كتاب عربي 21

"عبيد المنزل": خمسون عاما نزداد انبطاحا

1300x600
قسّم مالكوم إكس العبيد إلى طبقتين؛ حسب المكان والمكانة، عبيد منزل وعبيد حقل. ووجد أنّ الفرق بينهما هو أنّ عبيد الحقل يعملون تحت الشمس في الأشغال الشاقة بعيداً عن السيد الأبيض، وأنّ عبيد المنزل يعملون في الظل والأشغال الشائقة، قريباً من السيد الأبيض؛ يأكلون فضلات طعامه، أو من جنس طعامه، ويلبسون ثيابه الفائضة أو زيّه، ومن يأكل من طعام السلطان يضرب بسيفه. مثال عبيد المنزل الأفضل نجده في فيلم "دجانغو"، في شخص ستيفنسون الأسود المخلص للبيض، وهو من الأفلام الشهيرة، وينتهي الفيلم بنهاية "سعيدة واحتفالية"، حيث نرى في الفيلم المستعبَد الأسود في المنزل شديد الإخلاص في قتل أبناء جنسه واضطهادهم. ولستيفنسون ألوان أخرى، هو أحياناً أبيض أو حنطي، وأحيانا لا يقبل صحبة المحجبات تقرباً من سيده الأبيض.. المعنى نجده في القرآن الكريم بهذه الصيغة: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا". لاحقاً بعد قرون من نزول الآية، وضع علماء السياسة قاعدة: "فرِّق تَسدْ".

هناك تقسيمات أخرى وأدق وأصدق وأكثر تفصيلا، فمنزل السيد الأبيض كبير، وفيه عبيد قبو، وعبيد إيوان، وعبيد غرفة النوم، ينامون بجانب السيد الأبيض من أجل حكاية قبل النوم، وعبيد عتبة.. أيضاً الحقل فيه جنان تفاح وارفة وبرتقال، وحقول بطاطا تحت الشمس وفي الطين. الضباط السوريون القتلة يحبّون البطاطا ويسمّدونها برفات الشهداء. هناك نادي العبيد الملوك، وهو بيت القصيد في هذا المقال. العبيد ليسوا سودا فقط، فهم بالألوان الخلابة. وهناك عبيد عبيد المنزل، وعبيد عبيد عبيد المنزل.

رأى مالكوم إكس أن التقسيم المذكور الذي سارت به الركبان؛ حالة إنسانية وليست أمريكية. توصف الديمقراطية الأمريكية ظلماً، من لدن عبيد الحقل وعبيد المنزل، بأنها المثالية في العالم، لأنها أتاحت الفرصة لعبيد حقلها المستجلبين بالسفن والبواخر من أفريقيا أن يصيروا عبيد منزل بعد عقود، بل إنها بعد ستة وأربعين رئيساً أبيض، سهّلت تسنّم واحد مختلف منصب الرئاسة في البيت الأبيض، وذلك بعد أحقاب من النضال والظلم والقهر الصافي الذي لا تشوبه شائبة.

الانتساب إلى نادي عبيد المنزل الملكي ليس سهلاً، وله شروط، ودونه خرط حقول الألغام، على القادة الذين يريدون أن يصيروا ملوكاً للحقول العربية المحتلة، وعبيدا في منازل البيض، أن يثبتوا أهليتهم وجدارتهم بقتل عبيد الحقل من أبناء جلدتهم، كما فعل السيسي جهاراً نهاراً، وتقرّباً بالنوافل تنازل عن أراض مهمة تمثل أمنا قومياً لمصر، مثل جزيرتي تيران وصنافير، حتى تصير معبراً دولياً، ودمّر سيناء إكراما لإسرائيل؛ صدقةً تطهره وتزكيه لدى سادة المنزل.

وقد بادر محمد بن سلمان لإثبات جدارته بعضوية نادي عبيد "البيت الأبيض" بتغيير أعراف المملكة، وتغيير قوانينها وشرعتها وشريعتها، وتحويل قبلتها السياسية إلى البيت الأبيض بدلا من وحي الحجر الأسود، واعتقال علمائها ومفكريها، فاشترى لوحة المسيح المخلص، كي تخلّصه وتجعله عبداً مقرباً في المنزل الغربي، اشتراها بأضعاف ثمنها، وغدر بشعبين عربيين يعيشان في الحقل العربي، هما شعب مصر، وشعب اليمن.. وكذلك يفعل أبو مازن بتصريحات تؤكد جدارته بعضوية النادي.. شعب الضفة يعيش في حقل أوسع من شعب غزة، أما ابن زايد فهو عضو ناشط وبارز ومقرب في نادي عبيد المنزل الملكي، وله مبادرات ستيفنسون في كل حقول الأرض للبقاء عضواً ملكياً مميزاً في النادي. أمس أرسل رجل ابن زايد رسالة من أعلى ناطحة سحاب في العالم، إلى الأسياد البيض شكراً لرئيسة وزراء نيوزيلندا على حسن صنيعها بعد مجزرة المسجدين. الرجل شكر البيض، ولم يتحمل واحدا من أبناء الحقل في سنام السلطة المصرية، قيل: إن أحد أسباب إسقاط محمد مرسي أنه فلاح، ابن حقل.

