كتب

دعوة لتأسيس علم مقاصد الدين من منطلق تجديد فاعلية علم الكلام

كتاب يؤسس للمصالحة بين العقيدة والفلسفة والتصوف (عربي21)

الكتاب: تجديد علم الكلام.. في تأسيس عقلانية دينية معاصرة
المؤلف: د. محمد المستيري 
الناشر: منشورات كارم الشريف- تونس 2019

يمثل كتاب "تجديد علم الكلام: في تأسيس عقلانية دينية معاصرة"، الصادر حديثا في تونس، للباحث التونسي الدكتور محمد المستيري، محاولة لإعادة تأسيس علم الكلام على ثلاثية العقل والأخلاق والعمران. فهو يعيد تعريف علم الكلام، لا على اعتباره علما دفاعيا عن العقيدة، بل على اعتباره فلسفة العقيدة الأخلاقية والكونية للحظة الحضارة الإسلامية. وهي فلسفة تقيم مقاصد الدين العقدية الكلية، أي النظرية العامة للقيم الإنسانية، وللمعرفة، وللسعادة الإنسانية التي جاءت الشريعة لتحقيقها. 

يتضمن الكتاب دعوة لتأسيس علم مقاصد الدين من منطلق تجديد فاعلية علم الكلام لجملة العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية. فعلم الكلام هو الإطار المعرفي والأخلاقي النظري الذي يوجه النظر في النص من داخل العلوم الشرعية نحو المقاصد الإنسانية الكبرى التي يريدها الإسلام.

 

كلما كان الفكر حمالا للقيم الإنسانية المشتركة، إلا وكان قادرا على تمثل غايات الدين


وهو بهذا التعريف الفلسفي والمقاصدي والأخلاقي، يؤسس لمصالحة بين العقيدة والفلسفة والتصوف. إذ غاية النظر الكلامي في النص العلم بالعمران أو بالحضارة المؤدي إلى تزكية النفس. وهو بذلك يتضمن نقدا للحدود المعرفية الصارمة التي وضعها الإرث الشرعي بين مجالات الكلام والفلسفة والتصوف. وهي حدود متأتية من الفهم المذهبي والفرقي الذي كثيرا ما يهمل طبيعة منهج التكامل المعرفي الذي أسس قديما لروح المعرفة في علاقتها بالحضارة وبالسياق التاريخي المتغير. فالكتاب يحمل دعوة لتجاوز منهج إحياء الجدل القديم، الذي لا يمكن أن يمثل تجديدا لفاعلية علم الكلام والعلوم الشرعية عامة، إذ التجديد لا يساوي الإحياء، بل يمثل حياة جديدة للعقلانية الإسلامية القادرة على مواجهة مشكلات الأزمنة الحديثة. 

الحق في المشروع الكوني

وكلما كان الفكر حمالا للقيم الإنسانية المشتركة، إلا وكان قادرا على تمثل غايات الدين. فلحظة تجديد الكلام هي لحظة الوعي بالمشكلات المعاصرة، والقدرة على مناظرتها من منطلق مفاهيمي إنساني مغاير. وهو ما يدعو إلى تحرير ادعاء احتكار القيم الكونية نحو التأسيس على قيمة التعدد في الحق في المشروع الكوني. تجديد علم الكلام هو تجديد لهذا الحق في تأسيس خطاب كوني من منطلق الخصوصية الإسلامية. وهو يفرض تحرير الخطاب الإسلامي من الارتهان إلى التقليد للموروث القديم. فتجديد روح الكونية في النظرية العامة الدينية التي يمثلها علم الكلام يقتضي تحررا من إكراهات التغريب والتقليد على حد السواء.


يوجه الكتاب نقدا لإسقاطات معرفية كثيرة عطلت مسار تجديد الفلسفة الدينية في الإسلام، عبرت عنها مناهج دعوية متعجلة من مثل أسلمة المعرفة، أو الصحوة الإسلامية، أو النهضة الإسلامية، أو التحديث الإسلامي. وهي دعوات للموافقة بين إسلام "الموروث" وواقع الأمة التغريبي. ولم تؤسس هذه الدعوات لمناهج تجديدية من داخل المنظومة الشرعية التراثية، ولا من داخل المنظومة الحداثية. فلقد ساهمت في في إحياء ضمير الأمة ولم تساهم في إحياء عقلانية الدين. والكتاب يفرض لتجديد فلسفة الدين أو مقاصده من داخل النظر الكلامي الجديد، قدرة على الجمع بين نقد التراث ونقد الحداثة. إذ لا يمكن لعلم الكلام ادعاء الكونية إن لم يساهم في تأسيس لحظة ما بعد الحداثة. كما لا يمكن أن يراجع مضامين ومناهج الكلام القديم، إن لم يكن محيطا بتفاصيلها.

 

يتضمن الكتاب نقدا لأزمة الأخلاق في الفكر الحداثي، ولقصور الكونية القطبية الحداثية، ولهيمنة الفردانية في تصور التحرر، ولأزمة التعددية في النموذج الحداثي أمام تنامي الهويات الجماعية، ولمأزق العقلانية اللادينية.

 
يمثل الكتاب تصورا لأسس الخطاب الكلامي الجديد، من منطلق مناقشة المسائل الكلامية القديمة، وتجاوز حدودها الفرقية الصراعية، والسياسية الحينية، والحوارية الدينية والفلسفية الوسيطة. وهي بيئة فكرية وتاريخية قديمة فرضت مشكلات قديمة بمناهج قديمة، ولا يمكن أن تمثل نموذجا معرفيا للإنسان المعاصر. فالكتاب يتضمن تفكيكا لحدود العقل الكلامي القديم في علاقته بالمعرفة، ولحدود قيم الحرية في علاقتها بالتحرر، ولحدود قيمة المصلحة في علاقتها بالسعادة، ولحدود ثنائية الجماعة والأمة أمام تحدي الكونية، ولحدود الإمامة أمام تحدي السلطة المركبة اليوم. 

ويتضمن الكتاب نقدا لأزمة الأخلاق في الفكر الحداثي، ولقصور الكونية القطبية الحداثية، ولهيمنة الفردانية في تصور التحرر، ولأزمة التعددية في النموذج الحداثي أمام تنامي الهويات الجماعية، ولمأزق العقلانية اللادينية. ويتداخل نقد الحداثة مع نقد الموروث الكلامي القديم ضمن منهج يقوم على التداخل المعرفي، ويؤسس لعقلانية دينية معاصرة. وليست المعاصرة استنساخ للحداثة ولا تنكر لها، بل هي لحظة إبداع الحضارة من داخل مكونات الهوية وضمن السياق الإنساني الجديد.

يتضمن الكتاب سبعة فصول، يحمل كل منها خمس إشكاليات تأسيسية. أما الفصل الأول فهو المحدد لمنهج التجديد المتبع في الكتاب. ويأتي الفصل الثاني ليحدد العلاقة بين العقل والمعرفة، التي تهيئ للفصل الثالث المخصص للعلاقة بين الحرية والتحرر. فيما يعتني الفصل الرابع بالعلاقة بين الكرامة والتعددية. ويتوقف الفصل الخامس عند سؤال الأخلاق بين الفكر الكلامي والفكر الحداثي، لينتهي إلى إشكالية المقصد المجتمعي في تأسيس علم الكلام الجديد. 

ويختتم الكتاب بسؤال العلاقة بين الكونية والإنسانية، على اعتبارهما أفق التجديد الكلامي، من أجل إعادة الاعتبار لمركزية الإنسان في الفكر الديني، ولمركزية المشترك الإنساني في العلاقة بين الحضارات.