كتاب عربي 21

رسائل الذعر والمكايدة

1300x600
قبيل الاستفتاء على تعديلات الدستور المصري الأخيرة، اتخذت القوى المسماة بالمدنية موقفها بالاشتراك في الاستفتاء مع التصويت عليه بـ"لا". وفي أوساط الإسلاميين امتنع حزب البناء والتنمية، التابع للجماعة الإسلامية، عن إبداء موقف، بينما أيّدها حزب النور مع تحفظ على كلمة "مدنية" في تعديل المادة 200، الخاصة باختصاصات القوات المسلحة، ورفضها حزب الوسط دون إبداء موقف بالمشاركة أو المقاطعة، وصمتت جماعة الإخوان المسلمين عن إبداء موقفها حتى الأيام الأخيرة قبل الاستفتاء، ثم قامت بدعوة المصريين إلى مقاطعته.

بعد ظهور نتيجة الاستفتاء، خرج بيان من المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين، وهو الجناح المُسمّى إعلاميا بـ"جناج محمد كمال"، وجاء في البيان: "والمكتبُ العام لجماعةِ الإخوانِ يقدمُ تحيةَ إعزازٍ وتقديرٍ لكلِ قوى المعارضةِ التي استطاعت رغم القمعِ، إرباك المشهد المحكم رغم هزليته، وتثمِّن كلَّ جهدٍ بُذلَ في سبيلِ إيصالِ رسالة رفضٍ قوية سمعَ بها ورآها العالمُ أجمع (...) وندعو الجميعَ لنبذِ الخلافاتِ السابقة، بل وتناسيها والتغاضي عنها في هذه اللحظةِ الفارقةِ من تاريخِ وطننا الغالي. لتكن "لا" و"المقاطعة" و"باطل" خطوتنا الأولى نحو الاتحادِ والانصهارِ في بوتقةٍ مصريةٍ أصيلةٍ لإعلاءِ مصالحِ الوطن.. لتكن انطلاقةً حقيقيةً لاستعادةِ روحِ ثورةِ يناير والالتفافِ حول مطالبِها العادلةِ من جديدٍ، لنبني معا مقاومةً واعيةً قويةً تقودُ مشهدا ثوريا جامعا في وجهِ هذا الانقلاب".

استدعى هذا البيان، صدور بيانيْن مقابليْن له، أحدهما من الحركة المدنية الديمقراطية، والآخر من الجناح الأكبر في جماعة الإخوان المسلمين والمعروف إعلاميا بـ"جبهة محمود عزت". بيان الحركة المدنية جاء تثمينا لعدد المصوّتين بـ"لا" ضد التعديلات الدستورية، وجاء مهاجما لبيان المكتب العام لجماعة الإخوان: "قبل ساعات من إعلان النتائج، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا بشأن موقفهم من التعديلات الدستورية. وإن الحركة المدنية الديمقراطية باعتبارها حركة سياسية تعمل في الداخل، وفي الأطر الديمقراطية والدستورية، وتسعى لتأسيس دولة مدنية حديثة، كانت قد أعلنت موقفها بوضوح منذ اللحظة الأولى. وكما جاء في بيانها التأسيسي، أنها لم ولن تتعاون بأي صورة من الصور مع أي قوى أو حركات سياسية تسعي لتأسيس دولة استبدادية رجعية. كما نصّت الوثيقة التأسيسية للحركة صراحة على عدم التعامل مع جماعة الإخوان وبقايا نظام الحكم السابق على ثورة 25 يناير، وكل من يدعو أو يكرس للاستبداد والدكتاتورية وإفقار الشعب المصري. وإن الحركة لم ولن تغير موقفها المعلن الذي عبرت عنه بوضوح منذ انطلاقها في كانون الأول/ ديسمبر 2017، وفي جميع بياناتها ومواقفها السياسية المعلنة".

أما بيان الإخوان، فقد جاء تأكيدا لموقفهم الداعي إلى المقاطعة، ونفي وجود جهات أخرى تعبّر عن الجماعة بخلاف قيادتها ومتحدثيها الإعلاميين، وعبر منصّاتهم الإعلامية التي حددوها في البيان.

