قضايا وآراء

إدلب تحمل الثورة السورية بين جنباتها

1300x600

منذ أكثر من أربعة أشهر تتعرض محافظة إدلب السورية لقصف عنيف من قوات السفاح بشار والمجرم بوتين، لقي فيها الآلاف من سكانها حتفهم تحت أنقاض منازلهم التي هُدمت فوق رؤوسهم.

في إدلب تُرتكب جرائم حرب بنفس وحشية جرائم النازية وجرائم المغول، والعالم كله صامت، يرى بأم عينيه تلك المجازر الوحشية التي يندى لها الجبين الإنساني، ومع ذلك لا يرف له جفن ولا يرتجف له قلب ولا يحرك ضميره. فقد مات الضمير العالمي ولم يعد له وجود في عالم منافق أعور يرى بعين واحدة، حينما يقع حادث إرهابي فردي في دوله أو يُقتل صهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حينها فقط يرى ويسمع ويتكلم بل ويصرخ، وتقوم الدنيا ولا تقعد.. ولكن أن يقوم نظام بعمل إرهابي ضد شعبه المسلم فلا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا أحد يتحرك لوقف هذه المذابح، أو ردع هذا النظام المجرم الذي يقتل شعبه المسلم، فالمسلمون لا بواكي لهم.

 

أن يقوم نظام بعمل إرهابي ضد شعبه المسلم فلا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا أحد يتحرك لوقف هذه المذابح، أو ردع هذا النظام المجرم الذي يقتل شعبه المسلم، فالمسلمون لا بواكي لهم

حتى من الدول الإسلامية ذاتها، فأين هي مما يحدث في إدلب؟ وأين منظمة التعاون الإسلامي ودورها في حماية المسلمين؟!! إنها أيضا مثل دول العالم؛ صم بكم عمي، لم تحرك ساكناً حتى ببيان شجب أو استنكار يحفظ ماء وجهها المسلم! ولن أتطرق إلى جامعة الدول العربية، فهي والعدم سواء، ولكنني أندهش من صمت المثقفين ودعاة التحرر وحركات السلام في العالم والإعلام الحر وكل المنظمات الدولية.. الكل صامت صمتاً مريباً، وكأن الكل قد تواطأ مع هذا السفاح لإبادة المسلمين في إدلب، أو لنقل في سوريا كلها.

فما إدلب إلا واحدة من المجازر التي يرتكبها النظام الوحشي في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011، وما مجازر حلب وحمص وحماة ومضايا ودير الزور ببعيدة عنها. بل إن هذه المجزرة هي الثانية التي تحدث في محافظة إدلب، بعد المجزرة الأولى عام 2017، والتي قصف فيها الطيران الروسي مدنها وقراها بالصواريخ المحملة بالقنابل الفوسفورية المُحرمة دولياً، واستعمل فيها النظام مئات البراميل المتفجرة التي قذفتها مروحياته على السكان الآمنين، فأحرق القصف البلاد والعباد وأتى على الأخضر واليابس.

 

فما إدلب إلا واحدة من المجازر التي يرتكبها النظام الوحشي في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011، وما مجازر حلب وحمص وحماة ومضايا ودير الزور ببعيدة عنها. بل إن هذه المجزرة هي الثانية التي تحدث في محافظة إدلب، بعد المجزرة الأولى عام 2017

وأمام هذا المشهد المرعب لم يجد الأهالي الناجون من تلك المحرقة مفراً من لهيب القصف؛ إلا النزوح إلى شمال سوريا، في رحلة القهر والعذاب على دروب الآلام، وكان التهجير القسري المفاجئ.. عشرات الآلاف من الأسر فروت بأرواحها بلا غذاء ولا كساء ولا فرش ولا أغطية؛ في ظروف جوية قاسية، وافترش النازحون الأرض والتحفوا السماء على الحدود، وكأن الروس والأسد لم يكتفوا بذلك المشهد المأساوي في إدلب، وأرادوا أن يكرروه مرة أخرى بعد عامين لكن في فصل الصيف، حيث تتناسب سخونة الجو مع سخونة القصف!!

