صحافة دولية

الغارديان: هكذا تستفيد السعودية من ندرة المياه بكاليفورنيا

تستفيد الولاية الأمريكية من البرسيم الحجازي - أرشيفية CC0

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقال رأي للكاتبة لورين ماركهام تحدثت فيه عن طبيعة النشاطات الزراعية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية في كاليفورنيا من أجل سدّ احتياجاتها الغذائية.

وقالت الكاتبة، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إنه على الرغم من أن الكثير من المناطق في شرق لوس أنجلوس تعاني الجفاف إلا أن أكثر من نصف منطقة بلايث الزراعية مزروعة بالبرسيم الحجازي، الذي لا يتم تقديمه للأبقار الحلوب في وادي سنترال فالي بكاليفورنيا أو مراعي مونتانا وإنما هو علف للأبقار في المملكة العربية السعودية.

 وذكرت الكاتبة أن الكثير من المستودعات في الطرف الجنوبي من المدينة تعود ملكيتها لشركة "فندمونت فارمز" التابعة لشركة "المراعي" السعودية التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقرا لها، والتي تعد إحدى أكبر شركات إنتاج الأغذية في العالم. وتبيع هذه الشركة الحليب والحليب المجفف والمواد المعبأة في المحلات والمتاجر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناهيك عن محلات البقالة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

 ونظرا لأن المملكة العربية السعودية تعتبر من البلدان الصحراوية فضلا عن أن عملية زراعة البرسيم الحجازي تتطلب استخدام كميات وفيرة من المياه، كانت كلفة زراعته باهظة وتستنزف موارد المياه الشحيحة للبلاد، لدرجة أن الحكومة السعودية حظرت زراعته في سنة 2016. وعلى خلفية ذلك،  قررت شركة المراعي السعودية شراء الأراضي الرخيصة التي تتوفر فيها المياه لإنتاج ما يكفي من العلف لحوالي 93 ألف بقرة.

 وأشارت الكاتبة إلى أن شركة المراعي استحوذت خلال سنة 2012 على 30 ألف فدان من الأراضي في الأرجنتين، واشترت في سنة 2014 أول قطعة أرض في ولاية أريزونا. وفي سنة 2015، اشترت هذه الشركة 1700 فدان في بلايث التي تعد من إحدى المدن الزراعية الشاسعة التي تقع على ضفاف نهر كولورادو. وبعد أربع سنوات، أصبحت الشركة تمتلك 15000 فدان أي ما يعادل 16 بالمائة من كامل الوادي.

 وأكدت الكاتبة أن ما تقوم به شركة "فندمونت فارمز" هو مجرد فصل في استراتيجية إدارة المياه في الغرب، الذي يكشف النقاب عن سلسلة التوريد العالمية، ومدى سهولة نقل سلع على غرار  البرسيم أو الخس من بلد لآخر. وفي هذا السياق، أفاد مدير برنامج الأنهار الصحية في منظمة "ويسترن ريسورسز أدفوكايتس"، بارت ميلر، بأنه "على مدار الثمانين سنة الماضية، ونظرًا لنمو المدن القريبة مثل دنفر ولوس أنجلوس وفينيكس وتوسع المزارع، ازدادت نسبة الحاجة للنهر الذي تقلص منسوبه بسبب تغير المناخ؛ ما جعله يعانى من الجفاف المستمر منذ ما يقارب عقدين من الزمن".

 

اقرأ أيضا: بومبيو: سنحاسب أكبر مسؤول إن ثبت تورطه بقضية خاشقجي

ووفقا للمطالب المتعلقة بالمياه التي قدمها باحث التنقيب البريطاني توماس بلايث سنة 1877 ووافقت عليها الحكومة الفيدرالية، تملك بلايث حقوق مياه غير محددة للاستخدام المفيد". بعبارة أخرى، يمكن لجميع المزارعين والمتساكنين في هذه المنطقة الحصول على المياه مجانا. وبغض النظر عن مقدار الاستخدام، يحصل المزارع على المياه مقابل سعر ثابت.

وبينت الكاتبة أنه في حين أن المملكة العربية السعودية سنت قوانين لإدارة مواردها المائية، لا تزال الولايات المتحدة تدير ثرواتها المائية على أساس التعاقدات التي وقعت في القرن التاسع عشر أي قبل ازدهار المدن الغربية وظهور المزارع الصناعية وإنشاء سلاسل التوريد العالمية، وبالطبع قبل اندلاع أزمة التغير المناخي.

