قضايا وآراء

ما تعلمته من الزعيم مانديلا

1300x600
في يوم من الأيام، حين كان نيلسون مانديلا يدرس الحقوق في الجامعة، كان أحد الأساتذة واسمه "بيتر"، وهو أبيض البشرة ويكره مانديلا بشدة، فطرح الأستاذ بيتر في الصف سؤالاً على مانديلا قائلا: إذا كنت تمشي في الطريق ووجدت صندوقا وداخل هذا الصندوق كيسان، الكيس الأول فيه المال والثاني فيه الحكمة، أي كيس تختار؟.. من دون تردد أجابه مانديلا، طبعاً سآخذ كيس المال.

ابتسم الأستاذ وقال ساخرا منه: لو كنت مكانك لأخذت كيس الحكمة، فجاوبه مانديلا بثقة، كل شخص يأخذ ما يحتاجه.

نيلسون مانديلا، الزعيم الأفريقي والبطل الذي ناضل سنين عديدة دفاعا عن مبادئه وقيمه وحقوق شعبه، وأصبح مع مرور الزمن أيقونة للنضال في العالم. وكما ضرب مثالا رائعاً في قوة محاربة التمييز العنصري، ضرب مثالا أروع في قوة التسامح بعد الانتصار. وهنا سنركز على أهم درسين يجب الاستفادة منهما في قصة كفاح مانديلا.

ولد نيلسون مانديلا في 18 تموز/ يوليو 1918م في مفيزو بجنوب أفريقيا. كان زعيما وطنيا مناضلا في سبيل إنهاء نظام الفصل العنصري الذي جعل قلة من الرجال البِيض من أصول انجليزية يتحكمون بكل ظلم وعنصرية بمصير الأغلبية الساحقة من السود، وقد قاد على مدار 20 عاماً نشاطات سلمية تهدف للوقوف على وجه سياسات القمع للحكومة، ولكنه عندما أدرك فشل تلك النشاطات تبنى الحل العسكري بوصفه السبيل الوحيد لتحقيق أهدافه، حيث أنه عام 1961م اعتنق فكرة الكفاح المسلح.

وقاد مانديلا في هذا العام إضراب العمال الذي استمر لثلاثة أيام؛ فاعتقلته السلطات وحُكم عليه بالسجن المؤبد. وطالما كانت السجون أداة لقمع المعارضة، ولكن مانديلا لم يوقفه السجن، فبدأ بالتعلم والدراسة بالمراسلة لتحضير ليسانس الحقوق من جامعة لندن. وعندما انتقل من سجن بريتوريا إلى سجن روبن أيلاند، لم يتوقف، وشكَّل "جامعة جزيرة روبن"، حيث بدأ السجناء يحاضرون فيها كلٌ حسب تخصصه، فكون علاقات جيدة مع السجناء ومعظمهم من السود أيضا خلال فترة السجن درس مانديلا الدين الإسلامي واللغة الأفريكانية، ودرس المحاماة بعمق.

وهنا نقف عند أول درس، وهو الإصرار والتمسك بالأهداف والغايات مهما بلغت الصعاب والعوائق، والاستمرار في التعلم والمبادرة مهما كانت الظروف المحيطة. فمتى ضاقت عليك الحياة بمشاكلها لا تتوقف عن السير في طريقك، ولا تستدر عن أهدافك مستسلما. فهذا مانديلا لم يستسلم لجدران السجن والقيود، وأبَى إلا أن يجد نفسه مبادراً متعلما ومُعلما لمن حوله. فها هو بعد 27 سنة من السجن يخرج ويحقق الأهداف التي طالما حارب من أجلها، وتتم المفاوضات بينه وبين الحكومة لوضع دستور خاص بجنوب أفريقيا؛ يمنح السود حق المواطنة وحق الانتخاب، فالصمود في نهايته نصر أكيد.

بعد خروج مانديلا من السجن واجه أكبر تحد بالنسبة له، وهو أن نسبة كبيرة من السود يريدون الانتقام ومحاكمة كل إنسان كانت له صلة بالنظام السابق، ولكن مانديلا حال دون ذلك، ولولا ذلك لانجرفت جنوب أفريقيا للحرب الأهلية. لذلك، طلب مانديلا من شعبه أن ينسى الماضي بكل آلامه وأحزانه وذكرياته الأليمة، ويسمو فوق الجراح والأوجاع، ووصل بشعبه إلى بر الأمان والتعايش السلمي. وفي عام 1994م، وفي ظل هذه الأجواء، أُجريت أول انتخابات يشترك فيها البيض والسود، وفاز فيها مانديلا باكتساح، ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا.

وهنا درسنا الثاني، وهو التسامح واحتساب الأذى والآلام عند الله عز وجل، وهذه قيمة لا يقدر عليها إلا كِبار النفوس، فالشخصية القوية هي التي تعفو وتسامح وتسمو فوق أوجاعها؛ الشخصية التي لا تحمل روح الانتقام والكراهية. إن قوة التسامح هي القيمة التي جعلت مانديلا متفرداً بين المناضلين، ونختم بمقولته الشهيرة "نحن نغفر ولكننا لا ننسى".