تقول دراسات تاريخية ومرويات دينية: إن سبب الجريمة الأولى بين ابني آدم، هو التمييز بين العمل في الحقل والعمل في المرعى، فقد رأى هابيل المزارع أنه أعلى رتبة من قابيل الراعي. يسارع عبيد المنزل الغربي العرب إلى طاعة السيد الأبيض. أكثر من جاهرَ بالطاعة وفاخرَ هو العبد المنزلي الملكي عبد الفتاح السيسي، باتهام مستعبدي الحقل بالإرهاب. فالملوك العرب السابقون كانوا يحرصون على المواربة، وتمثيل دور الفلاح النشيط.. ومن ذلك تصريحاته في مؤتمر بأن "إنسانيتنا غير إنسانيتكم"، فعبيد الحقل جائعون، والحقل يحترق في أكثر من دولة عربية، والفلاحون ينزحون باتجاه المنزل الأوربي طمعاً في عضوية عبيد المنزل. انتقد بعض سادة المنزل البيض سلوكه، وسجونه وقضاءه، لكنهم راضون به لأنه يحجز عبيد الحقل من الوصول إلى منازل البيض.

السيسي يخلص في عضوية نادي المنزل الأبيض إخلاصاً قلّ نظيره، ونرى ذلك بادياً على وجهه وهو يجلس مع أسياده، ويبدي إعلامه سعادة قصوى بجلوس رئيسه مع سادة المنازل البيض، هناك مشكلة مصرية في ادعائها الانتماء إلى أوروبا البيضاء وهي دولة أفريقية. أبو مازن محمود عباس له تصريحات وقحة ضد مستَعبدي الحقل: الأسد دمر الحقل، وقتل مليوناً من المستَعبدين، للعودة إلى عضوية عبيد المنزل.

هناك طبقة أخرى غير ملوك القصور، هم ملوك الكلمة والفكر، ورجال الدين المنزليين، مثل المفتي السوري الذي يستقبل في عواصم منازل البيض مع أن تصريحه الشهير وفتواه بعمليات انتحارية في أوربا ملء السمع والبصر؛ لأن سيد المنزل الأبيض يعرف أنه عبد منزلي أليف مدجّن ومخلص، فالأعمال بالنيّات لا بالألفاظ والكلمات.. وثمة مفكرون وكتّاب مثل أدونيس الذي غيّر اسمه مبكراً رغبة في عضوية عبودية المنزل، وأنكر دينه للبرهان على حسن عضويته، مع تصريحات مناقضة للديمقراطية، لكن أصحاب المنزل البيض يغضون عنه، ويمنحون أمثاله الجوائز، وكذلك سلمان رشدي، وتسليمة نسرين، وأمثالهما. يمكن توسيع دائرة عبيد الحقل وعبيد المنزل إلى الأديان والطوائف، فالشيعة في ملّة الغرب واعتقاده أقرب إلى عبيد المنزل من السنّة، ولذلك سمحوا لإيران بالتمدد إلى أربع دول عربية، كي ترعى عبيد الحقل وتريهم بأس عبيد المنزل. فرق تسد، احقل تنزل. زد في تقى. كم جاد شخص قد عتى.

يصنف باحثون عرب الثورة السورية كثورة أرياف ضد طغم المدينة، أي ثورة عبيد حقل ضد عبيد منزل.. أكثر جماعة "كنا عايشين" هم من عبيد المنزل.

كُتبت مقالات كثيرة في مديح الاستعمار الأجنبي، وكان ذلك حنيناً إلى "الزمان الجميل"، وقد صرنا في حقل الاستعمار الوطني الذي يقوده عبيد منازل الذين ولّاهم الاستعمار علينا، ما جعلنا نحنُّ إلى أيام الاستعمار، أما الأحرار فيحنّون إلى منزلهم الأول الذي ولدتهم أمهاتهم فيه أحراراً.