قضايا وآراء

ماذا أرادت طهران من زيارة الأسد؟

1300x600

لم يكن يوم الاثنين، الموافق الخامس والعشرين من شباط (فبراير)، يوما عاديا في إيران ولها، فقد شهدت البلاد تطورين بارزين ومفاجئين، الأول زيارة خاطفة وغير معلنة للحليف السوري بشار الأسد إلى طهران، وهي الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، والثاني، القنبلة الثقيلة التي فجرها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في اليوم نفسه، باستقالته التي نالت اهتماما بالغا محليا وإقليميا ودوليا من جهة، وأصابت شظاياها التطور الأول فأماتت الزيارة إعلاميا، بخطفها الأضواء منها من جهة أخرى. 

أدرك ظريف ذلك بعد تراجعه عن الاستقالة، فحاول أن يتدارك الأمر إلى حد ما عبر اتصاله بنظيره السوري، وليد المعلم. 

 

الحسابات الإيرانية من زيارة الأسد


إلا أن موت الزيارة إعلاميا لا يقلل من أهميتها ومدلولاتها السياسية بالنسبة لإيران، وهي كانت الأساس في الحسابات الإيرانية لحظة اتخاذ قرار توجيه الدعوة للحليف السوري لزيارة طهران، وهي أهم من مكاسب إعلامية مؤقتة، أرادتها طهران أيضا، لكن الاستقالة حالت دون تحقيقها. 

الزيارة كانت سرية للغاية، وعلى الأغلب أن الإعلان عنها مساء الاثنين في نشرة الأخبار الأولى على القناة الإيرانية الثانية، جاء بعد أن غادر الأسد الأراضي الإيرانية، ووصل دمشق، كما أنه خلافا على ما جرت عليه العادة في إيران حين استقبال الرؤساء الزائرين، للمرة الأولى جاء لقاء الرئيس الإيراني مع نظيره السوري بعد لقاء الأخير مع المرشد الإيراني الأعلى، وأيضا الجهة الإيرانية المستضيفة كان الحرس الثوري الإيراني، وبالأحرى قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، وليست الرئاسة والخارجية، لتزيد طهران بهذه المعطيات من قوة الرسائل التي أرادت توجيهها إلى جهات إقليمية ودولية. 

 

اقرأ أيضا: زيارة الأسد واستقالة ظريف الجدلية
 
وللوصول إلى فهم أبعاد الزيارة وأهميتها، لابد من البحث عن إجابة دقيقة على سؤالين أساسيين: الأول أنه لماذا اختارت إيران هذا التوقيت لزيارة الأسد؟ بينما خلال السنوات الثمانية الماضية، وخاصة بعد زيارته لروسيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، لم توجه الدعوة له، أقله لكي ترد على انطباع البعض بأن الأسد يرجح الحليف الروسي على الحليف الإيراني، وما شابه ذلك، ناهيكم بتوجيه رسائل لأطراف إقليمية ودولية أخرى. والسؤال الثاني عن دوافع الأسد في القبول بالدعوة الإيرانية في هذا التوقيت الحساس للغاية، وقيامه بزيارة طهران، خاصة أن الجبهة الإقليمية والدولية المعادية لإيران، باتت تقبل باستمراره في السلطة، بعد أن اختفت تماما الدعوات المطالبة بضرورة تنحيه عنها.

 

الجهة الإيرانية المستضيفة للرئيس السوري بشار الأسد كان الحرس الثوري الإيراني، وبالأحرى قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، وليست الرئاسة والخارجية


في الرد على السؤال الأول، ينبغي قراءة الزيارة في أربع سياقات: يتمثل السياق الأول في احتدام الصراع الإيراني ـ الأمريكي، فلا يخفى على أحد أن إنهاء الدور والنفوذ الإيراني الإقليميين، وبالذات في سورية لاعتبارات إسرائيلية، يمثل الهدف الرئيس لإستراتيجية "الضغوط القصوى" التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مواجهة إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار (مايو) 2018، حيث أن الاتفاق وقف حاجزا أمام تحقيق هذا الهدف، لذلك جاءت العقوبات الأمريكية "القاسية" لإشغال إيران بداخلها وجعل تكاليف دورها الإقليمي باهظة الثمن. كما أن واشنطن حاولت عبر تنظيم مؤتمر وارسو خلال الشهر الماضي، الانتقال إلى مرحلة جديدة من الضغوط على إيران بشأن ملفين رئيسين، هما دورها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي.  

 

اقرأ أيضا: البايس: ما فحوى زيارة الأسد الأولى لإيران منذ بداية الحرب؟

وعليه، تأتي الزيارة في إطار جهود إيران الهادفة إلى لملمة أوراقها الإقليمية وتوظيفها في مواجهة التصعيد الأمريكي غير المسبوق، على مختلف الأصعدة. وتأتي في السياق نفسه، تكثيف تحركات طهران الأخيرة في المنطقة، منها زيارة ظريف إلى لبنان بعيد تشكيل الحكومة اللبنانية، وزيارات متلاحقة لمسؤولين إيرانيين إلى العراق، وزيارة مرتقبة للرئيس الإيراني لبغداد خلال الشهر الجاري، إضافة إلى الحراك الإيراني المكثف في العراق على مستويات عدة لتشكيل جبهة ضد التواجد العسكري الأمريكي. 

إلى ذلك، أرادت طهران من خلال وجود بشار الأسد على أراضيها، التأكيد على أن الحرب الاقتصادية التي تشنها عليها الإدارة الأمريكية لم تنجح في إجبارها على الانكفاء، وأنها على العكس تعزز نفوذها الإقليمي، وبالذات في الساحة الأكثر أهمية لها، أي الساحة السورية، وذلك بعد تصاعد التهديدات الأمريكية ضد التواجد الإيراني فيها، وبعد نجاح مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في إقناع ترامب بالإبقاء على جزء من القوات الأمريكية في قاعدة "التنف" على الحدود العراقية السورية. 

