مقالات مختارة

الحكومة الجديدة هي الإنذار الأخير..

1300x600

الإعلان عن قبول الرئيس محمود عباس استقالة حكومة الوفاق الوطني بما ينطوي عليه من دوافع ودلالات وأهداف، يشكل في حقيقة الأمر إعلانا عن بدء مرحلة جديدة فيما يتعلق بملف الانقسام، وأيضا بالملف السياسي الوطني العام.

الأصل هو أن الحكومة لم تستقل، وإنما تمت إقالتها بقرار ابتداء من اللجنة المركزية لحركة فتح، ومصادقة الرئيس، دون أن يتضمن القرار، أي عملية تقييم سلبي لأداء الحكومة، البعض ارجع الموضوع، إلى التنافس بين أعضاء اللجنة المركزية، على موضوع رئاسة الحكومة في اطار الاستعدادات لمرحلة ما بعد الرئيس، غير أن الأمر من وجهة نظري يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.

لعل أهم سبب ورد على لسان اكثر من مسؤول بما في ذلك رئيس حكومة تسيير الأعمال، هو أن حل الحكومة يستهدف فك الارتباط مع حركة حماس، بما أن هذه الحكومة هي حكومة وفاق أنتجها اتفاق الشاطئ في نيسان 2014.

وعلى الرغم من أن هذه الحكومة لم تحظ برضا حركة حماس، التي وصفتها بالفشل، ورمتها بكثير من الاتهامات، إلا أن هذه الحكومة تحمل وتتحمل مسؤولية عن إنهاء ملف الانقسام، واعتماد شكل الحوار، من اجل تحقيق ذلك، حل الحكومة يعني أن ملف إنهاء الانقسام بالطرق التقليدية التي جرى اتباعها، قد وصل إلى طريق مسدود سواء فيما يتعلق بالحل، أو بالوسائل التي تم اعتمادها.

ملف الانقسام، هو ملف سياسي بامتياز، وليس ملفا إداريا أو فنيا، ولذلك فإن التعاطي مع هذا الملف يستوجب أدوات، سياسية من بينها الحكومة. فنيا وإداريا، قد لا تكون حكومة، سياسية، فصائلية، اكثر كفاءة من حكومة الدكتور رامي الحمد الله، لكنها حكومة تعني شراكة سياسية في تحمل المسؤولية من كافة جوانبها وهكذا تصبح جهات القرار السياسي والإداري، من طبيعة سياسية. 

في الحديث عن مهمات الحكومة المقبلة، ثمة ارتباك حول ذلك لسبب كثرة التصريحات المتعارضة من قبل أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، ولكن لعل اهم ما ذكر في هذا المجال، هو أن مهمات هذه الحكومة، هي إجراء الانتخابات وترقية السلطة إلى دولة، وإعادة سيطرة الحكومة على قطاع غزة.

اذا حاولنا إعادة ترتيب الأولويات من بين هذه الأهداف الثلاثة، فإن الهدفين الأولين، أي إجراء الانتخابات، وترقية السلطة إلى دولة، يحول دون تحقيقهما استمرار الانقسام، كيف يمكن لاحد أن يتصور إجراء الانتخابات، واي انتخابات في ضوء أزمة الثقة، والتناقض الصارخ بين السلطة في رام الله وغزة؟ وعن أي انتخابات يجري الحديث هل ستكون انتخابات تشريعية، وان كانت كذلك فما معنى ترقية السلطة إلى دولة، أم أنها أيضا رئاسية وانتخابات للمجلس الوطني.

كيف اذاً يمكن الحديث عمليا عن هدف ترقية السلطة إلى دولة في ظل الغموض الذي يكتنف ملف الانتخابات، وفي ظل استمرار الانقسام؟

اذاً المسألة سياسية والهدف الأساسي هو إنهاء الانقسام، وعودة السلطة للسيطرة على قطاع غزة، وهو امر لم تقو كل الاتفاقيات السابقة، والوساطات على تحقيقه بالوسائل والآليات التي جرى اتباعها منذ اثني عشر عاماً.

لقد سبق لحركة فتح، أن أعلنت عن انغلاق الطريق أمام المصالحة ما يعني أنها تنوي اعتماد آليات وأدوات أخرى لاستعادة غزة إلى حضن الشرعية، ومن اجل قطع الطريق على الأهداف الأمريكية الإسرائيلية التي تعمل على فصل القطاع، وتأهيله ليكون مقر الكيان الفلسطيني.

ربما نصدق أو لا نصدق أن لا احد في الساحة الفلسطينية يسعى لفصل الضفة عن غزة، أو التساوق مع الهدف الأمريكي الإسرائيلي بتحويلها إلى دولة، لكن السياسة لا تعتمد على النوايا الحسنة وإنما على الوقائع المتراكمة التي تعكس موازين قوى.

ينبغي عدم الاستخفاف بقدرة التحالف الأمريكي الإسرائيلي على فرض الوقائع بالقوة، كما لا ينبغي الاعتماد على الشعارات، والرغبات لإفشال صفقة القرن التي تستهدف مصادرة الحقوق الفلسطينية وبسط السيطرة الإسرائيلية على معظم أراضي الضفة الغربية بالإضافة إلى القدس.

ولكن هل تنجح اللجنة المركزية في حشد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في اطار هذه الحكومة السياسية أم أن الواقع يشير إلى ضعف هذه الإمكانية بسبب الإشكاليات التي تسود العلاقة مع بعض الفصائل الرئيسة في المنظمة، والتي دفعت هذه الفصائل للإعلان حتى قبل بدء المشاورات، عن رفض المشاركة في الحكومة المقبلة؟

في ضوء الوقائع، فإن حركة فتح تأخرت كثيرا في العمل من اجل رأب الصدع بين فصائل المنظمة وفي إطارها، ما يعني أن الحكومة ستقتصر على حركة فتح، وبعض الفصائل، وشخصيات مستقلة ما سيضعف طابعها السياسي.

المؤشرات كلها تقول إن القيادة والحكومة المقبلة، ستأخذ بطريق الإجراءات المتتابعة من اجل تضييق الخناق حول حركة حماس ما سيفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية التي يعاني منها أصلا سكان قطاع غزة.

من الواضح أن العلاقة بين السلطة وحركة حماس، تسير في اتجاه تعميق التوتر، وتعميق الأزمة، بل والاشتباك وربما يؤدي ذلك إلى فوضى، يحتم ذلك على الفصائل التدخل الفعال لإعادة الأطراف إلى طاولة الحوار من جديد، بالاستفادة من الدعوة الروسية، وقبل أن يتم تشكيل الحكومة السياسية، والا فإن الأوضاع تذهب إلى مزيد من التدهور.

عن صحيفة الأيام الفلسطينية