قضايا وآراء

مؤتمر بغداد بين الاستقرار والتنمية والواقع

1300x600
يُقصد بالاستقرار؛ حالة من الاتّفاق العامّ بين النخبة السياسيّة والجماهير حول القواعد التي يعمل بها النظام السياسيّ.

وهنالك عدّة أنواع من الاستقرار منها الاستقرار النفسيّ والوظيفيّ والمعاشيّ والصحّيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، وغيرها من الأنواع. ومع كثرة الأنواع والتعريفات، لكن يبدو أنّ هنالك تشابها بين المعاني اللغويّة والاصطلاحيّة للاستقرار، فجميعها تدلّ على الثبات والسكون والقرار.

والاستقرار السياسيّ لا يكون إلا عبر عاملين مهمّين، وكلاهما مكمّل للآخر:

العامل الأوّل: قناعة الجماهير بالنظام السياسيّ القائم.

والعامل الثاني: قوّة النظام القائم في إدارة الدولة. ولا يقصد بالقوّة هنا القوّة البطشيّة، وإنّما المقصود القدرة على توفير الأمن والخدمات، وغير ذلك من أسباب خدمة الوطن والمواطن.

حينما نحاول تطبيق هذين التعريفين على المشهد العراقيّ، نجد أنّنا أمام جملة من العقبات المهلكة التي تؤكّد بما لا يقبل الشكّ أنّ النظام السياسيّ العراقيّ غير مستقرّ، بل وحرج وقائم على أسس هشّة لا تبشّر بخير، ولا تطمئن الجماهير بأنّ النخب السياسيّة، أو النظام السياسيّ يسير في الاتّجاه الصحيح.

ويوم السبت الماضي، احتضنت العاصمة بغداد مؤتمر برلمانات دول الجوار العراقيّ تحت عنوان "العراق.. استقرار وتنمية"، بمشاركة رؤساء برلمانات تركيا والسعوديّة والكويت والأردن وسوريّا وإيران.

وبعيدا عن التناحر الظاهر بين بعض الدول المشاركة في اللقاء، فإننا سنحاول تسليط الضوء على الواقع السياسيّ العراقيّ، وهل هو فعلا يتّصف بالاستقرار والتنمية، أم هي مجرّد دعاية سياسيّة؟

الاستقرار في إطار الدولة يقصد به بالدرجة الأولى الاستقرار السياسيّ، وحينما نقرأ الواقع السياسيّ العراقي نجد (على سبيل المثال) أنّ حكومة عادل عبد المهدي ما زالت حتّى اللحظة غارقة في أمواج التناحر السياسيّ، مما أربك المهدي وجعله غير قادر على حسم أربع وزارات سياديّة وجوهريّة، وهي الدفاع والداخليّة والعدل والتربية، وكلّ ذلك بسبب التناحر السياسيّ بين الفرقاء السياسيّين!

ومن إثباتات حالة عدم الاستقرار، الخلاف الكبير بين بعض السياسيّين حول العديد من الملفّات، ومنها ضرورة حلّ الحشد الشعبيّ وإنهاء ملفّ المليشيات، وقد برزت المناحرات بشكل كبير في الأيّام الأخيرة بين إياد علاوي وصالح المطلك وغيرهما من جهة، ونوّاب وزعماء الحشد الشعبيّ من جهة أخرى، بينما اكتفت الحكومة بموقف المتابع، المتفرّج الذي لا يملك القدرة على حسم الخلاف الذي بلغ مراحل متقدّمة جدا!

رئيس جبهة الحوار صالح المطلك، أكّد قبل أسبوع تقريبا أنّ الحشد الشعبيّ غير مرغوب به في بعض المناطق، فيما طالب المرجعيّة الدينيّة بدعوة عناصر الحشد للعودة إلى أماكنهم!

وفي المقابل، طالب بعض زعماء الحشد بإصدار مذكّرة اعتقال بحقّ المطلك، واتّهموه بسرقة أموال النازحين. وهكذا الحال منذ عدّة سنوات: من يتكلّم ويطالب بترتيب الأوضاع تنفّذ بحقّه مذكّرات الاعتقال، ويدخل دوّامة الترهيب، فهل هذه مظاهر صحّيّة لدولة قويّة، أم مؤسّسات حزبيّة متناحرة تُدير دولة؟

وفي الملفّ الاقتصاديّ، هنالك الآن مواجهات جديدة بين حكومة المركز وحكومة إقليم كردستان حول عدم تسليم الإقليم لواردات النفط لبغداد، ناهيك عن استمرار عمليّات التهريب على قدم وساق، وبالذات في المنافذ الجنوبيّة!

ولا ننسى كذلك إشكاليّة تداخل السلطات، بل وتناحرها واحتماليّة دخول العراق في نفق الأقاليم، وآخرها الدعوة لإعلان إقليم البصرة.

هذه اللقطات العابرة تشير لهشاشة الاستقرار العامّ في العراق، ونحن لم نتطرق هنا للخراب في مؤسّسات العدل والصحّة والتربية والتعليم وغيرها من الدوائر الضروريّة لبناء الدولة والإنسان، فهل يمكن أن نقول الآن إنّ هنالك استقرارا سياسيّا وأرضيّة لتنمية اقتصاديّة في العراق؟

المعطيات الملموسة تؤكّد أنّ العراق غير مستقرّ، وليس بيئة آمنة للاستثمار. ولهذا، من يريد أن يشجّع الاستثمار؛ عليه أن يبني دولة مدنيّة قوية تضرب بيد العدل والإعمار والبناء والمساواة بين المواطنين!

فهل هذه العوامل الجوهريّة والأساسيّة قائمة في هيكليّة الدولة العراقيّة، التي تتقاذفها قوى الشرّ والإرهاب والاختطاف والقتل والهدم والتشريد في الموصل والأنبار وبغداد والبصرة وغيرها من المدن؟

الأمر معقّد، وبحاجة إلى إعادة نظر ودقة في القراءة والتقييم.