كتاب عربي 21

نبيل القروي.. أو المرض الطفولي للديمقراطية التونسية

1300x600
نبيل القروي المدير المثير للجدل للقناة الأكثر مشاهدة في تونس، قناة "نسمة"، وأحد الإعلاميين المقربين من بن علي قبل الثورة، أعلن هذا الأسبوع ترشحه للانتخابات الرئاسية في تونس. البعض لا يزال يتهكم ويعتبر أنه "ظاهرة عابرة"، لكن نحن بصدد ترشح "جدي" من حيث الحظوظ.

هو يختزل في الحقيقة طبيعة الانتخابات القادمة، والتي ستكون محطة شعبوية بامتياز وحلبة صراع ضد "المنظومة" عموما. يبدو كأنه النسخة التونسية لترامب والكوميدي الأوكراني الذي انتخب رئيسا. خليط من الشهرة التلفزية والوعود الشعبوية والعداء لجميع السياسيين المتحزبين والمنظمين، في ظل الثقة الضعيفة للناخب التونسي في السياسة التقليدية. هو بمعنى ما المرض الطفولي للديمقراطية التونسية.

أصبح من المهم متابعة هذه "الظاهرة" السياسية بشكل أكثر دقة، ومضمونها وعلاقاتها وتركيبة قاعدتها الانتخابية الاجتماعية، أيضا ما هو المنافس الأكثر جدية في الأفق للتعامل مع هذا الوضع.

- حظوظ الرئاسية: مثلما كتبت سابقا، يجب التهيؤ وعدم إنكار جدية حظوظ القروي، من حيث نوايا التصويت (لمعظم الاستطلاعات المنشورة وغير المنشورة، وذلك منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي)، وأدوات الحملة (إعلام وشبكة تسويق انتخابي، أيضا حشد انتخابي يوم الحملة). القروي قد يتقدم على الأرجح وبسهولة للدور الثاني، والسؤال: من سيواجهه في الدور الثاني.

ففي ظل عدم توافق المنظومة على مرشحها عمليا، نجح القروي في فرض نفسه عليها. هو مرشح السيستم الآن بالقوة، وليس بالتوافق. وهذا سيعني محاولة بعض السيستم القيام بكل المحاولات لمنع ذلك، عبر القانون أو تحت الحزام، لكن توقعي أن ذلك لن ينجح.

- الرئاسية مع التشريعية: لمّح القروي في حواره "الخاص" مع قناته "نسمة"، وكما هو متوقع، إلى أنه معني بالتشريعية أيضا، وليس الرئاسية فقط. يقدم القروي مثالا آخر على أن العرض السياسي الجدي يجب أن يكون عرضا يشمل الرئاسية وكتلة جدية في البرلمان (كتلة جدية ليست بالضرورة أغلبية: بين 15 و20 نائب. لكن حتى بهذا العدد تسمى كتلة كبرى، خاصة إزاء التشتت المتوقع للمقاعد في البرلمان القادم). عبر هذه الكتلة يملك مساحة مناورة جدية للمساومات في البرلمان.

- قاعدته الانتخابية: صحيح أن "الزواولة" (الفقراء في التعبير التونسي العامي) الذين يتلقون المساعدات (أو الذين يأملون في تلقيها، وعددهم الحقيقي أضعاف من تلقى المساعدات فعلا)، سيكونون جزءا مهما من قاعدته، لكن قاعدته تشمل أيضا جزءا مهما من "المليون مرا" (قاعدة قائد السبسي في الانتخابات الماضية)؛ التي انتقلت من مشاهدة بلاتوهات السياسة في 2014 إلى مشاهدة المسلسلات التركية في "البرايم تايم" في قناة "نسمة". ولكن ذلك يشمل أيضا جزءا من الطبقة الوسطى من أطباء ومهندسين وغيرهم ممن كرهوا النخبة السياسية. تلك كانت التركيبة الاجتماعية المتنوعة لمرشح 2014 في صنف البيزنس، أي سليم الرياحي. القروي سيتوسع فيها كميا، لتشمل خليطا حضريا/ ريفيا، واختراق أغلب جهات البلاد.

- أول رجل "بيزنس" في تاريخ تونس معني جديا بالرئاسية (محاولة أكثر جدية بكثير من سليم الرياحي)، لكن هو يشتغل في بيزنس "الشو" (الاستعراض أو الشووبيز) دون التورط في الرياضة. هو عضو في نادي رجال بيزنس وعلاقات عامة بين أوروبا ومن المنطقة العربية، والأرجح أنه بصدد "تحريك" أموال أطراف أخرى أهمها خارجية (ساويرس وبرلسكوني والأرجح آخرين لا يظهرون في الصورة)، وغير معنية ضرورة ومبدأ بحماية الديمقراطية. ولهذا لا يمكن الاطمئنان لإرساء دولة القانون والمؤسسات عندما يصل إلى القصر، بل حتى الاطمئنان للحد الأدنى لاستقلال البلد.

- علاقة القروي بالسبسي أساسية: هو صديق شخصي ومقرب من السبسي والعلاقة بصدد التقوي (هناك حديث حتى عن أنه انتقل في السكنى قربه في منطقة قرطاج)، وله أثر مباشر على صناعته الإعلامية منذ ولادته الجديدة (أول حوار للسبسي الذي أخرجه من قبره السياسي وسوقه كبديل بداية 2011)، خاصة في استحقاق 2014. العلاقة فترت في مرحلة ما، لكنها عادت، خاصة منذ سنة، بقوة، وأصبحت هناك لقاءات دورية بين الرجلين.