تحتضن محافظة "إدلب" قرابة أربعة ملايين سوري مناهضين للنظام، بينهم مئات الآلاف ممن آثروا التهجير على البقاء في مناطق سيطرة النظام، بعد توقيع اتفاقيات التسوية التي رعتها روسيا في درعا والقنيطرة وريف دمشق وجنوب دمشق وريف حمص الشمالي، وهي إحدى المناطق الواقعة في منطقة ما أسموه "خفض التصعيد"؛ التي تم تحديدها بموجب مباحثات "أستانا".

فقد أعلنت الدول الضامنة لمسار "أستانا" (تركيا وروسيا وإيران) في شهر أيلول/ سبتمبر عام 2017 التوصل إلى اتفاق ينص على "إنشاء منطقة خفض تصعيد بمحافظة إدلب ومحيطها"، إلا أن روسيا أخلت بهذا الاتفاق حيث أنها منذ نيسان/ أبريل الماضي، وبدأت طائراتها بشن حملة قصف عنيفة على إدلب ومناطق أخرى في محافظات حلب وحماة واللاذقية المجاورة. هذا القصف المتواصل أسفر عن قتل الآلاف من السوريين المدنيين العزل، من بينهم مئات الأطفال، ودفع أكثر من 400 ألف سوري إلى الفرار من لهيب النيران والنزوح إلى شمال غرب سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفق بيان للأمم المتحدة..

لقد فرغت مدن وقرى كاملة من سكانها وأغلقت محلاتها، وأصبحت مدن أشباح، وتحولت إدلب الجميلة التي كانت تتباهى بجمالها بين مدن العالم حطاماً ودماراً وجماجم تحت الأنقاض!

وكأن الغرض من هذه الحملة هو تهجير السنّة ليحل محلهم سكان غرباء من مذهب آخر، يدينون بالولاء للنظام، وخاصة أن هذه المناطق محاذية للساحل، معقل آل الأسد. فمنذ البداية كان النظام يعمل على إعادة توزيع السكان (ديموغرافياً) على أسس طائفية بغيضة. وقد قالها السفاح بشار من قبل "سوريا لمَن يحب سوريا حتى لو لم يكن يحمل الهوية السورية"، طبعا هو يعني بحب سوريا حب النظام العلوي..

لقد حاول الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" جاهداً منذ أعوام انتزاع قرار أممي بإنشاء "منطقة آمنة" للسوريين، ولكن أمريكا تصدت له ورفضت بشدة؛ لأنها تدعم نظام بشار وإن أظهرت غير ذلك. فترامب يؤيده في إبادته للسوريين والذين يعتبرهم إرهابيين، فهو يقوم بهذه الحرب بالنيابة عن كل الدول الصليبية، فهو الحارس لحدود الكيان الصهيوني ويحميه من هؤلاء الإرهابيين..

إن ما يحدث في إدلب وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي أفاق فجأة على مشهد لطفلتين عالقتين تحت أنقاض منزلهما المتهدم جزئياً، تحاول الطفلة الكبرى إنقاذ الأخرى الرضيعة، وتمسك بتلاليب قميصها بإصرار ولا تريد أن يفلت منها، قبل أن ينهار المبني بأكمله، فتلقى الشقيقة الكبرى حتفها لتلحق بأمها التي قضت في القصف ذاته، فيما تصاب الشقيقة الصغرى بإصابات خطيرة!!

 

هذا الضمير العالمي المرهف سيتلاشى سريعاً، مثلما حدث سابقا مع صورة الطفل السوري "آلان الكردي" الذي وُجدت جثته على شاطئ في تركيا عام 2015، وأسفرت وقتها عن إطلاق وعود من قبل زعماء العالم لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين

لا شك أن هذا المشهد المأساوي يوجع القلوب ويذرف الدموع، وكم مثله من مئات المشاهد المأساوية التي أدمت القلوب ولم تلق اهتمام العالم؛ الذي استفزته صورة الطفلة"ريهام" البالغة من العمر خمس سنوات، وهي تناضل ببسالة من أجل إنقاذ شقيقتها الرضيعة "تقى" ابنة السبعة أشهر؛ من بين أنقاض مبنى دمره القصف على بلدة "أريحا" في محافظة إدلب!

لا شك أن هذا الضمير العالمي المرهف سيتلاشى سريعاً، مثلما حدث سابقا مع صورة الطفل السوري "آلان الكردي" الذي وُجدت جثته على شاطئ في تركيا عام 2015، وأسفرت وقتها عن إطلاق وعود من قبل زعماء العالم لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين، ثم سرعان ما نسوا وعودهم. وبعدها بعام واحد أثارت صورة الطفل "عمران دقنيش"، البالغ من العمر خمس سنوات، وهو مغطى بالدماء خلال المعركة التي اندلعت في حلب، غضباً عارماً في العالم؛ لم يترجمه إلى موقف صارم تجاه هذا النظام القاتل.. أيضا سرعان ما تلاشى هذا الغضب المصطنع!

وبمناسبة صور الأطفال التي توقظ ضمير العالم، هناك ألف طفل سوري على الأقل قد قُتلوا هذا العام فقط، حسب تقرير للأمم المتحدة، ولا بواكي لهم!

 

قبل أن نلوم العالم لمواقفه المخزية، يجب أن نلوم بل نُجرّم المعارضة السوري في الخارج، والتي ذهبت منذ أيام لحضور مباحثات "أستانا 13" في كازاخستان

وقبل أن نلوم العالم لمواقفه المخزية، يجب أن نلوم بل نُجرّم المعارضة السوري في الخارج، والتي ذهبت منذ أيام لحضور مباحثات "أستانا 13" في كازاخستان. إذ إن رئيس وفد المعارضة السورية "أحمد طعمة" عقد مؤتمراً صحفياً في مدينة إسطنبول قبل سفره، وجه فيه الشكر إلى قاتل شعبه.. نعم شكر روسيا وقال إنهم لمسوا تحسنا في موقف روسيا، وأن لدى موسكو الرغبة في تحسين الأوضاع!!

هنا تعجز المعاجم اللغوية رغم ثرائها؛ عن أن تجد كلمة ترد بها على هذا الرجل الذي يمثل المعارضة السورية في الخارج. فماذا نقول غير لك الله يا سوريا؟ فلأول مرة يشكر المجني عليه الجاني، ولأول مرة أيضا يطلب القاتل هدنة بعد أن أجهز على الضحية. إذ أن النظام القاتل وحلفاءه الروس يعلنون عن هدنة ووقف إطلاق النار (بشروط) بعدما فشلوا في دخول إدلب التي تحمل بين جنباتها الثورة السورية الباسلة، وما هذه الهدنة إلا خدعة كبرى كسابقاتها، لشراء مزيد من الوقت لإعادة تأهيل القوات ولمواصلة الهجوم من جديد، ولتستمر إراقة دماء السوريين، حيث لا ثمن للدم السوري ولا عقاب لزاهقيه!!

لقد ابتليت الثورة السورية بأشخاص نصّبوا أنفسهم قادة عليها والمتحدثين باسمها في الخارج، وهم أشد حمقاً من النظام الذي تربى بعضهم وترعرع في كنفه وتولوا المناصب فيه.

المعارضة السورية في الخارج تفرقت وانقسمت إلى ائتلافات وجماعات، كل يتبع دولة ما، وتعقد مؤتمراتها لأخذ الشو الإعلامي فقط. فهل يصلح هؤلاء للتحدث باسم الثورة؟ وهل هؤلاء يرتقون لحجم التضحيات الجسيمة التي قدمها الثوار؟! إنهم يلحقون بجملة المآسي التي يعاني منها السوريون!!

وكما انتقدنا معارضة الخارج، فلا بد أيضا أن نلوم الثوار على أرض المعركة، الذين تفرقوا إلى شيع وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون، وكل ينكر الآخر ويتنازع معه، ويأتمر بأوامر دول هنا أو هناك، ما أضاع الثورة وبدد أحلام السوريين الذين خرجوا مهللين لها، مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة.

إن الثورة السورية المظلومة قدمت من التضحيات ما لم تقدمه أية ثورة أخرى، ولولا التآمر عليها من الخارج ومن الداخل لانتصرت، ولكان نظام السفاح بشار قد أزيح للأبد. ولكن حتما سوف تنتصر الثورة في يوم ما قد يرونه بعيداً ونراه قريباً، وستشرق شمس الحرية على سوريا الحبيبة.. ستنتصر سوريا حينما يتوحد الثوار، ويعودون إلى شعارهم في بداية الثورة "ما لنا غيرك يا الله"..