قضايا وآراء

حكاية ترامب والإخوان وصناعة الإرهاب!

1300x600
المتابع لتصرفات ترامب منذ أن وصل للحكم في الولايات المتحدة، في كانون الثاني/ يناير 2017، لا يجد أي عنت، أو عدم وضوح، لرؤية رئيس أكبر دولة تتحكم في مجريات الأمور في كثير من مناطق العالم. فالرجل تسبق تصريحاته كل مؤسساته، وتعرف من حسابه على توتير ماذا يريد، وما الذي يخطط له. وتقريبا هو الرئيس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية الذي تصادم مع الإعلام بطريقة فجّة، واختلف بشكل واضح مع الكونجرس، ولا نعدم أيضا خروجه على إجماع حزبه في بعض القضايا.

إذن، نحن أمام شخصية غير طبيعية، لم يألفها العالم من قبل، ويغلب عليه الجانب الاقتصادي في معظم تصرفاته، نتيجة لكونه رجل أعمال قبل أن يكون رئيسا، وتتحكم في كل سياساته لغة من يدفع أكثر. وهدفه أن يصل إلى ما يريد بأقرب طريق، بعيدا عن الدبلوماسية، أو السياسة الناعمة، ولذلك نجد دعمه الواضح والدائم للكيان الصهيوني في كل قرارته، مهما كلّفه ذلك من خلاف مع مناصريه داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها.

وليس بعيدا عن تصرفات ترامب الموتورة، أو المتهورة كما تُوصف في الإعلام الأمريكي نفسه، أن يدفع بملف الإخوان المسلمين لكي تصنف منظمة إرهابية إلى وزارة الخارجية، بعيدا عن باقي المؤسسات المهمة في أمريكا، لحرصه الشديد على تمرير القرار بشكل سريع وغير مدروس، لتحقيق كل ما يصبو إليه الصهاينة!

حقيقة ما يحدث في الشرق الأوسط

المسألة في حقيقتها هي وصم كل من يعارض السياسة الأمريكية، بل بالأحرى سياسة ترامب في منطقة الشرق الأوسط، بالإرهاب، وتهيئة الأجواء لـ"إسرائيل" لكي تتحكم أكثر في مجريات الأمور في المنطقة العربية. ولا يخفى على أحد ما يفعله المتصهينون العرب (ابن وزايد، وابن سلمان، والسيسي) في خدمة هذا المشروع.

ولم يكن الانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر، ولصق تهمة الإرهاب بالإخوان في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013؛ بعيدا عن هذا المخطط الجهنمي، بل تعقَّبهم السيسي وأصدر أحكاما بالإعدام على المئات منهم، وسجن عشرات الآلاف بتهم وهمية مُلفقة، وسجن مُعظم من يعارض سياساته الخادمة للمشروع الصهيوني، أو عن هذا المسار الذي يُراد للمنطقة العربية السير فيه؛ رغما عن إرادة شعوبها.

وليست بعيدة أيضا شيطنة الثورات العربية، ووصم كل مؤيديها بكل النعوت السيئة، أدناها أنهم يعملون لصالح جهات أجنبية، ولا أعرف ما هي الجهات الأجنبية!!

أيضا ما يحث من تدمير لسوريا، وإنهاك اليمن وتجويع أهله، ومحاولة تأجيج الحرب في ليبيا؛ بعيدا عمّا يُراد للمنطقة العربية، ناهيكم عن استنزاف خيرات المنطقة بكل الوسائل، وما يقوم به ترامب من حَلْب للمملكة العربية السعودية خير دليل على ذلك.

واستمرار حصار قطر لفترة تقترب من العامين، ما هو إلا لمعاقبتها على نصرتها لقضايا الشعوب العربية، ولفضحها للأنظمة المستبدة في العالم. وليس ببعيد عن هذا المشهد ما يحدث من تضييق اقتصادي، ومحاولة انقلاب فاشلة في تركيا، إلا لأنها تدعم الديمقراطيات في المنطقة العربية، وتريد أن يختار الشعوب حكامهم بشكل ديمقراطي، بعيدا عن الانقلابات العسكرية.

خطورة تصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية

إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحارب الإرهاب كما تدّعي، وشكَّلت تحالفا دوليا منذ سنوات، ورصدت له المليارات من جيوب الشعوب العربية، ولم تفلح في القضاء عليه حتى الآن، فماذا يعني ذلك؟!

يعني ذلك أنها تريد أن تستنزف المنطقة العربية بشكل مستمر بحجة مواجهة الإرهاب، الذي في الحقيقة هي أوجدته، نتيجة لسياساتها الخرقاء على مر السنين، تجاه قضايا الشرق الأوسط، وخصوصا قضية فلسطين، ولدعمها الأنظمة المستبدة التي هي صنيعة الإرهاب والانقلابات.

