مقالات مختارة

خطايا سياسية دمّرت صورة السعودية

1300x600

يؤشِّر الرفضُ الواسع الذي أبدته بعض النخب السياسية والثقافية العربية لزيارة ولي العهد السعودي بن سلمان لبلدانها، على مدى الدمار الكبير الذي لحق بصورة السعودية في نظر الشعوب العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة بسبب ارتكابها أخطاء كبيرة ترتقي إلى أن تكون خطايا سياسية زلزلت صورتها بشدّة، وكانت جريمة قتل خاشقجي هي فقط القطرة التي أفاضت الكأس.


الخطيئة الأولى هي حرب اليمن وحصار شعبه منذ مارس 2015 إلى حدّ الساعة، وما خلّفه ذلك من نتائج كارثية؛ فمقابل عدم تحقيق هدفها الرئيس وهو إعادة الشرعية إلى الحكم، فقد أدّت الحرب إلى خسائر مادية وبشرية كبيرة، وباتت المجاعة تهدّد نصف الشعب اليمني، وظهرت آثار سوء التغذية المزمن على ملايين الأطفال الذين تحوّلوا إلى أجساد من عظام يكسوها جلد، وتشير إحصائياتٌ دولية إلى أن هناك طفلا واحدا يموت كل عشر دقائق وأن أزيد من 85 ألف طفل توفوا طيلة الحرب من الجوع والمرض.. وكل ذلك يرتقي إلى أن يكون جرائم ضد الإنسانية. وخلّف ذلك موجة رفض واسعة في العالم لاستمرار الحرب، وأحرج الدولَ الكبرى المسانِدة للسعودية، ما دفعها إلى مطالبتها مؤخرا بإيقاف الحرب ورفع الحصار والبحث عن حل سياسي.


الخطيئة السياسية الثانية هي التطبيع مع الاحتلال ودفع دول الخليج في هذا الاتجاه تمهيدا لإقامة “الناتو” العربي- الصهيوني ضدّ إيران في 2019، وهذا على حساب القضيّة الفلسطينية والقدس، فضلا عن معاداة المقاومة ووصفها بـ”الإرهاب” والانخراط في “صفقة القرن” الأمريكية.. وقد صرّح ترامب منذ أيام بأن السعودية أدت دورا محوريا في تثبيت أمن الاحتلال ولولاها لكان في ورطة كبرى تهدد وجوده.. وأدى ذلك إلى تصاعد موجة الاستياء والغضب لدى الشعوب العربية التي باتت ترى أن بلاد الحرمين قد تخندقت مع العدوّ وباعت القضية الفلسطينية والأقصى ليحافظ حكامُها على كراسيهم، وهي خيانة لا تغفرها الشعوب.


الخطيئة السياسية الثالثة هي قمعُ المعارضين والتنكيل بهم والزجُّ بالعشرات من المثقفين والحقوقيين والدعاة والعلماء في السجون تعسفيا، وفي مقدِّمتهم سلمان العودة وسفر الحوالي وعوض القرني وعلي العمري وعلي عمر بادحدح… وغيرهم من الدعاة المستقلين الذين رفضوا التجاوب مع المملكة في حصارها الجائر لقطر ومعاداتها للمقاومة الفلسطينية وانخراطها في التطبيع… وقد أظهرت حملة الاعتقالات التي أمر بها بن سلمان ضد معارضيه مدى ضيقه بالرأي الآخر ورفضه قطعا، وهو ما يتّضح أكثر في قضية خاشقجي الذي قُتل ببشاعة وقُطع بالمنشار لمجرد أنه عارض التوجّه الجديد للمملكة بقيادة ابن سلمان.


ويضاف إلى ما سبق دورُ السعودية الرئيس في تدمير سوريا وإعادتها عشرات السنين إلى الوراء، ودعم الانقلاب على الشرعية بمصر، وحصار قطر، والانخراط رفقة الإمارات في عقوبات ترامب ضد تركيا قبل أشهر والمساهمة في تدني قيمة عملتها، فضلا عن تخفيض أسعار النفط إلى الحضيض في أسابيع قليلة استجابة لطلب ترامب، ما أضرّ باقتصاديات بلدانٍ عربية عديدة تعتمد أساسا على هذه المادة في مداخيلها بالعملة الصعبة.. كل هذه الخطايا السياسية أضرت بشدّة بصورة السعودية في نظر الشعوب العربية والإسلامية، وغنيٌّ عن القول إن أموالها لا تكفي لترميمها، بل يرمّمها فقط المراجعةُ الجذرية لسياساتها في المنطقة.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية