قضايا وآراء

ورشة البحرين والسلام الاقتصادي الأجوف

1300x600

عُقد في نهاية شهر حزيران/ يونيو الماضي مؤتمر في البحرين؛ دعت إليه واشنطن والمنامة، وسمي "ورشة عمل السلام من أجل الازدهار بهدفِ التشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية وتعميم فكرة السلام الاقتصادي". وقد سعت الورشة بشكل أساسي إلى تغييب جوهر القضية الفلسطينية؛ المتمثل بالاحتلال الصهيوني المباشر لفلسطين وطرد غالبية أهلها العرب بقوة مجازر العصابات الصهيونية، بدعم مباشر من المحتل البريطاني.

يلحظ المتابع عودة مصطلح السلام الاقتصادي إلى الواجهة الإعلامية من جديد، وخاصة خلال وبعد الزيارات المكوكية لنتنياهو وعدد من وزرائه إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

بدعة السلام الاقتصادي

بات واضحاً أن توجهات ورؤية الرئيس ترامب، تنسجم مع رؤى وتوجهات نتنياهو، وهي تتقاطع بشأن الاستيطان وغيره من القضايا الجوهرية في إطار القضية الفلسطينية، التي تستند إلى القانون الدولي ومقررات الشرعية الدولية.

 

إسرائيل والولايات المتحدة تريان، وعلى ضوء ما تعانيه المنطقة من مستجدات لها انعكاساتها على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بأنه من السهولة بمكان جعل فكرة السلام الاقتصادي حقيقة ماثلة للعيان

لدى حكومة نتنياهو، مخططات مسبقة، تم الإعلان عنها مراراً بشأن الحدود المؤقتة، وما سيرافقها، من دعم اقتصادي، وسبق للفلسطينيين أن رفضوا ذلك بوضوح وجلاء، ورأوا في الحدود المؤقتة بديلاً عن الحقوق الوطنية الفلسطينية في وطنهم الوحيد، فلسطين. واللافت أن إسرائيل والولايات المتحدة تريان، وعلى ضوء ما تعانيه المنطقة من مستجدات لها انعكاساتها على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بأنه من السهولة بمكان جعل فكرة السلام الاقتصادي حقيقة ماثلة للعيان، وتالياً موت فكرة حل الدولتين، أو تجميد الاستيطان وتفكيكه، وغيرها من حلول دولية، وإبدال كل ذلك، بحل إسرائيلي، يجعل من الفلسطينيين قوة عمل، سقفها السياسي لا يتعدى إدارات مدنية، لا أفق سياسيا لها، وتعيش في حالة اقتصادية تجعل من العيش وبعض الرخاء بديلاً عن الصراع المفتوح مع إسرائيل، والذي جوهره الاحتلال للأرض والمقدرات الفلسطينية، كالمياه، ناهيك عن الإحلال والتهويد المتمثل بالمستوطنات والمستوطنين.

وخلافاً لخطابات الإدارات الأمريكية السابقة عن أهمية حل الدولتين، تبنت إدارة ترامب نهجاً جديدا يتساوق إلى حد كبير مع فكرة السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين؛ الذي يروج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وروج لها قبل ذلك الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز. وقد تعزز التوجه الأمريكي الجديد من خلال عقد ورشة البحرين، حيث تضمن جدول أعمالها الاهتمام بالوضع الإنساني في قطاع غزة بشكل خاص، وذلك في إطار الأولوية التي يعطيها لتحسين الوضع الاقتصادي في الضفة والقطاع، وكذلك أمن إسرائيل، وسيتم تتويج ذلك بالإعلان عن صفقة ترامب لاحقاً، التي تعتبر السلام الاقتصادي ركيزتها الأساسية، وسيتم تغييب القضايا الجوهرية التي برزت بعد نكبة 1948 ونكسة حزيران/ يونيو 1967.

 

تعزز التوجه الأمريكي الجديد من خلال عقد ورشة البحرين، حيث تضمن جدول أعمالها الاهتمام بالوضع الإنساني في قطاع غزة بشكل خاص

تجويف معنى الصراع

لتجويف معنى الصراع الحقيقي على أرض فلسطين بين الشعب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، بمعالمه الاحتلالية المختلفة، تبنت إدارة ترامب وحكومة نتنياهو فكرة السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين، جنبا الى جنب مع الضغط عليهم بغية انتزاع الاعتراف بيهودية إسرائيل، خاصة وأن ترامب أشار في أكثر من تصريح صحفي بأنه ليس بالضرورة أن يكون الحل الوحيد للنزاع هو في إقامة دولتين، حيث شكل ذلك التصريح تحولاً كبيراً ومهماً عن حقيقة أن مبدأ حل الدولتين هو الحل الوحيد، كما أن تأييده لحل سياسي في إطار عملية إقليمية واسعة هو ما كان يسعى إليه نتنياهو لسنوات خلت. ومع قرب الإعلان عن "صفقة ترامب"، تزداد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وكذلك الضغوط من قبل دول عربية على الفلسطينيين بغية الانصياع للمطالب والتوجهات الإسرائيلية، في وقت ترتفع فيه وتيرة النشاط الاستيطاني في عمق الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن إسرائيل ستكون الرابح الأكبر فيما لو تمّ تعميم فكرة السلام الاقتصادي، حيث ستستثمر القدرات البشرية الفلسطينية، وتسعى إلى جذب مزيد من قوة العمل الفلسطينية للعمل في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي المختلفة وبالشروط الإسرائيلية المجحفة، عوضاً عن قوة العمل الآسيوية، وقد يستوعب قطاع البناء الإسرائيلي المجهد العدد الأكبر من قوة العمل الفلسطينية في ظل رفض الإسرائيليين العمل فيه، وبذلك ستبقي إسرائيل سيطرتها على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني.

قد تبدو رزمة الوعود الأمريكية لتحسين ظروف الفلسطينيين الاقتصادية من خلال بعض المساعدات مغرية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، كارتفاع معدلات البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وضعف الخيارات المختلفة، لكن ذلك سيزيد من اعتماد الفلسطينيين على المساعدات الخارجية، وفق شروط وقنوات إنفاق لا يتحسس ثمارها المواطن الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، وبهذا يقع الفلسطينيون في شرك المساعدات المشروطة من جهة، والابتزاز السياسي أيضاً.

 

سيزيد من اعتماد الفلسطينيين على المساعدات الخارجية، وفق شروط وقنوات إنفاق لا يتحسس ثمارها المواطن الفلسطيني بأي شكل من الأشكال

سبل المواجهة

إن انحياز إدارة ترامب إلى جانب توجهات نتنياهو، الذي يسعى أكثر من أي وقت مضى إلى ترسيخ فكرة السلام الاقتصادي؛ لتجويف معنى السلام الحقيقي مع الفلسطينيين الذي يرتكز في الأساس على العدالة والقانون الدوليين ونيل الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه الوطنية بعد تفكيك معالم الاحتلال الاسرائيلي، يحتم على الفلسطينيين الإسراع لتبني سبل كفاحية جماعية بعد مفاوضات بائسة استمرت لاكثر من عقدين، ولم تفض إلى حصول الفلسطينيين على أي حق من حقوقهم الوطنية.