إيران وإسرائيل

أما السياق الثاني للزيارة فيرتبط بالمواجهة الإيرانية ـ الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي انتقلت إلى مرحلة متقدمة بعدما بات يعترف الكيان الإسرائيلي رسيما بهجماته المتزايدة داخل سورية، ويقول المسؤولون الإسرائيليون وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو علنا أنها تستهدف إنهاء التواجد الإيراني فيها. 

ليس صدفة أن تكون زيارة الأسد قبل يومين من زيارة مخططة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا، والتي قال نتنياهو إن موضوع إنهاء الوجود الإيراني في سورية يأتي في مقدمة نقاشاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعليه، يمكن اعتبار زيارة الأسد بمثابة رد إيراني مسبق على زيارة نتنياهو لموسكو وما يتمخض عنها. بالتالي على الأغلب احتلت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في سورية حيزا مهما في اللقاءات مع الأسد في طهران التي أوحت على لسان أكثر من مسؤول لها خلال الفترة الأخيرة بأنها تسعى إلى خلق معادلة تنهي الهجمات الإسرائيلية، وهي معادلة يحتاج تحقيقها إلى تعاون كامل من النظام السوري، بعيدا عن العامل الروسي الرافض الذي على ما يبدو لا يريد أن يتجاوز هذا التعاون حدودا معينة لعلاقاته الوطيدة مع الإسرائيليين.

 

ليس صدفة أن تكون زيارة الأسد قبل يومين من زيارة مخططة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا، والتي قال نتنياهو إن موضوع إنهاء الوجود الإيراني في سورية يأتي في مقدمة نقاشاته


وفي السياق، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، الأميرال علي شمخاني، قبل أيام من زيارة الأسد: إن "سورية ستشهد تطورا مهما ردا على هجمات الكيان الصهيوني، وأن هذا الرد خلال عام 2019 سيكون مختلفا جدا مقارنة بالسنوات المنصرمة"، كما أكد أن إيران وحلفاءها في سورية "خططوا لسيناريو رادع يتم تنفيذه على مراحل في مواجهة الكيان الصهيوني". 

التحدي الكبير الذي تواجهه إيران في تحقيق تلك المعادلة، يتمثل أولا في تجاوز العقبة الروسية، وثانيا أنه كيف يمكن تطبيقها دون أن تنتهي إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل، هي بغنا عنها في الوقت الحاضر، لآثارها الكبيرة المحتملة على المشهد السوري. 

إيران والسعودية

والسياق الثالث لزيارة الأسد يرتبط بالصراع الإيراني ـ السعودي الإقليمي، حيث أنها تأتي بعد فترة وجيزة من انفراجات في علاقات دول تحسب على المحور السعودي مع دمشق، منها الإمارات وموريتانيا، والسودان، وسط تحركات لرفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، قيل إن هذا الحراك انطلق بضوء أخضر من الرياض، وأنه عبارة عن تنازلات مسبقة لدمشق لإبعادها عن طهران، إلا أن المضيف الإيراني وضيفه السوري، أرادا من خلال الزيارة التأكيد على عمق التحالف بينهما في مواجهة هذا التوجه. 

بيدا أن طهران كانت بصدد أن ترسل رسالة إلى القوى الإقليمية المعادية لها من خلال استضافة حليفها السوري، بأن مساعيها في إبعاده عنها قد فشلت، كما أن الأسد نفسه أيضا بذهابه إلى طهران بعيد تلك "الانفراجات"، أراد القول بأنه ليس في وارد الابتعاد حليفه الإيراني. 

إيران وروسيا

أما السياق الرابع لتفسير أبعاد زيارة الأسد إلى طهران، له علاقة بالعلاقات الإيرانية الروسية في سوريا، والتي لم تكن تحالفية، وإنما مصالح مشتركة جمعت الطرفين معا خلال السنوات الماضية، لم تعد قائمة على ما يبدو، كما كانت خلال تلك السنوات. فثمة مؤشرات، منها تزايد الحديث الروسي عن انسحاب جميع القوات المتواجدة على الساحة السورية، باستثناء القوات الروسية، تظهر بأن روسيا تريد أن تكون هي اللاعب بلا منازع على الساحة، فذلك إلى جانب ارتدادات العلاقات الروسية الإسرائيلية "الوطيدة" على المصالح الإيرانية، يدفع طهران إلى ترتيب وتعزيز أوراقها في سورية لمنع تجاوز دورها، وبالذات خلال مرحلة "التفاهمات السياسية" المقبلة بعد التطورات العسكرية الميدانية على مدى السنوات الثلاث الماضية لصالح النظام السوري، بالتالي لسان حال استضافة طهران لرأس هرم السلطة في دمشق في هذا التوقيت وهذا السياق، هو التأكيد على عمق نفوذها أولا، والقول إنها شريك ولاعب أساسي لا يمكن الالتفاف عليه في مرحلة التفاهمات السياسية حول مستقبل سوريا السياسي ثانيا.

كما أن بشار الأسد ربما كان معنيا أيضا من خلال المجيء إلى طهران، وتعزيز العلاقات مع الحليف الإيراني، خاصة إذا كانت الزيارة من دون علم الروس أو اتفاق مسبق معهم، بخلق توازنات في العلاقات مع الحليفين الإيراني والروسي، تمنع الأخير من التفرد، وأن تصبح اللاعب بلا منازع في سوريا. 

 

اقرأ أيضا: مسؤول إيراني: هذه هي "الرسالة الخفية" لزيارة الأسد لإيران