هو ورقة ثأر السبسي من صنيعته الشاهد، وهناك مؤشرات على دعم السبسي عبر شبكة معتمدين موالين له وبعض مصالح الوزارات القريبة منه لحملة القروي الخيرية. لكن الثابت أن القروي الآن أكبر من السبسي.

- الفرق بين القروي والشاهد: من السخرية الحديث عن تناقض بين القروي الذي ساهم في صنع نداء تونس ومشتقات نداء تونس. ليس للقروي أي برنامج جدي للإنقاذ، باستثناء تكرار "انا معركتي ضد الفقر" (ليس هناك علاقة لرئيس الجمهورية وفقا لصلاحيات الدستور بمحاربة الفقر). هو سيسعى لتحويل الدولة لحالة استعراضية وحملة علاقات عامة خيرية لا غير، لكنه مجرد حلقة أخرى في المنظومة التي عمل ضمنها في استحقاق 2014، والآن هو في معركة معها. التحايل كان سمة "النداء التاريخي"، ولا تزال.

الشعبوية الحقيقية هي إيهام الناس بأن القروي شعبوي، والشاهد رجل دولة. القروي هو الوجه الفصيح للشاهد والسبسي ومنظومة "النداء التاريخي" البائسة.

- علاقة القروي بحركة النهضة: لا تزال النهضة في موقع الحزب الأول على الأرجح (قياسا بنوايا التوصيت)، ولا يبدو أنها تهيأت للتعامل مع صعود ظاهرة القروي. هي بصدد ملاحقة الأحداث، والنقاش الجدي داخلها حول كيفية التعامل مع القروي بدأ الآن فقط.

من المنطقي أن نرى القروي يبادر بالذهاب إلى قيادة النهضة لعرض "توافق" جديد، يضمن له على الأقل حسم الدور الثاني وانطلاقة مريحة بعد الانتخابات. النهضة لديها أصلا علاقات بالقروي، وعبّر هو أكثر من مرة عن مديح علني لرئيسها. وهي تحتاج رئيسا تعتقد أنها يمكن أن تسيطر عليه.

عموما، النهضة في مأزق الآن، وواضح أن هناك صراعا جديا حول مرشح الرئاسية (سيتم الانطلاق رسميا فيه في مجلس شورى الحركة بعد عيد الفطر)، في سياق صراع أعمق حول قيادة الحركة المستقبلية، وهو ما سيتجسد في الانتخابات الداخلية في التشريعية التي بدأ التجاذب حولها يصل إلى العلن (بين مرشحي المركزي ومرشحي الجهات، وبين التيارين السياسيين المتصارعين داخلها).

- أخيرا، ما هو العرض الجدي الوحيد لمواجهة القروي؟ أو ما هو الاستقطاب الأكثر جدية في مواجهة القروي؟

أولا، نحن في ما بعد استحقاق 2014، خاصة بغياب السبسي، وأي محاولة لتكرار ظروف 2014 ستكون فاشلة. ومثلما كتبت يوم 5 أيار/ مايو، فالعرض الجدي الوحيد لمواجهة ومنافسة القروي الذي يمكن أن يستميل الناخب؛ هو عرض سياسي واحد يملك مرشحا رئاسيا بحظوظ للمنافسة (خاصة إذا وصل للدور الثاني ويستطيع مواجهة القروي، الذي إذا كان مرشحا محسوبا على النهضة فسينهزم آليا حينها)، ومعه حزب يقدر على حصد كتلة برلمانية جدية (أي انطلاقا من 15-20 مقعدا)، ويجب أن يكون هذا العرض قادرا على اختراق الطبقة الوسطى، وجزءا من الفئات الشعبية وأغلب جهات البلاد، خاصة الكتل الانتخابية الكبرى.

المرشح الرئاسي يجب أن يمثل النقيض الأساسي للقروي مضمونا ورديفه شكلا، أي رجل الدولة المسؤول، والحامي للديمقراطية والدستور مضمونا، أما شكلا، فأن يمثل جيلا جديدا ونسبيا (قياسا بما هو موجود) وأكثر شبابا مثل القروي، مع حزب يحمل مشروع دولة اجتماعية تؤمن بتطبيق القانون، مقابل مشروع دولة البيزنس والعلاقات العامة والتحايل عبر العمل الخيري.. أي أن سردية مضادة للقروي، تفرض استقطابا معه شكلا ومضمونا؛ هي الطريق الوحيد على الأقل (أي في الحد الأدنى) للقيام بمعركة مشرفة في 2019 تمهد لما بعدها، معركة قبل معركة حاسمة أخرى؛ ربما تجري خلال سنوات قليلة بشكل "مبكر" بعد 2019.

في نهاية الأمر، ظاهرة نبيل القروي هي مؤشر على صعوبات الديمقراطية التونسية، حيث لم ينجح التحول السياسي في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية، بما سمح بكراهية واسعة للطبقة السياسية المنظمة، وتوجه جزء من الناخبين للبحث عن السياسة الموازية والقطاع غير المنظم. هي المرض الطفولي لأي حالة انتقال ديمقراطي، ولا ترتبط بالسياق الشعبوي العابر للقارات إلا شكلا.