحو الملكية البرلمانية في المغرب، قال النائب عبد اللطيف وهبي عضو مجلس النواب المغربي، إنه لا يمكن الذهاب إلى تطبيق الملكية البرلمانية إلا من خلال تغيير الدستور، خاصة أن الهندسة الدستورية الخاصة بالملكية البرلمانية تختلف عن الدستور الحالي.


ويضيف وهبي في تصريحاته إلى "سبوتنيك"، الجمعة، أن تغيير الدستور يلزمه إجراء استفتاء، وهي الخطوة التي يجب أن يدعو لها الملك حال التوافق على ذلك، بعد مناقشة الأمر من خلال الأحزاب وعرضه على البرلمان الذي يحيله بدوره للمؤسسة الملكية للدعوة للاستفتاء الشعبي بقرار ملكي.


ويؤكد وهبي أنه حتى الآن لا يوجد مؤشرات أولية على النقاش حول الملكية البرلمانية خاصة أن الأحزاب الكبرى في المغرب والأكثر لم تترك إلى الأمر وعلى رأسها: "العدالة والتنمية"، و"الأصالة والمعاصرة"، و"التجمع الوطني" و"التجمع الوطني للأحرار".. فيما تؤيد بعض أحزاب اليسار الذهاب للملكية البرلمانية، منها: "اليسار الموحد"، و"حزب الطليعة الاشتراكي".. فيما يظل موقف حزب "الاتحاد الاشتراكي غير واضح" ويمثله نائبان في البرلمان المغربي.


يؤكد وهبي أن الملك يملك قرار القبول والدعوة للاستفتاء، أو رفض الأمر  نهائيا، خاصة أنه لا يوجد أي نص يلزم الملك بالدعوة للاستفتاء، إلا أنه يرى أن الأحزاب والبرلمان في المغرب قائمة على التوافق مع الملك، أي أنها لن تذهب إلى مناقشة الأمر والملكية البرلمانية إلا من خلال التوافق المسبق مع الملك، وأنها لن تغامر بمفردها في هذا الأمر.

 

يشير وهبي إلى أنه حال إجراء الاستفتاء فيجري انتخاب البرلمان والحكومة من جديد، وفقا للدستور الجديد.


لكن وهبي يقول إن إلغاء الاحتفالات بعيد ميلاد الملك لا علاقة له بالاتجاه نحو الملكية البرلمانية، وإن الملك يسعى للتقليل من الاحتفالات منذ أن وصل إلى العرش.