ولن ننسى حينما أرادت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكيةسابقا ، دعم الإصلاح والتغيير في المنطقة العربية، في العام 2005، وفاز الإخوان المسلمون بعشرات المقاعد في مجلس الشعب، وكذا فوز حركة حماس بنسبة كبيرة في الانتخابات التشريعية من العام 2006، تغيرت الأحوال وتبدلت الأمور، وعادت ريما لعادتها القديمة، في ما سُمي بدعم الاستقرار، طالما أن الإصلاح يأتي بالإسلاميين!

أقول هذه الديمقراطية العرجاء التي تسير بقدم واحدة، وتنظر لمصلحتها فقط، هي التي تنشئ الإرهاب وتغذيه وتدعمه.

ومن ثمَّ يريد ترامب، الأكثر وضوحا في معاداة الإسلاميين، أن يصف أهم جماعة معتدلة وسلمية على مر السنين بأنها إرهابية، على الرغم من أنه يعلم يقينا أن جماعة الإخوان المسلمين في كل أدبياتها وبياناتها تُنكر الإرهاب بشتى أنواعه وصنوفه، وأعلنت في أكثر من موقف رفضها لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأفغانستان، وغيرها من المناطق التي دمَّرتها السياسة الأمريكية الخرقاء.

ربما نختلف حول أداء الإخوان المسلمين السياسي، وخصوصا في مصر، ولكننا لا نستطيع أن ننكر، من باب الإنصاف، أن هذه الجماعة لها دور كبير على المستوى الدعوي والاجتماعي، ونصرة القضايا الإسلامية، وخصوصا فلسطين، ومناطق عديدة مستهدفة من العالم الإسلامي، ولا ينكر ذلك إلا جاحد، أو مستبد ظالم.

إذن، هذا القرار الذي يسعى إليه ترامب، وتدعمه أنظمة عربية مستبدة، من اعتبار هذه الجماعة إرهابية، مع علمهم جميعا أنها ليست كذلك، سيكون له تداعياته من جانبين:

الأول: إتاحة الفرصة للجماعات التكفيرية المسلحة والمختلفة مع الإخوان؛ لتأكيد أنها هي الوسيلة الأصوب في مواجهة الهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية، وأن المواجهة بالسلاح هي الطريق الوحيد.

ثانيا: الدفع بالشباب تجاه أعمال العنف، لعدم جدوى المسار الديمقراطي، التي تتغنى أمريكا بدعمه في العالم، والواقع غير ذلك، حيث تدعم الانقلابات العسكرية، والتضييق على الحريات، وترعى الاستبداد، طالما أنه يخدم مصالحها.

ثالثا: اتجاه العديد من الشباب في العالم العربي إلى اعتناق ظاهرة الإلحاد، وعدم اعتبار الدين الإسلامي ذا تأثير في الحياة، ومن ثم عدم اقتناعهم بما تقوم به بعض المنظمات، والجمعيات، والجماعات، لنصرة القضايا الإسلامية.

في تقديري أن كل هذه الممارسات والادعاءات الكاذبة، سواء من ترامب أو أدواته في المنطقة العربية، ما هي إلا لدعم وتثبيت "إسرائيل"، وتمرير صفقة القرن التي أوشكت على التنفيذ، نتيجة لخيانات أنظمة عربية مستبدة، وستزيد من انتشار ظاهرة الإرهاب، اذي يدَّعي هؤلاء أنهم يحاربونه!

والخلاصة؛ أن ترامب وأعوانه في المنطقة العربية، وخصوصا السيسي وابن زايد وابن سلمان، سيدفعون المنطقة إلى الهاوية، وسيساعدون في تأجيج الحروب الأهلية، وانتشار أعمال العنف والإرهاب، وهذا له خطورته على الأمن والسلم الدوليين.

كما أن هذا القرار المحتمل سيفقد الكثيرين الأمل في مسارات التغيير السلمية والديمقراطية، وقد يدفع البعض، وخاصة الشباب، إلى اللجوء إلى أساليب أخرى نرفضها جميعا، بل إن جماعة الإخوان تكون في مقدمة الذين يواجهون من يفكر في اتخاذ مسارات لا تتفق مع منهج الجماعة السلمي في إحداث التغيير.

وهذا القرار سيُعقِّد السياسة الخارجية لأمريكا في المنطقة، خاصة في الدول التي يشارك فيها المحسوبون على فكر الجماعة في الحكم بشكل أو بآخر، سواء في تونس أو المغرب أو الأردن أو الكويت، أو حتى طريقة تعاملها مع تركيا؛ ناهيكم عن مصير مئات المؤسسات والجمعيات الخيرية المنتشرة في أنحاء العالم التابعة أو القريبة من الإخوان، فهذا القرار سيتبعه فرض عقوبات وقيود على حركة الإخوان في تلك الدول وغيرها.

كما أن هذا القرار في حال اتخاذه، سيزيد من موجة الإسلاموفوبيا، ويدعم اليمين المتطرف في الغرب، وسيجعل التحول السلمي وتداول السلطة، خاصة بالشرق الأوسط، من المستحيلات، وسيُفقد الكثيرين الأمل في مسارات التغيير السلمية والديمقراطية.