وذكرت الكاتبة أن أحد الموظفين، الذي أطلقت عليه اسم "جيم" تلبية لرغبته في عدم الكشف عن اسمه خوفا من أي إجراءات انتقامية، أخبرها أن شركة "فندمونت فارمز" قد ورثت عقدا يقضي بإراحة الأراضي، حيث لا يمكنها زراعة جزء من هذه الأراضي بشكل سنوي. ويثير هذا الأمر غضب الشركة، نظرا لرغبتها في زراعة البرسيم في كل شبر.

وأضاف "جيم" أن هذه الشركة كانت بمثابة مورد رزق بالنسبة لمتساكني منطقة بلايث الزراعية، لدرجة أن جميع المتساكنين هناك يرغبون في العمل معها. وفي الحقيقة، توظف هذه الشركة أكثر من 100 شخص من السكان المحليين بدوام كامل، وتمتعهم بخطة تقاعد 401 (ك) وعطل وتأمين صحي. كما تدعم المزارعين المحليين عن طريق شراء البرسيم الخاص بهم وشحنه إلى الخارج.

ونقلت الكاتبة عن جي آر إتشارد، المدير المساعد للتعاونية الزراعية في مدينة بلايث التي تعرف باسم "دائرة بالو فيردي للري"، أن السعوديين يشترون البرسيم بأسعار جيدة، مثلهم مثل أي شخص آخر. كما يتوافدون على شراء المنتجات المحلية وهو ما يعد بمثابة ضربة لاقتصاد المدينة.

وأفادت الكاتبة بأن ما يميز البرسيم إمكانية زراعته على مدار السنة. وعلى الرغم من قطعها، تستمر هذه النبتة في النمو، ويمكن استغلالها مرة أخرى. لكن شركة "فندمونت" تعيد زراعة البرسيم بعد استعماله مرتين أو أكثر حتى لا تنخفض جودته. وتجدر الإشارة إلى أن موظفي الشركة يقومون بشكل يومي بأخذ عينات من البرسيم لاختبار جودته، وكلما كانت الجودة أفضل كان إنتاج الأبقار من الحليب أفضل. وحيال هذا الشأن، أوضح "جيم" أن "شركة المراعي تبحث على أعلى مستويات من الجودة فقط".

وأوردت الكاتبة أن شركة "فندمونت" توظف بعض أكثر الآليات تقدما، والتي تتمثل في برامج كمبيوتر تجمع بين صور الأقمار الصناعية وصور الطائرات دون طيار لتحديد خصائص التربة لكل بقعة من الأراضي، بينما تلتقط الطائرات دون طيار مقاطع فيديو لعملية الإنتاج الجارية. كما تعمل الشركة حاليا على تشييد نظام القنوات الخاص بها داخل المزرعة والبوابات الإلكترونية حتى يتمكن المزارعون هناك من ري كل حقل بلمسة زر واحدة من وراء شاشة الكمبيوتر في المكتب.

ومن جهته، أوضح دان بوتنام، خبير البرسيم وأستاذ في جامعة كاليفورنيا (دافيس)،  أن البرسيم الذي تزرعه الولايات المتحدة يقع شحنه إلى الخارج منذ فترة طويلة، قبل ظهور شركة المراعي. ويعد البرسيم ثالث أكبر منتج اقتصادي في الولايات المتحدة، لكن يقع تصدير 4 بالمائة فقط من المحصول سنويا. وتعتبر الدول ذات الصادرات المرتفعة هي الدول ذاتها التي تصارع الجفاف، مما يعني أن معظم الدول التي تعاني من شح المياه تشحن الكثير من مياهها إلى الخارج في شكل برسيم.

 ونوهت الكاتبة بأنه عندما بدأت شركة المراعي السعودية بشراء الأراضي غرب الولايات المتحدة، غضب أنصار البيئة والعديد من المواطنين العاديين. وكشف تقرير للإذاعة الوطنية العامة نُشر خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2015 أن "مزرعة أعلاف سعودية في أريزونا تختبر إمدادات الولاية من المياه الجوفية".

كما عبر بوتنام عن استيائه من موقف المواطنين إزاء صادرات البرسيم متسائلا عن الزراعات الأخرى التي تستهلك الكثير من الموارد المائية على غرار اللوز، الذي يقع تصدير 70 بالمائة من محصوله إلى الخارج، فضلا عن الخس والبرتقال.

 وفي الختام، أشارت الكاتبة إلى أنه من الصعب معرفة كميات المياه الأمريكية التي تُضخ لري نبات البرسيم الذي يشحن بدوره إلى الخارج. لكن لا أحد يعلم متى سينتهي هذا الأمر. وحيال هذا الشأن، قال بوتنام أنه "من أجل استمرار بلدهم، سوف يعمل السعوديون على استغلال أجزاء أخرى من العالم".