بعد الاستفتاء بعدة أيام، خرجت مبادرة من المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور، يدعو فيها لبدء حوار سياسي موسّع يضم أطياف السياسة في مصر، وخرجت ردود فعل سريعة من سياسيين مصريين، برفض "المعارضة من الخارج"، ثم كُتب بصفحة موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لحزب الحرية والعدالة، التابع للجماعة والصادر بحقه قرار بحلّه في مصر، أن "أي مبادرة لا تعترف بشرعية الرئيس مرسي الذي يدفع حياته الآن ثمنا للحفاظ على الثورة، وأي مبادرة لا تعترف بشرعيته، هي تعتبر خيانة للرئيس، وانقلابا على الحق، والتفافا على الثورة".

كان بيان المكتب العام للإخوان جيدا في صياغته وفي دعوته للائتلاف، والاستفادة من حالة الرفض العامة للنظام، سواء عبر المشاركة أو المقاطعة، وربما جانبه التوفيق في توقيت اختيار الدعوة؛ نظرا للتحفز ضد الإخوان في ذلك التوقيت، والانتشاء برقم الرافضين من قِبل التيار المسمّى بالمدني. لكن تبقى دعوة الائتلاف مطلوبة ومرغوبة، لكن المُلفت أن دعوة الائتلاف قوبلت بعاصفة من البذاءات والاتهامات بمحاولة ركوب "النجاح" في الحشد ضد الاستفتاء، وفي ظل الهجوم الشرس والحاد، كان طبيعيا أن تصدر الجهة الأكبر في الجماعة بيانها بتمسكها بالموقف القديم الداعي إلى المقاطعة، وعدم صحة نسبة بيان "تثمين المواقف الأخرى" إليها.

كذلك، لفت صديق نظري إلى أن ردود الفعل حول دعوة أيمن نور إلى حوار موسّع، كانت ملفتة من جهة رفضها، وإبراز عدم قبول أي دعوة من الخارج، أو ارتباط بالإخوان أو أحد المتواصلين معهم، مع رفع لوتيرة الهجوم على جماعة الإخوان، فجاء الرد بدعوة الحزب إلى التمسك بشرعية الرئيس الأسبق مرسي، إذ طالما ستتعرض الجماعة للهجوم في كل الأحوال، سواء قبلت الاشتباك السياسي أم لم تقبل، سواء دعت إلى حوار أو لم تدعُ، فلا أقل من تمسكها بخطابها كذلك، وليبرز كل طرف إمكانياته وقدراته.

ما تشرحه لنا تلك الأحداث، أن هناك ذُعرا من وجود أي رابط مع الإخوان من أطراف الحركة المدنية في مصر، فضلا عن وجود خلافات فكرية، وإرثا من الصراعات والعداوات في فترة ما بعد ثورة يناير 2011. وفي مقابل الذُّعر، يأتي خطاب المكايدة برفض الأطروحات المقابلة ورفع السقف ضد خطابها. صحيح أن سلوك المكايدة هذه المرة كان في إطار ردود الفعل، إلا أن المرجو أن تتحرر الأطراف المصرية من السفاسف، وأن تسعى لترقية السلوك السياسي لا استدامة المناكفة.

إشكال الحالة المصرية لا يزال في معارضتها، وليس مجرد استبداد السيسي، فالمعارضة التي لا تقدر على الاتفاق على الجوانب الأساسية من العيش المشترك، وتقديم رؤية تتسع للجميع دون إقصاء، وتتفق على سبل إدارة خلافاتها بطرق سلمية، لن تقدر بعد ذلك على إحداث أي تغيير، وتظل حالة المعارضة المصرية تطرق الباب بشدة لتكوين نخبة سياسية جديدة تقدر على القفز على خلافات الماضي، وتبحث عن كيفية بناء المستقبل، وتحتفظ مكوناتها بأفكارها، دون محاولة فرضها بالجبر على المجتمع.